"بنك أهداف" اصطناعي: الجيش الإسرائيلي يستهدف المدنيين

مصادر أمنية إسرائيلية تعترف: "الجيش الإسرائيلي بدأ بإنتاج أهداف لنفسه بصورة اصطناعية من أجل مواجهة الانتقادات، وعدد الأهداف التي تم وسمها لم تدل بالضرورة على نوعيتها، وتمت المبالغة بقيمتها لدى وصفها بأنها ’أهداف نوعية’"

موقع بيت عائلة السواريكة بعد أن استهدفه طيران الاحتلال، قبل أسبوعين (أ.ب.)

يعفي جيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه، لدى استهداف مدنيين في الحروب، بالزعم أن الموقع الذي تواجد فيه المدنيون هو ضمن "بنك الأهداف". ويتم تجميع هذه "الأهداف" في فترات هدوء أمني عادة، وخلال فترات التصعيد في بعض الأحيان، لكن الأمر المؤكد هو أن الكثير من هذه "الأهداف" لا يتواجد فيها مسلحون ولا تطلق منها قذائف صاروخية ولا تخرج منها عمليات عسكرية.

وتكرر إسرائيل استهداف المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة. وخلال العدوان على غزة عام 2014، الذي تطلق إسرائيل عليه تسمية "الجرف الصامد"، دمر طيران الاحتلال أكثر من 13 ألف منزل. وفي الجولات العدوانية التي سبقته وتلته، تم ارتكاب جرائم مشابهة. وخلال جولة التصعيد الأخيرة بين الاحتلال وحركة الجهاد الإسلامي في القطاع، قبل أسبوعين، استهدف طيران الاحتلال عائلة السواركة في دير البلح، ما أسفر عن استشهاد 9 من أفرادها.

ويزعم جيش الاحتلال أن عائلة السواركة تواجدت في مبنى يصفه بأنه "بنية تحتية إرهابية" تابع للجهاد الإسلامي. وذكرت صحيفة "هآرتس" اليوم، الخميس، أنه تبين من تحقيق أجرته أن استهداف الجيش الإسرائيلي لبيوت مدنيين ليست ممارسات استثنائية. ونقلت الصحيفة عن مصادر في جهاز الأمن الإسرائيلي قولها إن "الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا إرهابية كثيرة في غزة والتي تم إدخالها إلى ’بنك الأهداف’ قبل وقت طويل من استهدافها، من دون التدقيق في وضعها لدى قصفها من أجل التأكد من عدم وجود مدنيين في المكان أو أن المكان تحول إلى موقع سكني".       

ويواصل الجيش الإسرائيلي الادعاء أن مبنى عائلة السواركة هو "منشأة تدريب" للجهاد. كما تزعم مصادر أمنية مطلعة على الموضوع أن الموقع ليس بيتا للعائلة، وإنما أكواخ توجد فيها سواتر ترابية وسياجا يحيط موقع تدريبات.

إلا أن الصحيفة قالت إنها حصلت على صورة للموقع، تم التقاطها قبل عشرة أشهر، يظهر فيها كوخ صغير من الصفيح، ومحاط بسياج ممزق ويسمح بدخول حرّ إلى المكان، من دون ساتر ترابي كما هو متبع في مواقع للفصائل.

موقع في منطقة القرارة شرقي خان يونس بعد قصف إسرائيلي، قبل أسبوعين )أ.ب.)

وواصل الجيش الإسرائيلي إعطاء معلومات كاذبة. فبعد الكشف في وسائل إعلام إسرائيلية عن أنه لم يتم تعديل المعلومات حول المبنى قبل استهدافه، ادعى الجيش أنه تم إجراء فحص قبل عدة أيام من القصف. إلا أن "هآرتس" أشارت إلى أنه اتضح لاحقا أن الفحص الأخير الذي أجراه الجيش تطرق إلى ظروف مهاجمته والقيود التي يضعها هجوما كهذا، ولم يتم التدقيق في وضع المبنى ومعلومات استخبارية بشأنه لدى قصفه. كما أكد جيران عائلة السواركة أن المكان كان مأهولا بمدنيين في السنوات الأخيرة.  

قيود أقل على "بنك الأهداف"

قائد الجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، هيرتسي هليفي، كان قد اعتبر لدى تطرقه إلى استهداف عائلة السواركة، أن "أمورا كهذه يمكن أن تحدث. ولم نفاجأ من ذلك". وكرر في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الموقع "استخدمته الجهاد الإسلامي في جولات سابقة لأنشطة عسكرية. ونحن نتصرف بدقة، لكن مهمتنا هي أن ننظر إلى المعادلة كلها. فإذا هاجمنا ببطء وعملنا بحذر زائد، فإن هذا قد يمس بنا. والمعضلة هي بين مواطني الجنوب (الإسرائيليين) ومواطني غزة. وإذا كنت تسكن قرب بنية تحتية إرهابية، غادر المكان في بداية جولة التصعيد".

يشار إلى أن أقوال هليفي هي مجرد ذريعة للتستر على جريمة. فخلال جولات التصعيد، في السنوات السابقة، قصف الطيران الإسرائيلي مستشفيات ومساجد ومدارس، لجأت إليها عائلات بعد تدمير بيوتها، وسقط في هذا القصف عدد كبير من الشهداء. وخلال العدوان على غزة عام 2014، استشهد 535 طفلا.  

وحسب مسؤول أمني تحدث إلى الصحيفة، فإنه في حال وصف الجيش موقعا معينا بأنه "بنية تحتية إرهابية"، فإنه توجد قيود أقل على استهدافه، خاصة إذا تواجد فيفي منطقة زراعية أو بعيدا عن منطقة مأهرولة.

وأضاف أنه "كانت هناك مطالبة عملانية بجباية ثمن بالأنفس"، وأنه لذلك لم يتم فحص قيودا أخرى على الهجوم أثناء تنفيذه. وتابع أن "الجيش الإسرائيلي لا يفحص دائما أهدافا، مثل مخزن أسلحة، قبل قصفها، ولا يوجد احتمال لأن ينجح الجيش بفحص أمر كهذا". واعتبر أنه "بما أنه في الحرب تتم مهاجمة آلاف الأهداف يوميا، فإنه ليس بالإمكان النظر إلى أي هدف أثناء القصف أو توثيقه قبل الهجوم. وغالبية البنى التحتية الإرهابية تُقصف بطريقة ’أطلق وانسى’، وفيما لا يرى الطيار الهدف".

وقال مصدر عسكري للصحيفة إن الاستخبارات الإسرائيلية ما زالت تدعي أن منزل عائلة السواركة يستخدم كموقع تدريب لمقاتلي الجهاد، بينما الجيش الإسرائيلي يرفض الإفصاح عن تفاصيل "التعليمات الملزمة" بالاستهداف، بادعاء أن "هذه خطوات عملانية وأساليب عمل استخبارية ليس بالإمكان كشفها لأسباب تتعلق بأمن المعلومات".

جثامين الشهداء من عائلة السواركة (أ.ب.)

وتبين من وثائق عسكرية حصلت عليها منظمات حقوقية، بموجب أمر من المحكمة، أن "مستشارين قانونيين يشاركون في قسم من مهمات تخطيط مهاجمة الأهداف، مع التشديد على إجراءات المصادقة على الأهداف المخطط استهدافها مسبقا"، ما يعنين وفقا للصحيفة، أن هؤلاء المستشارين يفحصون الهدف قبل إدخاله إلى "بنك الأهداف"، وليسوا ملزمين دائما بفحص معلومات جديدة جرى تلقيها قبل الهجوم.

"بنك أهداف اصطناعي"

نقلت الصحيفة عن مصدر حكومي، شارك في هيئات أمنية تداولت حول موضوع "بنك الأهداف"، قوله إنه في أعقاب حرب لبنان الثانية، عام 2006، والعدوان على غزة عام 2014، انتقدت جهات أمنية بشدة جهوزية الجيش الإسرائيلي لمهاجمة عدد ليس كبيرا من الأهداف، باعتبار أنه كان بإمكان ذلك تعزيز ردع الجيش الإسرائيلي أثناء حرب متواصلة.

وأضاف المصدر الحكومي أن جهات أمنية أشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي "بدأ بإنتاج أهداف لنفسه بصورة اصطناعية من أجل مواجهة الانتقادات، بحيث أن عدد الأهداف التي تم وسمها لم تدل بالضرورة على نوعيتها".

وأشار مصدر أمني إلى أنه "بعد ممارسة ضغوط على المستوى العسكري من أجل أن يستعرض بنك أهداف أكبر، جرى في حالات كثيرة وصف مبان، من أربعة طوابق أو منشآت بنية تحتية، بأنها ’أهداف نوعية’، وتمت المبالغة بقيمتها".

وتابع المصدر الأمني أنه "في غزة لا توجد آلاف الأهداف، وبالتأكيد ليس أهدافا ذات قيمة أمنية عالية، ولذلك فإن إنتاج بنك أهداف من أجل صد انتقادات ليس عملا صائبا، ويأتي أحيانا على حساب نوعية المعلومات الاستخبارية حول الأهداف".

وقال المصدر الأمني أن قسما من المعلومات حول الأهداف تصل من مصادر لا تعمل من اعتبارات مهنية، مثل خلاف بين جيران أو نزاع عمل.

التعليقات