18/09/2021 - 13:50

العلاج بالفنون ودور الأهل في العلاج

في بداية العملية العلاجية وبمساعدة الأهل، خلال جلسة التعارف نحاول التعرف على خلفية الطفل (خبراته، علاقاته ومدى ارتباطه مع أفراد أسرته ومحيطه القريب أو علاقاته مع أبناء جيله بإطار المدرسة)

العلاج بالفنون ودور الأهل في العلاج

 

نسرين حزّان حايك

 

نسرين حزّان حايك، لقب ثاني"MA" بموضوع العلاج بالفن، تعمل معالجه عاطفية عن طريق الفن بمؤسسة للتربية الخاصة، بالتحديد للأطفال اللين يعانون من التوحد وبعيادة مختصه بالتشخيص والعلاجات النفسية  من كافة شرائح المجتمع والأجيال.

 

 

 

 

 

هي تقنية علاجية حديثة نسبيا وخصوصا بمجتمعاتنا العربية، لهذا سوف نسلط الضوء على العلاج بالفن خصوصا العلاجات الموجهة لشريحة الأطفال وأهمية تفاعل ومساندة الأهل بالعملية العلاجية.
هنالك عدة  أبجاث ودراسات تشير إلى أن العلاج بالفن يعطي نتائج ملموسة للأطفال، وبالأخص لهؤلاء الذين مرّوا بتجارب عنيفة ومؤلمة، هذا العلاج يوفر للطفل نوعا من التواصل الغير لفظي، وشكل من أشكال "التنفيس" حيث يتمكن من خلاله التعبير بشكل أعمق وأوسع من استعمال العبارات والكلمات التي بمعظم الأحيان يستصعب الأطفال استعمالها للتعبير عن أنفسهم ومشاعرهم الحقيقية تجاه أنفسهم  والآخرين.

ما هو العلاج بالفن التشكيلي (البصري)؟

العلاج بالفن التشكيلي أو الفن البصري هو علاج نفسي يعتمد على أدوات ومواد الفن، كأداة أساسية للتعبير عن النفس وتحقيق أغراض تشخيصية وعلاجية لكافة الفئات العمرية وبالأخص لفئة الاطفال.
المعالِج بالفن يوظف أدوات ومواد الفنون الإبداعية (مثل ألوان الباستيل، الوان ماء، طين، فسيفساء، صور وأوراق رسم، صمغ، مقص وغيرها)، وذلك بهدف التخفيف من وطأة العبء النفسي الذي يشعر به الأطفال المضطرببن، بالإضافة إلى كونها دعوة للعمل بالمواد لاكتشاف أنفسهم  ولخوض حوار داخلي بينهم وبين أنفسهم، والتركيز والاستمتاع بالعملية دون النقد أو التقييم للعملية الإبداعية التي يقومون بها والناتج منها.

كيف تتم عملية العلاج بالفن للأطفال ؟
في بداية العملية العلاجية وبمساعدة الأهل، خلال جلسة التعارف نحاول التعرف على خلفية الطفل (خبراته، علاقاته ومدى ارتباطه مع أفراد أسرته ومحيطه القريب أو علاقاته مع أبناء جيله بإطار المدرسة) من وجهة نظر الأهل، وبشكل خاص نهتم جدا بالتعرف على أسباب التوجه، وما هي توقعات الأهل من عملية العلاج.

من جهة أخرى نعطي المساحة الأكبر للطفل ليعبر عن نفسة وعن أفكاره, ليس فقط عن طريق الكلام وإنما عن طريق انفعالاته وحركات جسده من خلال العملية الإبداعية التي هي بالأساس طريقة من طرق التواصل الأقوى والأسهل للطفل (تواصل بينه وبين نفسه وأيضا بينه وبين المعالِج) لنصل إلى عالمه الداخلي، أفكاره أو إلى الطريقة التي اختبر بها الصدمة أو القضية التي مر بها، وما انطبع في ذهنه من صور ومآسٍ, كل ذلك يتم داخل إطار علاقة آمنه وداعمة للطفل والأهل.                                                        

أثبتت الأبحاث بأن الصدمات والتجارب المؤلمة  تترك اثرا كبيرا لدى الطفل بجسده وبعالمه الداخلي، ويتعذر عليه التعبير عنها بالكلام لصعوبتها أو لعدم وجود وصف معبر عما يشعر به بالكلام والمفردات.
فسيرورة العمل الفني والمنتوج الفني بحد ذاته جزء هام ومركزي بالعلاج بالفنون, يقدم للطفل طريقة بديلة عن  الكلام والتعبير عن شيء مؤلم أو مرعب مر به، فبالعمل الفني يتذكرها، من خلال رؤيته واستعماله للألوان المختلفة، من شم روائح المواد أو من لمسها إن كانت سائلة أو جافة وما إلى ذلك، مما يسهل علينا التعرف على مأساته أو ألمه دون التكلم عنها، وعندها يكون للمعالِج دور كبير بالتعامل مع ما تلقى من معلومات وصور، وتكون لديه الأدوات والطرق الملائمة بكيفية إرجاع ردة الفعل للطفل حتى يساعده في تخطي الصعوبات التي تعرض لها في السابق، وبهذا يكون المعالِج قد فتح المجال لإعادة التجربة المؤلمة والعيش بها مرة أخرى كتجربة مصحِّحَة للتي سبقتها.
عند الانتهاء من العمل مع الطفل، هذا يعني أن الطفل تجاوز المحنة وباستطاعته أن يكون مستقلا ومحصنا، لكن هذا لا يجعل الطفل ينسى ما مر به من صدمات أو تجارب صعبة، هو يتذكرها ومن الممكن أن يحزن بسببها لكنها لن تؤثر سلبا على أدائه و مجرى حياته اليومية.

هل هناك دور للأهل بالعملية العلاجية؟

بالطبع للأهل دور مهم ومكمل للعملية العلاجية، أحيانا يكون دورهم خارج الجلسات ومكمل لها بالمنزل، وأحيانا يكون الدور داخل جلسات العلاج كمشاركين بها (كعلاج ثنائي)، طفل - أم أو طفل - أب (Dyadic Treatment)،  مساعدة ومساندة الأهل تزيد من نسبة النجاح للعملية العلاجية.
مهم جدا أيضا التوضيح أن مرافقة الأهل بشكل مهني من قبل المختص أمر لا يقل أهمية عن  العلاج النفسي  للطفل، هذه المرافقة بمثابة توجيه ومساندة للأهل لتخطي الصعوبات أو لتوجيه وتدريب الأهل على مراقبة ردود فعلهم التي هي، حسب رأيي عامل مهم بتفاقم القضية أو بحلها من جهة أخرى.


في أي حالات على الأهل التوجه لطلب علاج نفسي للطفل أو طلب مرافقة مهنية؟
من الصعب علينا كأهل تشخيص أطفالنا أو معرفة مدى حاجتهم للاستشارة أو العلاج النفسي، وقد نحتاج إلى توجيه واستشارة  أولا عن طريق طبيب العائلة، وهنا سأستعرض باختصار وبخطوط عريضة مجموعة من العلامات التي بمثابة مؤشر لوجود الحاجة لدى الطفل للعلاج النفسي:
- إصابة الطفل أو إصابة أحد أفراد عائلته بمرض مزمن أو خطير, آلآم وشكاوي جسدية غير مفسرة.
- مشاكل أُسرية مثل العنف أو الطلاق وغيرها.
- صدمات عنيفة، مثل موت أحد الوالدين أو أي شخص مقرب للطفل.
- هلوسات بالسمع والبصر بشكل متكرر.
- التعرض للتحرشات الجنسية أو الإيذاء الجسدي وأيضا حالات التنَّمُر.
- الاكتئاب والحزن الشديد، القلق والخوف الشديد المفاجئ، اضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة، اضطراب يعرقل الطفل على التواصل والتفاعل مع محيطه (مثل التوحد).
- اضطرابات بالأكل، النقص بالوزن أو الزيادة المفرطة بالوزن، التغير بعادات النوم، الكوابيس المتكررة والفزع أثناء النوم.
- الصعوبة في التركيز، والتأخر بالتحصيل الدراسي.
- تأخّر التطوّر لدى الطفل من الناحية الحركية وايضا اللغوية.
- الاعتماد على الآخر والتعلق به بشكل مرضي.

هل يجب على المعالِج أو المتقدم للعلاج أن يكون فنانا في مجال معين؟

ليس بالضرورة ان يكون المتقدم للعلاج فنانا, لأن العملية العلاجية لا تتعلق بقيمة العمل الإبداعي وإنما يكون التركيز على سيرورة العمل وما ينتج من خلالها من أحاسيس، أفكار وتصرفات، لغة الجسد.

كذلك الأمر بالنسبة للمعالج، فمن الضروري أن تكون لديه ثقافه بالفن التشكيلي، بأدواته ومواده، وإيمان بأنه عامل أساسي ومساعد ليعكس العالم الداخلي، الذهني، العقلي والعاطفي للمتقدم للعلاج وعلى المعالج أن يكون ملما بانواع المواد, صفاتها، تاثيراتها وطريقة استعمالها.
فليس من المفروض أن يكون فنانا وإنما يكفي أن تكون له المقدرة باستعمال المواد وأن تكون لديه مهارات واستعداد بالتفكير الإبداعي.

كيف يتم اختيار المواد للمتعالج وقت العلاج ؟

هناك عدة توجهات يعتمدها المعالج بهذا المضمون، وهذا يتعلق بحالة المتقدم للعلاج ومدى استعداده لاستعمال المواد، كذلك يتعلق الأمر بنوعية العلاج سواءا كان العلاج فرديا أو جماعيا.
هناك معالجين يعتمدون طريقة أنشطة فنية يحددها المعالِج بشكل مدروس (من ناحية التنفيذ واختيار المواد) لتحقيق هدف السيرورة العملية العلاجية، حيث يطلب من المتقدم للعلاج القيام بها بشكل واضح، وهنالك طرق أخرى التي تدعو المتقدم للعلاج ان يُبدع بشكل حر وان يختار ما يناسبه من مواد.

أجرت اللقاء وخررته : سوسن غطاس موقع والدية برعاية عرب 48

 

 

 

التعليقات