رفع البنك المركزي الإسرائيلي لسعر الفائدة الأساسية، ماذا تعني؟../ زياد أبو حبله*

-

رفع البنك المركزي الإسرائيلي  لسعر الفائدة الأساسية، ماذا تعني؟../ زياد أبو حبله*

أخيراً وعلى الرغم من ضغوط وزير المالية الرامية إلى عدم المساس بسعر الفائدة البنكية الأساسية، لم يخضع محافظ البنك المركزي الإسرائيلي، بروفيسور ستانلي فيشر لهذه الضغوط وقام برفع سعر الفائدة المصرفية الأساسية لشهر أكتوبر بنسبة 0.25% لتصل إلى 2% ليكون هذا هو الارتفاع السادس منذ أن قرر المحافظ على اتخاذ سياسة مالية موسعة بعد أن خفّضها إلى الحضيض لنسبة 0.5%  مع اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية لتشجيع  الاقتصاد الإسرائيلي وإخراجه من حالة الكساد التي ألمت فيه جراء الأزمة الاقتصادية العالمية.  والسؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا هذا القرار وهل المخفي من ورائه هو الأعظم؟؟

 

الملاحظ من الرسم البياني أن سياسة المحافظ تتجه منذ مطلع هذا العام إلى رفع سعر الفائدة المصرفية الأساسية. علينا أن نعود بالذاكرة قليلاً لنجد أنه مع نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي اندلعت وما زالت أزمات عالمية الناجمة عن الأزمة الإقتصادية العالمية ولعل أزمة دبي هي أكبر برهان والناجمة عن الديون المتراكمة لهذا البلد الذي قدم العديد من التحفيزات العقارية. أزمة دبي بنظري تشكل الصورة المستبقة لأغلبية الدول التي عالجت الأزمة الاقتصادية العالمية عن طريق التحفيزات وتخفيض سعر الفائدة المصرفية الأساسية!!. تخفيض سعر الفائدة المصرفية الأساسية في الحضيض جعل من المضاربين على الأسواق العقارية أكثر طمعاً الشيء الذي أدى إلى ازدياد أسعار العقارات ومن ثم ارتفاع نسبة التضخم المالي في هذه البلدان!!. رفع سعر الفائدة المصرفية الأساسية تعني  اقتصادياً أن تصبح عملية الاقتراض أكثر كلفة، وبالتالي تقليل كمية النقود المتداولة في السوق التي من شأنها أن تكبح ازدياد الأسعار والتقليل من نسبة التضخم المالي.

قيام محافظ البنك المركزي برفع سعر الفائدة المصرفية الأساسية بنظري ينبع من عوامل ومؤشرات اقتصادية متضاربة التي أثرت على قرار المحافظ باتخاذ قراره حول مستوى الفائدة البنكية الأساسية. لكن الأهم هو أن هدف البنك المركزي من وراء تعديل نسبة الفائدة الأساسية تكمن في وظيفته وفق قانون بنك إسرائيل وهي الحفاظ على "استقرار الأسعار كهدف مركزي". من هذا المنطلق إذا قمنا بتحليل عقلية المحافظ ، يمكن أن نلخص قراره الأخير بالعوامل  التالية:

·   التوقعات بالنسبة للتضخم المالي: إن الاقتصاد الإسرائيلي يشهد في الآونة الأخيرة زيادة متتالية لمؤشر الأسعار والتي كان آخرها لشهر أغسطس الماضي الذي ارتفع بنسبة 0.5% كما أصدرته دائرة الإحصائيات المركزية، الشيء الذي أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم المالي. وبناء على هذا فان التوقعات الأخيرة للإثني عشر شهرا القادمة لنسبة التضخم المالي سوف تصل ما يقارب نسبة 2.9 % التي تكاد تصل إلى المستوى الأقصى من تلك التي وضعتها لنفسها الحكومة كخط أحمراً يمنع اجتيازها وهي 1%-3% بمفهوم سنوي. إن الارتفاعات الكبيرة بسعر العقارات ( ارتفاع بنسبة 20% في الثني عشر شهرا السابقة) الناجمة عن سعر الفائدة المتدنية وضعت المحافظ،  برأيي أمام واقع وتخوفات أكثر واقعية مما كانت بالسابق وهو الآن بتحليلاتي الشخصية يصارع هذه التداعيات بواسطة اتخاذ قرار أكثر صرامة للحد من اندلاع فقاعة عقارات أصبحت أكثر واقعية مما كانت عليه منذ بداية هذا العام. رفع سعر الفائدة الأساسية سوف تجعل عملية الإستقراض من البنوك التجارية أكثر تكلفة الشيء الذي من شأنه أن يكون كابحاً للمضاربين على سعر العقارات!!!

·   التوقعات لنمو الإقتصاد الإسرائيلي: من الملاحظ أنه منذ قيام المحافظ باتخاذ قرارات "السياسة المالية الواسعة" فإن غالبية المؤشرات الاقتصادية تشير إلى تحسن الاقتصاد الإسرائيلي. وأكبر برهان هو قيام دائرة الإحصائيات المركزية مؤخراً بتعديل نسبة النمو الاقتصادي للعام 2010 بنسبة  4.1% مقارنة بنسبة 3.7% سابقاً. زيادة "الاستهلاك الشخصي" بنسبة 5.2% في العام 2010 مقارنة بنسبة 1.7% في العام 2009 الشيء الذي يشير أن هنالك تحسنا بالمستوى المعيشي لدى الأفراد. التوقع بانخفاض نسبة البطالة إلى 6.3% مع نهاية هذا العام مقارنة بنسبة 7.6% في العام  2009. زيادة  في التصدير بنسبة 11.3%  مع نهاية هذا العام مقارنة بالعام الماضي.

من هنا فان المؤشرات الإيجابية الأولية لنمو الاقتصاد الإسرائيلي أعطت للمحافظ القوة برفع سعر الفائدة المصرفية الأساسية

أما التداعيات لهذه الخطوة التي قام بها المحافظ، يمكن تلخيصها بالتالي:

·   زيادة الفائدة الأساسية تؤدي إلى غلاء فائدة "البرايم" (والتي هي عبارة عن الفائدة الأساسية للبنك المركزي 2% إضافة إلى 1.5%، أي أصبحت فائدة البرايم 3.5% ) والتي تشكل أساساً للقروض المصرفية. فمن هنا فإن الأفراد والمصالح التي سبق وأن حصلت على قروض أساسها فائدة البرايم، سوف تجد نفسها أنها تتحمل بفائدة بنكية أكبر من قبل، ناهيك أننا ما زلنا نعيش أزمة اقتراض حقيقية.

·   البنك المركزي الإسرائيلي هو الأول عالمياً الذي قام برفع نسبة الفائدة المصرفية الأساسية ، في وقت أبقت البنوك المركزية العالمية فائدتها الأساسية بالحضيض، الشيء الذي يؤدي إلى أن يصبح الاستثمار عالمياً بالعملة الإسرائيلية الشاقل أحد العملات المُفضلة، مما يؤدي على سبيل المثال ( كما هو واضح في الرسم البياني التالي) كون الفائدة الأساسية في الولايات المتحدة الأمريكية هي في الحضيض بين 0%-0.25%، أن يقوم أصحاب العملة الخضراء ببيعها كي يستثمرون في الشاقل. هذا الشيء يؤدي إلى تقوية الشاقل مقابل الدولار، أي أننا نتوقع هبوط بسعر الدولار مقابل الشاقل. من لديه الأموال سوف يقوم بالبحث عن مصادر استثمار أكثر أماناً كالذهب الشيء الذي سوف يعيدنا إلى سيناريو زيادة بأسعار الذهب!!

 

من  هذا المنطلق نرى أن تخوفات البنك المركزي  الأساسية من حصول فقاعة عقارية والتي هي في هذا السياق تحصيل حاصل لسياسته السابقة  التي هدفت إلى تشجيع الاستهلاك عن طريق تخفيض الفائدة المصرفية الأساسية و التي اتخذها مع اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية، هي تلك التي أدت بنهاية المطاف بقرار المحافظ برفع سعر الفائدة الأساسية.

لا شك فيه أن التأثير المباشر لرفع نسبة الفائدة الأساسية سوف تلقي بظلالها الوخيمة على الأفراد والشركات الذين سبق وان اقترضوا بالسابق من البنوك، الشيء الذي من شأنه جعل تلك القروض أكثر تكلفة مما كانت عليه بالسابق.

من هنا، فانه من  المبكر جداً الاستنتاج أن الاقتصاد الإسرائيلي خرج من أزمته. بل، برأيي، موجود الآن في صلب أزمة جديدة وعلينا أن نكون أكثر حذراً وترجمةً للخطوات التي قام بها المحافظ مؤخراً برفع سعر الفائدة الأساسية، ما هي إلا بمثابة اعتراف أن الاقتصاد الإسرائيلي يعاني اليوم من أزمة عقارية من شأنها أن تفقع بين الحين والآخر. بنظري، قد يُحافظ البنك المركزي على نسبة تضخم المالي ضمن الإطار الذي وضعته الحكومة ( 1%-3%) لكن مع كل هذا فان قراره هذا  سوف يؤدي إلى نتائج عكسية على الاقتصاد الإسرائيلي وأهمها زيادة أزمة الاقتراض لدى الأفراد والمصالح الصغيرة التي تميز اقتصاد الوسط العربي والتي لم يتم حلها لحتى الآن!!، تقوية الشاقل مقابل الدولار (انخفاض في سعر صرف الدولار أمام الشاقل) الشيء الذي يؤثر حتمياً بشكل سلبي على التصدير ومن ثم على الدائرة الإنتاجية في البلاد وارتفاع بأسعار الذهب كبديل آمن للاستثمار بعد تضعضع سعر صرف الدولار.

 

(*)  مدقق حسابات ، خبير اقتصادي (دكتورانت)،شريك مؤسس شبكة مكاتب زياد أبو حبلة وشركاه للمحاسبة والاستشارة الاقتصادية  www.zah.co.il  ، info@zah.co.il

 

     تنويه: هذا المقال بمثابة تعبير عن رأي الكاتب وليس بديلاً لنصيحة مهنية أو قانونية. على الراغبين بذلك التوجه خطياً للكاتب.

 

التعليقات