15/01/2019 - 12:56

حين يفرغ العش من ساكنيه

عندما يهجر الأولاد "العش" ويفرغ المنزل من ساكنيه تدريجيا، هل فكرتم لحظة وأنتم في خضم الحياة أيها الأهل الأعزاء، والسعي من أجل تحقيق الذات والقيام بمهام الأولاد من خلال التربية، بأن هذه الأيام سوف تصير ذكرى

حين يفرغ العش من ساكنيه

اخترت لكم القراء الأعزاء، قصيدة " أب" الرائعة تصف حال الوالدين بعد زواج الأبناء أوتركهم لبيت العائلة، هذه القصيدة قالها الشاعر السوري الراحل "عمر بهاء الدين الأميري" في الحنين إلى أولاده حينما سافروا وتزوجوا وتركوه وحيدا في بيته، وقد قال الكاتب والأديب "عباس محمود العقاد" عن هذه القصيدة ( لو كان للأدب العالمي ديوان لكانت هذه القصيدة في طليعته).

عندما يهجر الأولاد "العش" ويفرغ المنزل من ساكنيه تدريجيا، هل فكرتم لحظة وأنتم في خضم الحياة أيها الأهل الأعزاء، والسعي من أجل تحقيق الذات والقيام بمهام الأولاد من خلال التربية، بأنكم ستصلون يوما إلى هذا أنتم أيضا، وبأن لحظاتكم مع أولادكم سوف تصير ذكرى يوما ما وسوف يأخذكم الحنين ويستوقفكم قطار الحياة، وتشتهون تلك الأيام من عمركم حين كان البيت يضج بالحركة والعطاء والتضحية والهموم والصراع وما إلى ذلك من مركبات العائلة اليومية والتفاعلات بين أفرادها.

أيها الأهل الشباب، هل فكرتم بأهلكم، ماذا يمر عليهم اليوم، تأكدوا تماما أنهم بحاجة لكم، حتى وإن لم يقولوا ذلك لكم مباشرة، حرصا على حريتكم وعائلتكم، ولكن السؤال عنهم يوميا بدون شك يحييهم، حتى لو كنتم في أوج ضغوطاتكم اليومية الروتينية، وخضم هذه الحياة، تذكروا أنهم بحاجة لحنانكم واهتمامكم ورعايتكم ومحبتكم.     

تقول القصيدة: 

الشاعر الراحل
عمر بهاء الدين الأميري

أين الضجيجُ العذبُ والشغبُ    أين التدارسُ شابه اللعبُ؟

أين الطفولةُ في توقدها        أين الدمى في الأرض والكتبُ؟

أين التشاكسُ دونما غرضٍ     أين التشاكي ماله سببُ؟

أين التباكي والتضاحكُ في    وقتٍ معا والحزنُ والطربُ؟

أين التسابقُ في مجاورتي       شغفاً إذا أكلوا وإن شربوا ؟ 

يتزاحمون على مجالستي       والقربِ مني حيثما انقلبوا 

يتوجهون بسوْقِ فطرتهم        نحوي إذا رهبوا وإن رغبوا 

فنشيدُهم : ( بابا ) إذا فرحوا      ووعيدُهم : ( بابا ) إذا غضبوا 

وهتافهم : ( بابا ) إذا ابتعدوا      ونجيّهم : ( بابا ) إذا اقتربوا 

بالأمسِ كانوا مِلءَ منزلنا         واليوم ويح اليوم قد ذهبوا 

وكأنما الصمت الذي هبطت    أثقالُه في الدار إذ  غربوا

إغفاءةَ المحمومِ  هدأتها         فيها يشيعُ الهمُ والتعبُ 

ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنُهم    في القلبِ ما شطّوا وما قربوا 

إني أراهم أينما التفتتْ           نفسي وقد سكنوا وقد وثبوا 

وأحسُّ في خلَدي تلاعبَهم       في الدار ليس ينالهم  نصبُ 

وبريق أعينهم إذا ظفروا        ودموع حرقتهم  إذا غلبوا 

في كلِّ ركنٍ منهم أثرٌ             وبكل زاوية لهم صخب 

في النافذات زجاجها حطموا    في الحائط  المدهون قد ثقبوا

في الباب قد كسروا مزالجَه     وعليه قد رسموا وقد كتبوا 

في الصحن فيه بعض ما أكلوا   في علبة الحلوى التي نهبوا 

في الشطر من تفاحةٍ قضموا         في فضلةِ الماءِ التي سكبوا 

إني أراهم حيثما اتجهتْ            عيني كأسرابِ القطا سرَبوا 

دمعي الذي  كتمته جَلَدا               لما تباكوا عندما ركبوا 

حتى إذا ساروا وقد نزعوا          من أضلعي قلبا بهم يَجِبُ 

ألفيتني  كالطفل عاطفةً               فإذا به كالغيثِ ينسكبُ 

قد يعجب العذالُ من رَجلٍ           يبكي ولو لم أبكِ فالعجب 

هيهات ما كل البكا خَوَر ٌ            إني وبي عزمُ الرجالِ أبُ

استمتعوا بأولادكم والحياة السعيدة معهم، قبل أن يتركوا البيت إلى زحمة وصخب الحياة وتتفرقوا. 

التعليقات