11/11/2015 - 09:53

ياسر عرفات: شهيدًا... شهيدًا... شهيدًا

تبدو المقاطعة في رام الله أقل جلبةً وضجيجًا منذ رحيله، رغم البعثات الدولية الوافدة إليها، والاعتراف الدولي الواسع بدولة فلسطين، الذي للمفارقة جاوز الدول المعترفة بإسرائيل.

ياسر عرفات: شهيدًا... شهيدًا... شهيدًا

تبدو المقاطعة في رام الله أقل جلبةً وضجيجًا منذ رحيله، رغم البعثات الدولية الوافدة إليها، والاعتراف الدولي الواسع بدولة فلسطين، الذي للمفارقة جاوز الدول المعترفة بإسرائيل.

فياسر عرفات، أو محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، القاهريّ المولد واللكنة؛ الفلسطينيّ الهوى والثورة، والذي تحل اليوم ذكرى استشهاده، وحضوره الطاغي في ثورته فسلامه فاللا حرب واللا سلام، كانا مثار نقاشات دائمة وزيارات متواصلة في المقاطعة.

فالـ 'ختيار' كان يعرف من أين تؤكل الكتف، وكان يعرف حرمة الدم الفلسطيني، بفصائله المتقاتلة، فقبله الأربعة التي كان يوّزعها على خدود الجميع، من رؤساء وقادة فصائل حتّى الحرّاس ومن يوزع القهوة، كانت مثالًا على رجل يحب الجميع؛ ويعرف القيمة الشخصيّة لكل فرد وفصيل؛ وتشهد على ذلك لقاءاته المتكّررة مع الشهيد أحمد ياسين والتواصل المباشر معه.

وكانت بداية طريق عرفات نحو الشهرة مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، عام 1964، واختياره رئيسًا لها في العام 1969؛ بعدما عمل من أجل تأسيس حركة فتح في العام 1959.

خاض عرفات ثورته كما قال في خطابه الشهير في الأمم المتحدة ببندقيّة الثائر وغصن الزيتون، فنفذت الفصائل المنضوية تحت منظمة التحرير العديد من العمليات الفدائية النوعيّة ضد أهداف إسرائيليّة عدّة كانت موجعةً في تأثيرها على الرأي العام، ودبلوماسيًا، حقّق نصرًا كبيرًا حين وقف خطيبًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام 1974؛ متوعدًا بالقول 'لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي'.

 


تنقل عرفات كثيرًا في حياته، من القاهرة التي ولد فيها وترعرع، إلى الأردن التي خرج منها مطرودًا بعد أيلول الذي ازداد اسودادًا برحيل عبد الناصر، فبيروت التي حاصرها جيش الاحتلال وارتكب فيها مجازر مروّعة كصبرا وشاتيلا، حين خذل العرب من توجّه مصر المريب للسلام مع إسرائيل، إلى تونس البعيدة عن دول الطوق العربي المحيطة بفلسطين.

كثيرًا ما حرفت البندقية الفلسطينيّة عن مسارها، في أيلول الأسود أول الأمر، فالاقتتال الداخلي بين الفصائل الفلسطينيّة والقوى اللبنانيّة أثناء حرب لبنان الأهلية، فالاصطفافات العربية العربية والموقف من ضم الكويت للعراق وحرب الخليج الثانية.

ثم أتت الطامّة الكبرى، بعدما بدأ نجم الانتفاضة الفلسطينية الأولى بالأفول، مع تشتّت القرار العربي وانقسامه لمعسكرين، إما سابحًا في الفلك الأميركي وإما محاصرًا مقعدًا منكفِئًا على نفسك، وقع عرفات في شراك أوسلو، حين أراد دولة على حدود الرابع من حزيران 1967؛ فكانت أوسلو، التي جعلته يقع في مدى المدافع الإسرائيليّة والبنادق القريبة، فلم تكن له دولة ولا شبه دولة، بل مؤسسات بيروقراطيّة، بدأت معها الثورة التحول نحو الدولة.

قضى عرفات شهيدًا، أُسقط غصن الزيتون من يده كما أسقطت البندقيّة من قبل، قضى عرفات شهيدًا محاصرًا في المقاطعة، لا يعرف من يدخل إليه ومن يخرج في ظل صمت عربي مطبق، حين منع من دخول لبنان لإلقاء كلمته أمام القمة العربية المنعقدة في بيروت، فألقاها عبر قناة الجزيرة آنذاك.

قضى عرفات شهيدًا تحرسه عيون الانتفاضة التي كانت مستمرةً وقتها، كما حرسته سواعد الفلسطينيين التي حملته حيث ووري الثرى في رام الله بانتظار القدس؛ كما قال عن نفسه: شهيدًا، شهيدًا، شهيدًا.

التعليقات