الموصل: الجبال والسهول تستبدل البنوك والمصارف بنقل الأموال

يعتمد البعض على المبادلة عن بعد. وبموجب هذه العمليات، يتفق شخصان من الموصل في بغداد على تصفية حساباتهما المالية بينهما، فتدفع عائلة أحدهما المستحقات لعائلة الشخص الآخر في الموصل

الموصل: الجبال والسهول تستبدل البنوك والمصارف بنقل الأموال

(أرشيفية- أ ف ب)

تُعبر السلطات العراقية عن خشيتها من عودة تنظيم "داعش" إلى الموصل، بعدّة طرق، منها الاعتقال العشوائي للمواطنين والانتشار الأمني الواسع في المدينة المُدمرة، لكن المُلفت للنظر، حظرها لعمليات تحويل الأموال. 

ومنعت السلطات العراقية، استلام الأموال أو تحويلها عبر البنوك في الموصل بعد أن سيطرتها على المدينة وطرد "داعش"، خوفا من أن تُستخدم لإعادة إحياء التنظيم الإرهابي المُنهار، إلا أن المواطنيين العاديين يدفعون ثمن ذلك. 

ومنذ استعادة الموصل من سيطرة مقاتلي "داعش" قبل أكثر من عام، ينتظر موظفو المصارف التي أعادت فتح أبوابها سريعا في الموصل، إذنا بمعاودة التعاملات المالية، فيما يفكر أصحاب مكاتب الصيرفة بإغلاق مؤسساتهم المهجورة.

تلك القيود أثبطت عزيمة كثيرين، لكنها لم تشكل عائقا كبيرا لعبدالله بسمان، صاحب متجر لبيع أجهزة الكمبيوتر التي يستوردها خصوصا من دبي.

متأخر النمو

وكي يدفع لمزوديه في العراق وخارجه، يكلف بسمان سائق أجرة موثوقا بنقل السيولة في مغلف إلى بغداد، حيث يقوم بعملية التحويل إلى خارج البلاد وتسديد فواتير متجره الصغير.

ويقول الشاب البالغ من العمر 27 عاما إن المصارف في الموصل اليوم "عبارة عن بنايات فقط".

ففي بلد كالعراق، حيث يعتبر النظام المصرفي "متأخر النمو"، بحسب تقرير للبنك الدولي، وحيث شخص من بين عشرة فقط يمتلك حسابا مصرفيا، فإن ما يجري في الموصل ليس مفاجئا.

ووفقا للبنك الدولي، فإن "المصارف العامة غير فعالة، وبعضها سيكون في حالة عجز".

في العام 2014، عندما اجتاح مقاتلو "داعش" الموصل، وضعوا أيديهم على ما يقارب نصف مليار دولار وسبائك ذهب مخزّنة في أقبية فرع المدينة من المصرف المركزي العراقي.

أما بالنسبة إلى المصارف الخاصة المحلية التي لا تعد، وذات الرساميل الضعيفة، فإن "دورها يقتصر فقط على تصريف العملات الأجنبية والتحويلات المالية"، وفق تقرير المنظمة العالمية.

ويتزايد انعدام الثقة في المؤسسات المالية إذ لا يمكنها القيام يعمليات تحويل مالية في الموصل، حالها حال المناطق الأخرى التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية سابقا.

قطّاع طرق 

في بعض الأحيان، يضطر أبو أكرم للبقاء أشهر عدة من دون راتب، لأن المقر الرئيسي للشركة التي يعمل لديها في بغداد.

ولاستلام مستحقاته، ينتظر هذا الثلاثيني زيارة لأحد معارفه إلى العاصمة التي تبعد نحو 400 كيلومتر إلى جنوب الموصل، أو عودة قريب من إقليم كردستان العراق المجاور حيث تحويل الأموال من بغداد سريع ومضمون.

لكن هذه الخطة قد لا تكون مجدية دائما. وقال أبو أكرم، إن الشركة التي يعمل لديها "لا توافق على تسليم الراتب إلا بيدي شخصيا (...) خوفا من الحوادث والسرقات".

ولتفادي وقوع أمواله بأيدي قطّاع الطرق في المناطق الجبلية، يستخدم أبو عارف حيله.

وحول حيل أبو عارف، قال: "أضع الأموال في مغلف، وألصقه أسفل مقعدي مباشرة"، مستذكرا حادثة وقعت مع أحد زملائه عندما تعرض له مسلحون على الطريق بين الموصل وبيجي شمال بغداد.

وفي كل مرة ينقل فيها "مبالغ تتراوح بين عشرة إلى خمسين ألف دولار أحيانا"، يكون أبو عارف مدركا للثقل الكبير على كاهله.

ويوضح أن "التاجر يغامر بإرسالها (الأموال)، إلا أنه مجبر على ذلك، رغم المخاطر".

ولكن رغم الظروف التي واجهتها مدينة الموصل ذات الغالبية السنية، والتي كانت قبل قرون عدة من أهم المراكز التجارية في الشرق الأوسط، لم ينته فيها الازدهار الاقتصادي لموقعها القريب من تركيا وسوريا.

عودة السيولة

بمجرد "تحرير الموصل في تموز/ يوليو 2017 بعد ثلاث سنوات من حكم الجهاديين، "عاد إلى المدينة العديد من التجار والأغنياء"، بحسب ما يقول الخبير المالي، رافع أحمد.

ويضيف أن هؤلاء "عادوا حاملين أموالهم التي نقلوها بسياراتهم الخاصة".

والمصارف العشرين، من حكومية وخاصة، التي كانت الأولى في إعادة بناء مقارها، لم تعد قادرة على المساعدة إلا كمراقب غير ناشط للانتعاش الاقتصادي، فيما تقوم شركات القطاع الخاص والأفراد بتمويل أنفسهم بواسطة أنظمة موازنة مرتجلة.

وهكذا، يعتمد البعض على المبادلة عن بعد. وبموجب هذه العمليات، يتفق شخصان من الموصل في بغداد على تصفية حساباتهما المالية بينهما، فتدفع عائلة أحدهما المستحقات لعائلة الشخص الآخر في الموصل.

وتلك الأموال هي "من المبالغ والمصوغات التي خبأها الناس داخل المدينة أثناء سيطرة داعش" بحسب ما يؤكد أحمد.

 

التعليقات