بناء المؤسسات لتطوير الاقتصاد../ امطانس شحادة*

-

بناء المؤسسات لتطوير الاقتصاد../ امطانس شحادة*
أقرت الحكومة الإسرائيلية يوم الأربعاء اقتراح ميزانية الدولة للعام 2009. وقد استغلت الحكومة الأزمة المالية العالمية وتراجع الاقتصاد الإسرائيلي لتمرير تقليصات حادة في الميزانية وفرض ضرائب جديدة على المواطنين، منها على سبيل المثال لا الحصر، استحداث ضريبة القيمة المضافة على الخضار والفاكهة.

وقد تمكنت الحكومة من تمرير مشروع قانون الميزانية بفضل التوصل إلى اتفاق شامل مع الهستدروت يقضي، فيما يقضي، بعدم رفع الأجور في القطاع العام، وتنازل موظفي الدولة عن نصف مبلغ “بدل النقاهة السنوي”. في المقابل “نجحت” الهستدروت في منع فصل موظفين من القطاع العام الحكومي.

أما بالنسبة للأقلية الفلسطينية، وهي المتضرر الدائم من السياسات الاقتصادية الحكومية، فهناك عدة عبر ناتجة عن عملية إقرار الميزانية، من شانها أن تحدد أولويات النضال الاقتصادي الاجتماعي وعناوينه.

العبرة الأبرز من عملية إقرار الميزانية، وعلى غرار السنوات السابقة وكما في غالبية مجالات الحياة، يتضح مرة تلو المرة أنه لا يوجد تأثير للأقلية العربية على صنع القرار في هذه الدولة، وجل ما يمكن عمله هو تقليص الأضرار الناجمة عن السياسات الحكومية.

وفي المجال الاقتصادي الاجتماعي، على وجه التحديد، اعتقد انه آن الأوان أن نعي أن هذه الحكومة والدولة لا تتجاهلان مطالبنا واحتياجاتنا لأسباب طبقية أو بهدف استغلال الأيدي العاملة العربية، وان علاقة الدولة بالمواطنين العرب لا تتحدد وفقا لـ”مصالح الرأسمالية الإسرائيلية”. كما أن الصعوبات الاقتصادية والتشغيليّة، في إسرائيل عامّةً، وفي صفوف العرب خاصّة، ليست ظاهرة اقتصاديّة صِرفة. فهي تعكس تعامل الدولة مع العرب، وكذلك طريقة توزيع مراكز القوّة والوظائف في الدولة، والشروط التي حُدّدت مع إقامة الدولة، للإبقاء على دونيّة العرب. وهذا مربط الفرس، إذ لا يمكن أن نناضل نضالاً اقتصاديًا بحتًا، دون ربطه بالمكانة السياسية والقومية للعرب في إسرائيل. ومن غير المجدي، واعتقد أن تجربة 60 عاما تدعم هذا الاستنتاج، تفكيك الرابط بين الاقتصادي والقومي، لا من حيث أهداف النضال ولا من حيث آليات النضال.

علينا إذا تحديد أهداف النضال واستعمال الآليات المتاحة من جهة، وبناء الآليات والمؤسسات الضرورية لهذا النضال، من جهة أخرى.

من المؤكد أن الأقلية العربية سوف تكون الأكثر تضررا من اقتراح الميزانية. إذ قررت الحكومة تقليص الميزانيات الحكومية للمخصصات والرفاه ورفع تكلفة عدد من الخدمات العامة، بما في ذلك زيادة العبء على كاهل العائلات العربية، إضافة إلى استمرار سياسات الإفقار المعمول بها تجاه العرب. فالاقتصاد العربي، كما هو معروف، يقبع على هامش الاقتصاد الإسرائيلي وقد سُلبنا معظم عوامل الإنتاج. ولا يوجد تبادل حر بين الاقتصاد العربي والإسرائيلي، لا من حيث حركة رأس المال ولا المعرفة ولا التقنيات ولا في حرية تنقل الأيدي العاملة. فقط في مجال الاستهلاك ونقل البضائع الإسرائيلية إلى المستهلك العربي نجد نوعًا من الاقتصاد الحر بما فيه من مصلحة للاقتصاد الإسرائيلي، إذ يشارك في سوق العمل فقط 45% من المواطنين العرب، وتقبع 50 % من العائلات العربية تحت خط الفقر، وما زالت مستويات التعليم في المجتمع العربي أدنى بكثير من متطلبات السوق والاقتصاد العصري. وتعيش قرابة 30% من العائلات العربية على مخصصات التأمين الوطني.

أما الاقتصاد المحلي الوحيد فمقصور على المهن الحرة وخدمات تقدم إلى العاملين المنتجين في الاقتصاد اليهودي، وعلى قطاعات مثل مقاولات البناء والوكالات والتجارة بالجملة على هوامش الاقتصاد الإسرائيلي، أو الخدمات العامة المقدمة في مكان السكن وخاصة السلطات المحلية التي أصبحت من اكبر المشغلين في القرى العربية، وهذا بحد ذاته تشويه بنيوي للاقتصاد والسياسة في آن.

لا تؤسس هذه الظروف، التي تشمل ارتباط المجتمع العربي بمصادر دخل مصدرها الدولة (المعونات المتناقصة والخدمات العامة المحلية) أو الاقتصاد اليهودي، لاقتصاد عربي جديد، وليس بوسعها ذلك، بل تبقى جزءً هامشيا من الاقتصاد اليهودي مرتبطا به إلى حد بعيد.

وإذا كان الاعتقاد السائد لدى متخذي القرار في وزارة المالية وفي الحكومة أن تعميق تحرير الاقتصاد الإسرائيلي، ولبرلة التبادل التجاري وسوق العملات هو اقصر وأنجع الوسائل لخروج الاقتصاد الإسرائيلي من الأزمة الراهنة، فان هذه الاعتقادات لن تشفع للمواطن العربي ولن تطور الاقتصاد العربي.

من جهة أخرى يتمتع مشروع الميزانية بمظلة حماية وشرعية من نقابة العمال العامة، التي يُفترض أن تمثل الطبقة العاملة في القطاع العام وفي الشركات والمؤسسات الحكومية الكبرى، ولكنها سوف تمنع مستقبلا أي “نضال” عمالي ضد الحكومة.

وقد رأينا في الأيام الأخيرة أن بوادر معارضة الميزانية والتقليصات جاءت من قبل السلطات المحلية، وتحت عنوان التقليصات في ميزانيات التعليم، بالأساس. أين يناضل ولماذا يناضل العرب في هذه الحالة؟ ما هو المشترك بيننا وبين نقابة عمال وموظفي الدولة حين يكون فقط 6 % من هؤلاء الموظفين عربا، سوادهم الأعظم في قطاع التعليم والطب؟ كيف نقصر نضالنا مع السلطات المحلية الإسرائيلية في مجال التعليم حين تعاني بشكل يومي السلطات المحلية العربية من النقص في مسطحات النفوذ والمناطق الصناعية والتجارية؟ كيف نناضل مع السلطات المحلية اليهودية حين يكون نضالهم على ميزانيات تشكل كماليات جهاز التعليم ونحن نناضل على البنى الأساسية وبناء المدارس ونقص الغرف الدراسية. وهي أمور خرجت من قاموس جهاز التعليم اليهودي منذ عقود؟.

الإطار العام للنضال الاقتصادي يجب أن يكون رديفا للنضال القومي والمدني، منه ما يتعلق بتغير مكانة السكان الفلسطينيين، والاعتراف بحقوقهم وتقسيم الموارد بشكل عادل. كما أن الحرية الفردية تسبق أي “حريات” اقتصادية وأي نظام اقتصادي ليبرالي.

علينا وضع استراتيجيات لتطوير اقتصاد عربي حديث ومتطور منفتح على الاقتصاد العالمي والعربي، دون ان يكون مستقلاً أو منعزلاً عن الاقتصاد الإسرائيلي، بحيث لا يعتمد الاقتصاد العربي على مخصصات التأمين والارتباط بمصادر دخل مصدرها الدولة.

علينا أن نعي أن لا وجود لاقتصاد متطور دون جهاز تعليم حديث وحر يبني الإنسان العربي ويهيئه لمتطلبات الاقتصاد والسوق العصري، أو دون جهاز صحي يضمن القدرة على العمل ويقلل الأمراض. ودون وجود أراض ليبنى عليها الاقتصاد. ودون مؤسسات داعمة وراعية ومراقبة للعمليات الاقتصادية. وباختصار دون بناء مؤسسات وطنية جمعية، منها المنتخب ومنها الأهلي، لتقود وترعى الاقتصاد.

التعليقات