الإغتناء من الحرب.. / كتب: هاشم حمدان

-

الإغتناء من الحرب.. / كتب: هاشم حمدان
كانت قد تناولت التقارير الإقتصادية الإسرائيلية الوضع الإقتصادي من زاوية الخسائر الكبيرة جداً والتي تصل إلى أكثر من مليارد شيكل أسبوعياً مرشحة للارتفاع، تناولت الأضرار المباشرة للممتلكات الخاصة والعامة، وتكاليف الحرب نفسها، وتعطيل العمل في آلاف المصانع والمصالح في منطقة الشمال، وبات يهدد نسبة كبيرة منها خطر الإغلاق، فضلاً عن ضرب فروع اقتصادية هامة مثل السياحة والزراعة، بالإضافة إلى عملية "الهروب" نحو الجنوب بكل انعكاساته الإقتصادية على الأفراد وعلى خزينة المالية.

بيد أن التقارير الإقتصادية الإسرائيلية الأخيرة تناولت الحرب الدائرة من زاوية أخرى (بمعزل عن المصالح الدولية التي استخدمت الحرب كسياسة عنيفة لتحقيق مصالح بعيدة المدى في المنطقة). يتناول التقرير عملية الاغتناء من الحرب، والجهات والمصالح والشركات المستفيدة من استمرار الحرب واستمرار الدمار والقتل، وبالتالي فهي مصلحياً مصنفة في إطار المستفيدين من استمرار الحرب من جهة تأثيرها في الفعاليات الإقتصادية وتغيير ما يسمى "ميزان القوى" في السوق الإقتصادي، حيث من الممكن أن تنهار فروع اقتصادية بكاملها، مقابل انتعاش فروع أخرى ربما كانت خامدة حتى نشبت الحرب.

وبمعزل عن أي بعد أخلاقي أو بالأحرى السقوط الأخلاقي المتمثل بالإستفادة من الدماء والدمار، يتناول تقرير نشرته "يديعوت أحرونوت" بعض الفروع الإقتصادية مثل تجار الأسلحة والذخيرة وشركات الصناعات العسكرية في ظل الاستخدام الكثيف للذخيرة، بالإضافة إلى شركات الترميمات والصيانة في ظل القصف الصاروخي المتواصل على بلدات الشمال بشكل خاص والذي يتوسع تدريجياً نحو الجنوب، وكذلك السياحة الداخلية في إسرائيل في ظل الهروب نحو الجنوب والذي يتناول إلغاء حملات التنزيلات ورفع أسعار الغرف في الفنادق، فضلاً عن رفع الأسعار في المصالح والمصانع في مدينة تل أبيب خاصة، وبشكل أخص في المطاعم والمقاهي.

كما يتطرق إلى الإرتفاع الكبير في أرباح شركات الأدوية نظراً للإقبال الشديد على شراء الأدوية المهدئة والمخففة للضغط والتوتر والهلع. وكذلك شركات الإنتاج التلفزيوني التي تزيد من أرباحها بملايين الدولارات في إنتاج التقارير للشبكات الإخبارية الأجنبية. وحتى شركات بيع المياه المعدنية تخفي أرباحها في ظل الطلب المتزايد على المياه المعدنية، الأمر الذي يذكر بشركات بيع النايلون والمواد اللاصقة في فترة حرب الخليج الأولى.

لم تظلم هذه الحرب الباحثين الكبار عن الإغتناء من نتائجها، ومن نتائج أي حرب، وهم تجار الأسلحة والذخيرة.

وبحسب المدير العام لوزارة الأمن سابقاً، عاموس يارون، فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قلصت في السنوات الأخيرة حجم الطلبات على الذخيرة من الصناعات الأمنية الإسرائيلية، ويبدو الآن أن الصورة ستختلف مع الإستخدام الواسع للذخيرة في الحرب الحالية.

وتشير تقديرات الأجهزة الأمنية إلى أن الحكومة تصرف اليوم ما يقارب 100 مليون شيكل على الذخيرة والمعدات العسكرية (يومياً). وبحسب التقديرات أيضاً، فإن الصناعات العسكرية تزود الجيش بالسلاح والذخيرة بحجم يصل إلى 20%. وفي حال امتدت الحرب إلى ما يقارب 50 يوماً، فإن ذلك يعني مبيعات بحجم مليارد شيكل، بحيث يتقاسم الأرباح شركات "ألبيط" و" الصناعات العسكرية" و"الصناعات الجوية" و"سولتام".

وبحسب المدير العام لشركة "الصناعات العسكرية" فإن الحرب تسبب للشركة خسائر للمصنع الذي يقع في كريات شمونه، فهو مغلق منذ بداية الحرب، الأمر الذي يزيد من الضغط على مصانع الشركة في حيفا ونتسيرت عيليت.

وبحسب الصناعات الأمنية، فإن الأرباح لا تنبع فقط من الحرب ومجرد بيع الأسلحة، وإنما من استخدام الأسلحة كمحفز لبيعها لجيوش أخرى.

ونقل عن أحد كبار المسؤولين في الصناعات الأمنية قوله:" يوجد للحرب طاقة تسويقية عالية جداً. فبعد استخدام "طائرات بدون طيار" التي طورتها شركة إسرائيلية وجرى تنفيذ عمليات ناجحة بواسطتها، وقدرتها التنفيذية مثبتة عملياتياً، فسيكون من السهل للمسوقين الإسرائيليين في الخارج تسويق المنتجات العسكرية"!!

ويتابع:" رغم أن الجيش لم يبلغ شركات صناعة الأسلحة بشكل رسمي عن استخدام منتجاتها، إلا أن الشركات تعرف ذلك. فكبار المسؤولين في الصناعات العسكرية هم من كبار الضباط، بل إن بعضهم تم تجنيده للاحتياط، وجميعهم على صلة بالضباط الحاليين في الجيش، وبذلك يستطيعون مواصلة بيع الذخيرة للجيش، والاطلاع عن كثب حول استخدامات منتجات شركاتهم، من أجل بيعها للخارج"!!

ربما تجدر الإشارة هنا إلى مسألة عينية تتعلق بدبابة "المركفاه" بكافة نماذجها، فهذه الدبابة التي اعتزت بها الصناعات العسكرية الإسرائيلية تواجه أزمة جدية تقر بها المستويات السياسية والعسكرية في إسرائيل، فهي تعجز عن مواجهة الصواريخ المضادة للدبابات التي يستخدمها مقاتلو حزب الله. وتبين التقارير الإسرائيلية أن نسبة كبيرة من الجنود والضباط الإسرائيليين الذين قتلوا في الحرب الحالية كانت جراء تدمير دباباتهم بهذه الصواريخ، الأمر الذي سينعكس اقتصادياً على صناعة هذه الدبابات!!


وعلى صعيد آخر، لا تبقى الأضرار التي وقعت للمباني في الشمال نتيجة القصف الصاروخي أية شك بأن عمال الترميمات ينتظرهم عصر ذهبي، فالأضرار التي وقعت لا تلزم بالضرورة بهدم المباني، فهناك الكثير من الإصابات الناجمة عن الشظايا، ستوفر دخلاً جيداً للعاملين في "سوق الترميمات". والحديث هنا عن أكبر "موسم" يشهده هذا الفرع الإقتصادي. حيث تشير تقارير ضريبة الأملاك إلى أنه تم تقديم أكثر من 8000 دعوى تعويض لبيوت تزيد خسائرها عن مليارد شيكل.

ونقل عن رئيس نقابة عمال الترميمات قوله:" قبل الحرب كنا نفكر بتوفير سفريات لعمال الشمال الباحثين عن عمل من أجل الوصول إلى المركز، ويبدو أن الحرب دفعت بالاتجاه المعاكس".

وتشير التقديرات الأولية إلى أن أسعار الترميمات سوف ترتفع بنسبة 20%، في حين سوف ترتفع أسعار المواد الخام بنسبة 10%.

وبحسب تقديرات شركة منتجة لشبابيك الألومنيوم "كليل"، ففي كرميئيل وحدها هناك ما يقارب 3000 منزل قد أصيبت شبابيكه بأضرار بدرجات متفاوتة جراء الكاتيوشا، وذلك لأن سقوط الصاروخ يلحق أضراراً للشبابيك بقطر 250 متراً على الأقل من شدة الإنفجار. وهذه المسألة هي مركب واحد من مركبات الترميمات.


في أعقاب الحرب الحالية توقفت السياحة من خارج البلاد إلى إسرائيل تماماً، وفتحت بذلك المجال للسياحة الداخلية!!
وتفيد شبكة الفنادق "يسروطال" في إيلات أن الحجوزات في الفنادق تصل حالياً إلى نسبة عالية جداً تتراوح بين 85% إلى 90%، في حين تصل في فنادق أخرى إلى 100%. أما شبكة "بتال" فتشير إلى أن فنادقها في إيلات والبحر الميت تعمل بنسبة 90%.

وإزاء ذلك قامت عدة شبكات فنادق بإلغاء حملات التنزيل في الأسعار التي كان قد أعلن عنها، وقاموا برفع الأسعار في أعقاب الحجوزات المتزايدة من قبل سكان الشمال الهاربين إلى الجنوب.

وفي المقابل، فإن مدير التسويق في شبكة فنادق مثل "دان" التي تنشر فنادقها في جميع أرجاء البلاد، يفيد بأن سقوط الكاتيوشا الأولى في حيفا، جعل "دان" حيفا والفنادق الأخرى في المدينة مغلقة تماماً، سوى فندق "دان بانوراما" الذي احتلت نصفه وسائل الإعلام العالمية.

وكانت قد أشارت تقارير سابقة إلى أن الأضرار الناجمة عن الحرب، ستشطب اسم إسرائيل من قائمة الدول السياحية حتى نهاية العام القادم، ما يعني أن الأضرار الإقتصادية في فرع السياحة، والتي تعتمد على السياحة الخارجية ستمتد حتى ذلك الحين.

وعلى صعيد آخر فقد بين استطلاع أجرته شركة "ديكسون" لصناعة الأدوية، أنه حصل ارتفاع بنسبة 22% في وسط الإسرائيليين الذين يعانون من الأرق بسبب الوضع الأمني، و35% يعانون من الصداع المتواصل والضغط العالي والتوتر. ويشير التقرير إلى أن الأدوية المهدئة تعتبر "شعبية" في دولة مثل "إسرائيل"، فكم بالحري في أوقات الحرب.

وتشير التقارير الإقتصادية في مجال بيع الأدوية المهدئة إلى ارتفاع كبير في بيع هذه الأدوية. فعلي سبيل المثال ارتفعت مبيعات شبكة "سوبر فارم" منذ بداية الحرب بنسبة 36%، في مجال الأدوية المهدئة، وخاصة الطبيعية.

كما ارتفعت مبيعات شركة "بوندور ميل" بنسبة 15%، في حين ارتفعت مبيعات شركة " اكساناغيس" للأدوية الخاصة بحالات الهلع بنسبة 10%، كما ارتفعت مبيعات شركة "ريسكيو" بنسبة 36%، في حين ارتفع استهلاك الأدوية المخففة للضغط بنسبة 33%.

وبحسب تقارير شركة "نيرفانا" فقد ارتفعت مبيعات الشركة لمعالجة حالات التوتر والهلع بثلاثة أضعاف في منطقة تل أبيب وضواحيها وبيتاح تكفا والقدس، أما في منطقة الخضيرة وحيفا وعكا ونهارية والعفولة فقد ارتفعت المبيعات بضعفين بالرغم من الهبوط الحاد في عدد السكان نتيجة الهروب نحو الجنوب.


كما أشارت التقارير إلى فرع اقتصادي آخر من المنتفعين بالحرب وهو فرع الإتصال، فمع سقوط كل صاروخ كاتيوشا، ومع أي تحرك للجيش ومع كل خطاب لنصر الله، فإن ذلك يتبعه مكالمات هاتفية بين قارات العالم.

وتفيد تقارير "بيزك بينليئومي 014" إلى ارتفاع بنسبة 10% في المكالمات الدولية بشكل عام أثناء شهر تموز/يوليو، أما في منطقة الشمال فقد ارتفعت بنسبة 80%!

أما شركة "براك 013" فتشير تقاريرها إلى ارتفاع زمن المكالمات الدولية بالدقائق بنسبة 15%، في حين ارتفعت نسبة المكالمات الداخلة إلى البلاد بنسبة 30%.

أما شركة "سمايل 015" فتشير إلى ارتفاع زمن المكالمات الخارجة بالدقائق بنسبة 50%، مقابل 80% في المكالمات الداخلة إلى البلاد. وشركة "إكسفون 018" فتشر إلى 11.5 مليون دقيقة زمن المكالمات الداخلة والخارجة من وإلى البلاد، بالمقارنة مع 11.5 مليون دقيقة في شهر حزيران/يونيو، أي بارتفاع نسبته 17%.

كما بين التقرير أن مئات المصانع وآلاف المصالح الصغيرة في تل أبيب تشهد إقبالاً شديداً من قبل سكان الشمال الذي هربوا إلى تل أبيب.

واعتاد سكان تل أبيب على أسئلة من نوع " أين المركز؟ أين يقع شارع ألنبي؟ هل يوجد ملهى ليلي في المنطقة؟!
كما تشير تقارير أصحاب المطاعم والأكشاك إلى ارتفاع بنسبة تتراوح بين 10% -30% في الأرباع منذ أن بدأت الحرب. وفي المقابل تؤكد التقارير إلى قيام الكثيرين باستغلال الوضع لرفع الأسعار..


وعلى صعيد مختلف تماما، تناول التقرير شركات الإخراج والإنتاج، والتي كانت تنشغل في الظروف العادية بعارضات الأزياء وما أشبه، فهي تعمل الآن بأقصى طاقاتها في زمن الحرب من أجل شبكات التلفزة العالمية التي تسعى لنقل التقارير عن الحرب في الشمال. حيث قدم إلى البلاد عند بدء الحرب العشرات من طواقم التلفزة العالمية من كافة أرجاء العالم.

وبحسب تقديرات السوق، حيث الأسعار بالدولارات، فإن شركات الإنتاج تزيد أرباحها في هذه الفترة بملايين الدولارات. حيث تعمل سيارات البث وطواقم التصوير وقاعات الإنتاج على مدار الساعة في الشمال وفي قطاع غزة، لتزويد التقارير للشبكات الإخبارية "سي أن أن" و" سكاي نيوز" و" فوكس" و" إيه بي سي" و" أر تي أل" و" نيوز" وغيرها.

وخلافاً لمراسلين الموجودين بطبيعة الحال في إسرائيل، فقد وصل أثناء الحرب مراسلون من الصين وكوريا واستراليا ونيوزيلند واليونان واليابان وإيطاليا. وبحسب مكتب الصحافة الحكومية فقد تلقى المكتب منذ بداية الحرب 900 طلباً للعمل في الصحافة في البلاد.



ومنذ أن بدأت صواريخ الكاتيوشا تسقط في الشمال، سارع السكان إلى الإستعداد لحالات انهيار المنظومات الحيوية العامة وتخزين المواد الضرورية. وكانت المياه المعدنية المنتج الأول الذي سعى السكان إلى تخزينه. وتقول شركات المياه المعدنية أن مبيعاتها ارتفعت بنسبة 20%-30%، في حين قامت شركات أخرى بزيادة إنتاجها بنسبة 100%، وانتقلت إلى العمل بنظام 3 ورديات.

وبينما ترفض شركة "مي عيدن" الإفصاح عن أرباحها، إلا أنها تؤكد أنها رفعت إنتاجها لتستجيب للطلبات المتزايدة على المياه، علاوة على كونها تزود الجيش بكميات كبيرة جداً من المياه.

التعليقات