25/02/2008 - 18:23

الزلازل والبراكين تساهم في صنع الهندسة الجغرافية للأرض

-

الزلازل والبراكين تساهم في صنع الهندسة الجغرافية للأرض
أعادت الهزّة التي ضربت جنوب لبنان في منتصف شباط (فبراير) الجاري والهزات الارتدادية التي تلتها، إلى الأذهان، مشاهد الرعب والموت الجماعي والدمار الشامل التي نقلتها وسائط الإعلام من أندونيسيا وإيران والجزائر والصين وغيرها في الأعوام القليلة الماضية. وكذلك حفزت البعض على تذكّر التاريخ المعروف للزلازل في حوض البحر الأبيض المتوسط، وخصوصاً الساحل اللبناني. وفي هذا السياق، لم يتردد الخبير ألكسندر سرسق، رئيس المركز الجيوفيزيائي اللبناني لرصد الزلازل، في تنبيه وسائل الإعلام الى أن الهزّات ظاهرة شائعة في لبنان وتاريخه الجيولوجي، مشيراً إلى أن الجبال في بلاد الأرز هي صنيع ملايين السنوات من الاضطراب في القشرة الأرضية.

وبعيداً من الذكريات، يمكن الإشارة الى مستجّد علمي يتعلق باكتشاف فالق زلزالي بحري يمتد بطول يتراوح بين 100 و150 كيلومتراً مقابل الساحل اللبناني، ويقترب في إحدى تعرجاته من شاطئ بيروت ومدينة أنفة (70 كيلومتراً شمال بيروت) إلى مسافة تقارب 8 كيلومترات. وينضم هذا الفالق البحري إلى الفالقين الرئيسين البريين المعروفين: «فالق سرغايا» في السلسلة الشرقية لجبال لبنان؛ و «فالق اليمّونة» في السلسلة الغربية منها.

المعلوم أن كوكب الأرض كُرة صخرية ضخمة، يصل شعاعها إلى قرابة 6400 كيلومتر. وترتفع الحرارة في قلبها إلى قرابة 5000 درجة مئوية، مترافقة مع صلابة في التكوين تفوق الفولاذ بملايين المرات. وتأتي صلابة القلب- على رغم الحرارة العالية- من الضغط الهائل لكتلة طبقات الأرض الأخرى الذي يعيد ترتيب المواد الذرية. والمعلوم أن الضغط في المركز يصل إلى 1.4 مليون مرة أكثر من الضغط الجوي. ويمتد قلب الأرض الصلب إلى قرابة 1300 كيلومتر من المركز، محاطاً بطبقة هائلة من المعادن الذائبة تسمى «ماغما» وتتألف من 80 في المئة حديد و 20 في المئة مواد أخف من الحديد، خصوصاً السيليكون. ويبلغ سمكها 2200 كيلومتر تقريباً.

وتسبح طبقة صخرية سميكة، بدءاً من عمق 3500 كيلومتر وإلى ما قبل السطح الخارجي للأرض بكيلومترات قليلة، فوق محيطات «الماغما». وفي المقابل، تُخترق تلك الطبقة بما يشبه الأنهر والبحيرات من «الماغما»، ما يقسّمها الى مقاطعات مستقلة تتحرك ببطء، وتسمى «الصحون القارية» Continental Plates أو «الصفائح التكتونية» Tectonic Plates. وتنتهي الخريطة الجيولوجية لكوكب الأرض بقشرة صلبة إنما هشّة نسبياً، بسماكة لا تتجاوز 50 كيلومتراً. وتتقلص أحياناً إلى بضعة كيلومترات. وتحمل في ثناياها المسطحات المائية، التي تشكل أكثر من 70 في المئة من مساحة الكرة الأرضية.

وتشير آثار عدّة إلى أن النشاط الجيولوجي للأرض لم يكن بالهدوء الذي نشهده في الأزمنة الحديثة، والذي «تقطعه» سلسلة من الكوارث المتفرقة. ويدل التاريخ الجيولوجي إلى أن الحقب الغابرة احتوت سجلاً هائلاً من البراكين العظيمة والزلازل المدوية والانزلاقات الكبرى، مترافقة مع صعود الجبال وتشكّل المحيطات في شكل دراماتيكي. ولا تزال أصداء تلك الفترة الصاخبة من عمر الكوكب تتردد لغاية الآن، وتظهر على هيئة زحف مستمر للصفائح التكتونية التي تجثو عليها القارات، بمعدل 1 ملليمتر إلى 1 سنتيمتر سنوياً. وكذلك يستمر تآكل الصخور الداخلية الملامسة للطبقات الحارة وأنهار «الماغما» المتسربة إلى السطح، في تشكيل ظواهر نادرة، ومأسوية، على سطح الأرض، مثل فوران البراكين وانشقاقات الأرض وانزلاقاتها مع ما يرافقها من هزّات وزلازل.

في البعد الإيجابي لهذه الظواهر الجيولوجية الطبيعية، نذكر أن الزحف القاري والزلازل المرافقة له هي التي «تُهندس» تضاريس الأرض وترفع جبالها. كما أن البراكين تغني جو الأرض بغازات نادرة كالهيليوم والرادون والكبريت، كما تخصّب تربة الأرض بالمعادن المختلفة.

ويتصل ظاهر سطح الأرض مع الألواح التكتونية التي تفصلها عن بعضها البعض شقوق داخلية تُسمى «الفوالق الزلزالية». وغالباً ما لا تتبع حدود الفوالق الحدود الظاهرة للقارات. وقد تشترك أكثر من منطقة أو قارة في الصفيحة التكتونية عينها.

ويتحمل تاريخ بنية الأرض الهائج بعض المسؤولية عن استمرار النشاط في جوف الأرض وتحركه. ويساهم في الأمر عينه الحركة المستمرة في «الماغما» الداخلية. وتنجم هذه الحركة عن فروقات الحرارة بين أسفل هذه الطبقة وأعلاها، ما يخلق تيارات دائرية تحت الصفائح التكتونية الصلبة، تُحرّكها. ويحدث أن تتصادم تلك الصفائح بعضها ببعض، أو تنزلق إحداها تحت الأخرى، فينجم عن ذلك الهزّات والزلازل و «التسونامي».

وتنفي البحوث العلمية وجود أي رابط بين أحوال المناخ والزلازل. والحق أن الطاقة التي تحرك الزلازل تتجمع على عمق كيلومترات داخل الأرض، من دون أي تداخل أو تفاعل مع الهواء. وعلى عكس ما يعتقد البعض، لا تلعب لا الريح ولا الشتاء ولا الثلوج ولا عواصف البرق والرعد ولا فترة الليل أو النهار ولا فصل معين من فصول السنة، أي دور في سيناريو الزلازل.

وكذلك يتعذّر قياس سماكة الصفائح التكتونية (عرض الفوالق) واتجاه اندفاعها وسرعتها، ما يمنع التكهن بموعد اصطدامها. لا موجات الرادار الكهرومغناطيسية يمكنها اختراق أعماق الأرض (لا تتخطّى سوى عشرات السنتيمترات)، ولا الموجات الصوتية يمكنها ذلك، وليس بالمستطاع الحفر على اتساع رقعة الأرض وأعماقها! وكل ما يمكن للجيولوجي الاعتماد عليه هو خطوط الزلازل التي رسمتها الكوارث وتواريخها وآثارها، والمسوح الإحصائية عن الصدوع والتشققات في اليابسة الأرضية وفي قعر البحار والمحيطات.

وكذلك تتبدل قوة الهزات الأرضية في فالق ما مع مرور الزمن بين نشاط وآخر. ويمكن قياس الهزات بجهاز يسمى «سيسموغراف» Sesimograph وفقاً لأحد أنظمة القياس العالمية، وأشهرها نظام «ريختر». وفي ذلك المقياس، تتراوح قوة الهزّات بين صفر (هدوء تام) و9 (الزلزال الأشد قوة). ويعتمد «ريختر» على مقياس لوغاريتمي له قاعدة عشرية، ما يعني أن فارق الدرجة بين هزّتين يعني أن تفوق الأقوى الأضعف بعشر مرات.

ويحدث «التسونامي» (وهو موجة هائلة من المدّ البحري) بفعل زلزال تفوق قوته 7.7 درجة على مقياس «ريختر»، ويكون مركزه فالق بحري تحت سطح البحر. والزلزال الأعنف الذي حدث في أندونيسيا في ختام العام 2004، كان مركزه في المحيط الهندي وبلغت قوته 8.9 درجة، وقد أدى إلى اقتحام البحر الجزر الأندونيسية وقتل ما لا يقل عن 289 ألف شخص.



فبحسب علماء الفلك، نشأ كوكب الأرض منذ حوالي 4.5 بليون سنة، ولم يكن على حاله اليوم. ففي ذلك الزمن السحيق لم تكن حرارة الأرض تقل عن حرارة كوكب الزهرة، وهي قرابة 500 درجة مئوية. ولم يكن غلافها الجوي يحتوي هواءً صالحاً للحياة. وكانت صفائحها التكتونية الجيولوجية أسرع حركة بحيث كان زحفها واصطدامها ببعضها البعض يولد الجبال العالية والتضاريس الجغرافية الأخرى. وحينها أيضاً، كانت البراكين الناشطة والزلازل الكثيرة أمراً مألوفاً في الطبيعة.

وبعد بلايين السنين من الابتراد البطيء والنزوع نحو الاستقرار، لا تزال اليابسة تهتز من وقت لآخر؛ وكذلك تنشط بعض البراكين لتقذف حممها الملتهبة إلى سطح الأرض.

هل أن هذه العدوانية تأتي حصراً من المعطيات الجيولوجية والفلكية للأرض، ككوكب لم يتسنّ له بعد الاستقرار النهائي؟ أم أن أنشطة البشر (وخصوصاً في العقود الأخيرة) باتت قادرة على التأثير على وظائف الطبيعة وتوازنات البيئة؟

لقد بات واضحاً للعلماء أن المعطيات الحياتية لكوكب الأرض ليست سوى وليدة شروط بيئية استثنائية موقتة مواتية، يمكن لبني البشر العبث بها وتشويهها وربما القضاء عليها في شكل غير قابل للرجوع عنه! فخلال نصف قرن من اكتشاف البشر للذرة وقواها العظيمة، درجت التجارب النووية على هزّ باطن الأرض بصورة سنوية تقريباً، ما يعني أن ثمة عنصراً بشرياً قد أضيف إلى السجلات الجيولوجية للأرض، مترافقاً مع زيادة احتمال اندلاع الزلازل وتفجّر البراكين.

على رغم صغر مساحة لبنان، فهو مخترق بثلاثة فوالق زلزالية، اثنان جبليان والثالث بحري قريب من الساحل. وقد شهد لبنان هزات وزلازل كثيرة عبر تاريخيه القديم والحديث، كان أشهرها زلزال العام 551 ميلادي الذي ترافق مع موجة «تسونامي» هائلة، ما أدّى إلى تدمير بيروت وإغراقها ومعظم المدن الفينيقية المتوسطية آنذاك. والمعلوم أن البحر الأبيض المتوسط مخترق بعدد من الفوالق الزلزالية التي تقطعه طولاً وعرضاً، وتتكثف على سواحل اليونان وإيطاليا والمغرب العربي.

وقد شهد البحر المتوسط على مر تاريخه كوارث كثيرة، وخصوصاً في جزر اليونان وسواحل ايطاليا والبرتغال.

وفي المقابل، فإن التكهن بزمن حصول زلزال كبير مدمّر أو موجات مدّ بحري كبيرة (تسونامي) ليس سوى ادّعاء. وحتى الاعتماد العلمي على تاريخ الأحداث وتكرار حصولها في الماضي ليس بالضرورة قاعدة ارتكاز صحيحة لاستنتاج الفورة المقبلة. فمن جهة، إن البيئة الجيولوجية للكوكب تنزع إلى الاستقرار مع الزمن بشكل عام، ومن جهة ثانية فإن الهزات الصغيرة في فالق ما قد تفرّغ الطاقة المضغوطة على جوانب هذا الفالق بشكل سلمي، ما يجنبها الاصطدام العنيف بعد هدوء طويل. ولذلك فإنه لأمر إيجابي مطمئن أن لبنان يشهد عشرات الهزات الصغيرة شهرياً، تقل قوتها عن 3.5 درجات ولا يشعر بها الناس إلا لماماً.

من جهة ثانية، فإن كثافة الهزات الصغيرة تؤشر أيضاً إلى مرحلة انهيارات جوفية داخلية أو إلى اصطدام الخطوط المتعرجة على جانبي الفوالق، ما يؤمل أن يؤدي إلى إبطاء الزحف التكتوني وتنفيس الطاقة.

وإزاء استحالة تحديد زمن الزلازل يبقى أن حسن التصرف وسرعته في لحظات الكارثة هو الأمر المطلوب لتخفيف الخسائر، كما أن السهر على تطبيق شروط الأبنية المقاومة للزلازل من واجب السلطات والمجتمع المدني على حدّ سواء.

وقد بدأت الدول المتقدمة بوضع أجهزّة مراقبة لسطح البحار عبر الأقمار الاصطناعية، بغية الإنذار المبكر في حال حدوث زلزال بحري، ما يرفع من كفاءة رصد احتمالات حدوث المد البحري العملاق (تسونامي).
"الحياة"

التعليقات