كلفة الحرب على العراق تتخطى الـ3 تريليونات دولار بكثير

-

كلفة الحرب على العراق تتخطى الـ3 تريليونات دولار بكثير
مع «انتهاء» العمليات القتالية الأميركية في العراق، تتجه الأنظار إلى التدقيق بنفقات حرب الأعوام السبعة ونصف العام التي قُدّرت تكلفتها الإجمالية في العام 2008 بقيمة 3 تريليونات دولار في تقدير تخطى توقعات إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في العام 2003 عن توقع أن الغزو سيكلف ما بين 50 إلى 60 مليار دولار.

اليوم، يبدو أن تقدير رقم 3 تريليونات دولار، الذي تم احتسابه على أساس النفقات الحكومية وتأثير الحرب على الاقتصاد الأميركي، منخفض جدا. فمثلا تبين أن عملية تشخيص إصابات جنود الاحتلال الذين خدموا في العراق ومعالجتهم تكلف أكثر بكثير من التوقعات السابقة، ما يظهر أن رقم 3 تريليونات دولار منخفض للغاية،. كما أن هناك أسئلة أخرى قد يكون لها تأثير على زيادة النفقات: لو لم تكن حرب العراق هل كانت أسعار النفط لترتفع بهذا الشكل السريع؟ هل كان الدين الفيدرالي مرتفعا إلى هذه الدرجة؟ هل سيكون للأزمة الاقتصادية هذا التأثير القاسي؟

جوزيف ستيغليتز، الحاصل على جائزة نوبل عن الاقتصاد في العام 2001 ورئيس مجموعة المستشارين الاقتصاديين في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، والمحاضرة في السياسة العامة في جامعة هارفارد ليندا بيلمز، واضعا كتاب «حرب الـ3 تريليونات دولار: الكلفة الحقيقية وراء صراع العراق»، يجيبان على هذه الأسئلة بالنفي.

ويؤكد ستيغليتز وبيلمز أن تكلفة غزو العراق فاقت قيمة 3 تريليونات دولار بكثير، وان «هذا الرقم لا يمثل سوى تكلفة الولايات المتحدة الخاصة فقط، وهي لا تشمل النفقات الباهظة لبقية الدول المشاركة في الحرب أو حتى التكلفة التي تكبدها العراق خلال 7 سنوات». وأوضحا أن من شان الرعاية الطبية المقدمة للجنود الأميركيين الذين أصيبوا جراء الحرب، أن ترفع قيمة التكاليف بشكل هائل، خصوصا أن تغطيتها ستكون لسنوات طويلة بعد انتهاء الحرب.

أفغانستان

إن غزو العراق حول انتباهنا عن حرب أفغانستان، التي دخلت عامها العاشر. ففي العام 2003- عام غزو العراق ـ خفضت الولايات المتحدة مستوى الإنفاق في أفغانستان إلى 14،7 مليار دولار (من أصل 20 مليارا صرفت في العام 2002)، فيما ضخت 53 مليار دولار في العراق. أما في الأعوام 2004 و2005 و2006، فأنفقت الولايات المتحدة في العراق أربعة أضعاف ما أنفقته في أفغانستان.

النفط

قبل غزو العراق، كان سعر النفط أقل من 25 دولارا للبرميل الواحد، وكانت الأسواق تتوقع عدم تغيره مستقبلا. لكن الأسعار بدأت بالارتفاع مع انطلاق الغزو في العام 2003، حتى وصلت إلى 140 دولارا للبرميل بحلول العام 2008. نعتقد أنه كان للحرب تأثير رئيسي على الشرق الأوسط، أكبر مورد للنفط في العالم، حيث لم تتم إعاقة تصدير النفط العراقي فقط، بل إن زعزعة الاستقرار في المنطقة كبحت حركة الاستثمار في المنطقة.

وعند احتساب تقديرنا لموضوع 3 تريليونات دولار قبل عامين، القينا اللوم على رفع الحرب لسعر برميل النفط بقيمة 5 دولارات. اليوم نعتقد أن التقدير المعقول هو أن تأثير الحرب أدى إلى رفع سعر البرميل 10 دولارات. ومن شأن ذلك أن يضيف ما لا يقل عن 250 مليار دولار إلى التكاليف المباشرة للتقييم الأصلي لثمن الحرب. ولكن ثمن هذه الزيادة لا يتوقف هنا فقط: لقد تسبب ارتفاع سعر النفط بتأثير مدمر على الاقتصاد.

الدين الفدرالي

لا شك أن حرب العراق رفعت قيمة الدين الفدرالي بشكل كبير جدا. والنتيجة: تمويل حرب بشكل كامل عبر الاقتراض. وارتفعت ديون الولايات المتحدة من 6،4 تريليونات دولار في آذار العام 2003 إلى 10 تريليونات دولار في العام 2008 (قبل اندلاع الأزمة المالية)، وربع هذه الزيادة على الأقل ذهبت لتمويل الحرب. وهي لا تتضمن مستقبل الرعاية الصحية للمقاتلين القدامى، والتي ستضيف حوالي نصف تريليون دولار إلى الدين.

الأزمة المالية

يعود سبب اندلاع الأزمة المالية العالمية بشكل جزئي إلى الحرب في العراق. فارتفاع أسعار النفط كان يعني أن الأموال التي كانت تنفق لشراء النفط من الخارج لم تكن تصرف في الولايات المتحدة. كما أن تغطية نفقات المتعاقدين الأجانب في العراق لم تشكل حافزا فعالا للنمو الاقتصادي على المدى الطويل. وبالعكس، فإن فقدان الضوابط المالية والاقتصادية أدت إلى انفجار فقاعة الإسكان، وبالتالي سقوط الاقتصاد الحر. بعبارة واضحة، ساهمت الحرب بشكل غير مباشر في تدهور السياسة النقدية في الولايات المتحدة. إن الحرب لم تؤد فقط إلى زيادة تأثير الأزمة العالمية، بل منعتنا أيضا من الرد عليها بشكل فعال. ويبقى السؤال اليوم: هل يمكن أن نتعلم من هذا الخطأ المكلف؟

عراقيا

وتشير صحيفة «اليابان تايمز» إلى أن آثار الغزو ستتواصل في العراق لسنوات طويلة مقبلة، فعدد الضحايا في الارتفاع، فيما تبقى الآثار النفسية على الأطفال العراقيين مذهلة. إذ أصيب أكثر من نصف مليون طفل وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، فيما يعاني 28 في المئة من الأطفال من اضطرابات نفسية بحسب مركز البحوث النفسية في جامعة بغداد. ويضاف إلى ذلك، مليونا طفل هجروا من منازلهم نتيجة الحرب، وفر آخرون مع عائلاتهم إلى دول الجوار.

«العراقيون يعانون من نقص متزايد في الطعام والمأوى والمياه والصرف الصحي، والرعاية الصحية والتعليم والعمل»، وفقا لتقرير صدر في العام 2007 عن منظمة «أوكسفام» ومنظمة غير حكومية في العراق، ما يشير إلى نفقات حربية هائلة لم تؤخذ في الحسبان لا بل تزيد من خطر تداعيات الغزو الذي شُن في انتهاك صارخ للأعراف والمعاهدات الدولية.

"السفير" عن "واشنطن بوست" و"اليابان تايمز" بتصرف

التعليقات