نابلس من عاصمة للاقتصاد إلى عاصمة للفقر والبطالة والركود

-

نابلس من عاصمة للاقتصاد إلى عاصمة للفقر والبطالة والركود
استبشر أهالي مدينة نابلس خيراً عندما أعلنت السلطة الوطنية الفلسطينية مدينتهم العاصمة الاقتصادية لفلسطين، وبدأت مظاهر التفاؤل تظهر على وجوه أبناء المدينة حينما بدأت العجلة الاقتصادية في مدينتهم بالدوران فتنامت قطاعات الإنتاج ونشطت حركة التداول في السوق وبوشر بإعادة تأهيل بنيتها التحتية لتواكب رياح التغيير، لكن أجواء التفاؤل لم تطل، فمع اندلاع انتفاضة الأقصى وتراجع العملية السياسية بدأ اقتصاد المدينة يتلقى الضربات المباشرة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لتوقف عجلة النمو الاقتصادي بل وتتراجع إلى الخلف، وبدأت تخيم أجواء القلق والخوف فوق رؤوس أبناء المدينة على مستقبلهم ولقمة عيشهم.

الحاج معاذ النابلسي، رئيس غرفة تجارة وصناعة نابلس، وصف الوضع الاقتصادي الذي تعيشه المدينة بالمتدهور، ورد السبب في ذلك إلى حالة الحصار الخانق المفروض على المدينة منذ بداية انتفاضة الأقصى وحتى يومنا هذا، من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى سلسلة الاجتياحات التي تعرضت لها وما خلفته من دمار في البنية التحتية والمؤسسات الاقتصادية.

ويضيف النابلسي بأن الحصار الخانق وانتشار الحواجز على مختلف مداخل المدينة أدى إلى إعاقة عمليات الاستيراد والتصدير منها وإليها، مما أدى بما في ذلك، عرقلة سلطات الاحتلال وصول المواد الخام الأولية اللازمة لإدارة عجلة التصنيع والإنتاج، وعرقلة وصول المتسوقين من المدن والقرى والبلدات الفلسطينية الأخرى وكذلك فلسطيني الداخل الذين منعتهم سلطات الاحتلال تحت ما يسمى بالذرائع الأمنية من الوصول نهائياً إلى الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك مدينة نابلس والذين بدورهم كانوا يشكلون أحد أهم العوامل المحركة للسوق في المدينة؛ وفي ظل هذا الوضع بدأت مختلف المؤسسات الاقتصادية في مدينة نابلس تواجه تحديات كبيرة في غاية الصعوبة والتعقيد وبدأت مؤشرات خطيرة تطفو على السطح تهدد اقتصادها بالانهيار.

ويذكر النابلسي بأن عدداً كبيراً من المستثمرين، من أصحاب رؤوس الأموال أحجموا عن استثمار أموالهم في محافظة نابلس، بسبب الأوضاع الأمنية التي تعيشها المدينة وحالة عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي أدى إلى بقاء الكثير من المشاريع راكدةً في الأدراج، بالإضافة إلى لجوء بعضهم إلى نقل استثماراته إلى الخارج أو إلى المحافظات الفلسطينية الأخرى وفي مقدمتها محافظة رام الله.

ويضيف النابلسي: "هناك العديد من المنشآت الاقتصادية التي قلصت إنتاجها واضطرت إلى تسريح عدد لا بأس به من عمالها، فمصنع الزيوت النباتية بلغ عدد العمال فيه قبل الانتفاضة 450 عاملاً وقد تقلص الآن إلى 110 عامل، أما مصنع ملحيس للأحذية لم يعد يستطيع الوفاء بالتزاماته ولم يعد قادراً على المنافسة". ويؤكد النابلسي بأن عدداً كبيراً من تجار المدينة أصبحوا عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم الضريبية أو أصبحوا غير قادرين على سداد الإيجارات السنوية لمحلاتهم التجارية، وقد دفع ذلك بأصحاب بعض المصانع إلى إغلاق أبوابها.

وحسب دراسة قامت بها الغرفة التجارية حديثاً فإن 16 منشأة عاملة فقط في المنطقة الصناعية الغربية من أصل 52 كانت تعمل قبل الانتفاضة، أي أن أكثر من ثلثيها أغلقت أبوابها نهائياً أو نقلت نشاطها إلى خارج المدينة. وحسب إحصائيات أخرى بلغت قيمة الخسائر التي لحقت بالتجار فقط جراء الاجتياحات المتكررة للمدينة بما يقارب 18 مليون دينار، وأشار الحاج معاذ النابلسي إلى أن حالة الركود الاقتصادي الذي تعيشه مدينة نابلس أدت إلى ارتفاع نسبة الفقر لتصل في أيامنا هذه إلى ما يقارب 60% من سكان المدينة.

وبدوره وصف شحادة الميناوي مدير عام مكتب وزارة العمل الفلسطينية في مدينة نابلس، الوضع الاقتصادي الذي تعيشه المدينة بشبه المنهار، ورد السبب في ذلك إلى حالة الحصار المشدد المفروض على مدينة نابلس منذ أكثر من 4 سنوات من قبل سلطات الاحتلال متفقاً في ذلك مع رأي الحاج معاذ النابلسي.

وأشار الميناوي إلى أن الدراسات التي أجرتها وزارة العمل في الآونة الأخيرة أثبتت بأن نسبة البطالة في محافظة نابلس تتراوح ما بين 45% وحتى 50%، ورد السبب في هذا الارتفاع إلى استمرار إسرائيل في حرمان العمال الفلسطينيين من الوصول إلى سوق العمل داخل إسرائيل بالإضافة إلى تراجع سوق العمل المحلي الناتج عن تراجع حجم الاستثمارات في المحافظة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة واضطرار عدد من أصحاب المؤسسات الاقتصادية إلى إغلاق أبوابها أو تقليص خطوط الإنتاج فيها، وبالتالي الاستغناء عن عدد لا بأس به من العمال لينضموا إلى طابور العاطلين عن العمل.

ويضيف الميناوي بأن مكتب وزارة العمل في محافظة نابلس استقبل خلال العام 2004 الماضي 21500 مواطن من محافظة نابلس سجلوا أسماءهم كعاطلين عن العمل، بهدف الحصول على فرصة ضمن برنامج التشغيل الذي تنفذه الوزارة للحد من نسبة البطالة شغلت منهم 3000 شخص لمدة 3 أشهر، وأشار الميناوي إلى تصاعد نسبة المقبلين على تسجيل أسمائهم كعاطلين عن العمل منذ بداية العام 2005.

وكان رجال الأعمال في محافظة نابلس قد اجتمعوا بالرئيس محمود عباس (أبو مازن) قبيل الانتخابات الرئاسية أثناء زيارته لمدينة نابلس بتاريخ 6/1/2005، وسلموه مذكرة شرحوا فيها عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المحافظة، حيث تراجع حجم المبيعات بنسبة 50% في ظل صعوبة التسويق خارج المدينة بسبب الحواجز التي تقيمها قوات الاحتلال الإسرائيلي حول المدينة وانخفاض السيولة النقدية جراء اختلال الدورة الإنتاجية للمصانع وغياب المتسوقين من باقي المدن والقرى الفلسطينية الأخرى، وكذلك فلسطيني الداخل، وتراجع مستوى التجارة الداخلية بسبب انخفاض الدخل والإنفاق، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على المواد الخام، وطالب رجال الأعمال بتبني برنامج إنقاذ وطني بهدف تعزيز صمود أهالي المدينة.

شاهر سعد الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين، توقع أن يتحسن الوضع الاقتصادي في محافظة نابلس وباقي المحافظات الفلسطينية، وتوقع أن تتراجع نسبة البطالة في المرحلة المقبلة وربط هذا التحول بحدوث انفراج سياسي يؤدي إلى فتح سوق العمل في إسرائيل أمام الأيدي العاملة الفلسطينية المغلق منذ 4 سنوات باستثناء أعداد محدودة كان يسمح لها بالدخول من فترة إلى أخرى؛ وأشار سعد إلى أن عدد العمال المصرح لهم بالدخول إلى إسرائيل في الوقت الحاضر من محافظة نابلس لا يتجاوز 350 عامل.

ومن جهة أخرى يرى شاهر سعد بأن رفع الحواجز وتخفيف الحصار أو إلغائه من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي عن مدينة نابلس، من شأنه أن يحل مشكلة كبيرة تتمثل بتسهيل وصول المواد الخام للصناعات المحلية وتنشيط حركة الاستيراد والتصدير، وأكد سعد بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت تعيق حركة البضائع الفلسطينية وفي المقابل تقدم كل التسهيلات لحركة البضائع الإسرائيلية التي تغرق السوق الفلسطيني وهذا ما يمكن مشاهدته إذا ما تجولنا في أسواق المدينة.

وصف الدكتور نافذ أبو بكر الباحث والخبير الاقتصادي والمحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة النجاح الوطنية، الوضع الاقتصادي في مدينة نابلس بأنه وصل حد الأزمة وبأن الأوضاع المعيشية لسكان المدينة والمخيمات المحيطة بها شهدت تراجعاً حاداً.

وذكر الدكتور أبو بكر بأن أهم مظاهر الأزمة الاقتصادية تتمثل بالتراجع الذي طال جميع القطاعات الاقتصادية وذلك بانخفاض حجم المبيعات في مختلف الفروع بالمعدل العام بنسبة 49% عما كانت عليه في أيلول 2000، وضعف السيولة المالية الذي تواجهه المنشآت التجارية بسبب اختلال الدورة الإنتاجية وانخفاض المبيعات وغياب المتسوقين وتراجع معدلات التجارية الداخلية، وانخفاض الدخل والإنفاق مما أدى إلى تراكم الديون على القطاع الخاص وعدم قدرة المنشآت الاقتصادية على الوفاء بالتزاماتها المالية اتجاه البنوك والموردين ودفع الضرائب والإيجارات، حيث أن هناك 67% من المنشآت تجد صعوبة في دفع أجور العمال و64% تجد صعوبة في تسديد الإيجارات و46% تجد صعوبة في تسديد التزاماتها للبنوك.

ويشير الدكتور أبو بكر إلى أن حجم إيداعات نابلس في البنوك كانت قبل الانتفاضة تقدر 40% من مجموع إيداعات الضفة الغربية، أما في الوقت الحالي فإن حجمها لا يتعدى 7% لمحافظتي نابلس وسلفيت معاً.
ويضيف الدكتور أبو بكر بأن هناك أيضاً انخفاض في حجم الإيرادات وصل في قطاع النقل بنسبة 69% وفي قطاع الإنشاءات 63% وفي الورش الصناعية المتوسطة 55% وفي القطاع التجاري بنسبة 50%.

ومن مظاهر الأزمة التي يذكرها الدكتور أبو بكر، ارتفاع تكاليف المواد الخام وتكلفة النقل والمواصلات، حيث بلغت نسبة الارتفاع في تكاليف النقل بمعدل 70% و15% في تكاليف المواد الخام؛ ومن المظاهر الأخرى انخفاض حجم الأيدي العاملة لدى المنشآت (التي تعد 7097 منشأة) بنسبة 57% عما كانت عليه قبل الانتفاضة، ومنع العمال من العمل في إسرائيل وإغلاق العديد من المنشآت الاقتصادية أو نقلها إلى مناطق أخرى وبالأخص مدينة رام الله، وكذلك تفشي الفقر الذي بلغت نسبته ما يقارب 60%. ويقول الدكتور أبو بكر بأن هذه النتائج والنسب توصل إليها عبر دراسة ميدانية للأوضاع الاقتصادية في مدينة نابلس، في نهاية عام 2004.

وقد ورد الدكتور أبو بكر أسباب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مدينة نابلس، إلى تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، ما لحق بذلك من سلبيات، فالاقتصاد الفلسطيني مرتبط بالاقتصاد الإسرائيلي في مجالات سوق العمل والتجارة الخارجية والإيرادات العامة والبنية التحتية واستخدام العملة الإسرائيلية، أما السبب الآخر فيتمثل باستهداف المدينة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بحجة الأمن سواء كان ذلك بالاجتياحات المتلاحقة خلال الأربع سنوات الماضية التي ألحقت الضرر بالبنى التحتية وبممتلكات العديد من المنشآت التجارية بملايين الدولارات، أو بفرض حظر التجول وإقامة الحواجز الثابتة والآنية على مجمل مداخل المدينة، وبالتالي تشديد الحصار عليها بحيث أدى ذلك إلى قطع الروابط الاقتصادية مع التجمعات السكانية المحيطة والتي تعتبر الشريان الأساسي للمدينة.

ويضيف أبو بكر بأن هناك أسباباً أخرى ساهمت في تفاقم الوضع الاقتصادي في مدينة نابلس، تمثلت بالفوضى وغياب سلطة القانون والقضاء والقصور الشديد في بنية ومنهجية الإدارة في مؤسسات القطاع الخاص، وضعف أداء الجهات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية في التعامل مع الأزمة.

ويبقى أهالي مدينة نابلس وأصحاب المنشآت الاقتصادية والعاملون فيها يلملمون جراحهم ويأملون بأن تتغير الأحوال عسى أن تعود الحياة من جديد لاقتصاد مدينتهم التي أنهكها الحصار ليتخلصوا من البطالة والفقر والركود الذي يخيم على أسواقهم وليدقوا ناقوس الخطر قبل أن ينهار اقتصادهم بالكامل.

وأفاد مراسلنا رومل شحرور السويطي بأنّ الهيئة الوطنية لكسر الحصار على مدينة نابلس، أكّدت على أهمية عدم التكيف للمؤسسات الرسمية والاهلية والخاصة مع حالة الحصار التي تفرضها سلطات الاحتلال على مدينة نابلس، وذلك بنقل مراكزها إلى مواقع بديلة أو تقسيم وتخفيف الادارات العاملة في نابلس.

وأضاف مراسلنا أنّ ذلك يأتي في سياق توجه عديد من الشركات الخاصة والبنوك التي أسست في نابلس إلى نقل مراكز إدارتها إلى رام الله، وإلى مواقع أخرى، كما ياتي في سياق توجه وزارة التربية التعليم الى تقسيم مديرية نابلس الى مديرتين، واحدة في بلدة حواره والاخرى في نابلس.

وأوضحت أنّ هذه السياسة تلحق افدح الاضرار بمدينة نابلس واقتصادها ومقومات الصمود فيها، وتضيق فرص العمل وتفاقم البطالة، وتساعد الاحتلال على تحقيق اغراضه من الحصار في تهميش نابلس وتقليص دورها الاقتصادي والوطني.

ومن الجدير ذكره أنّ الحملة الوطنية لفكّ الحصار عن نابلس قد تأسست وانطلقت بعد مبادرة قامت بها المبادرة الوطنية وشارك بها ممثلون من مختلف الفصائل والقطاعات والمؤسسات وذلك بعد سلسلة من الاجتماعات والنشاطات أبرزها عقد اجتماع لعدد كبير من الفعاليات وتوقيع عريضة من الآلاف في مدينة نابلس.

التعليقات