20/06/2008 - 09:16

سياستان لشعبيْن./ عبير بكر

=

سياستان لشعبيْن./ عبير بكر


إن هبّة السكان العرب ضد قرار النيابة العامّة محاكمة 10 شبّان عرب من شفاعمرو بسبب الاعتداء على نتان زاده هي هبّة في محلّها؛ فهي تأتي ضد السياسة الانتقائية التي تنتهجها سلطات تطبيق القانون في الدولة حين تقوم بتقديم لوائح اتّهام، وإجراء تحقيقات متعلقة بالاعتداء والقتل. فهناك سياسة للعرب، وسياسة لليهود.

من الواضح للعيان أنّ الاحتجاج في الحالة قيد البحث الآن، ليس ضدّ محاكمة عربيّ، بالمرة، إنّما هو ضدّ السياسة الانتقائية التي تنتهجها سلطات تطبيق القانون لدى استكمال الإجراءات القضائية مع المشتبَهين. فمن الصّعب الامتناع عن الاستهجان من تصميم النيابة العامّة هنا، بلا كَلَل أو ملل، على تقديم لوائح اتّهام بأيّ ثمن ضدّ المُشتبَهين، وذلك في مقابل الاستخفاف واللامبالاة اللذين أبدتهما منذ اللحظة الأولى حين قُتل 13 متظاهرًا عربيًّا رميًا بالرصاص، في حين كان واضحًا للجميع أنّ هناك مخالفات جنائيّة خطيرة ارتكبها أفراد شرطة.

برز حماس النيابة العامّة لتقديم لوائح اتّهام ضدّ مواطنين عرب، في ظروف كان يُتوقَّع منها أن توفّر لهم الحماية فيها، أيضًا، في أكتوبر 2000. فكما يذكر الجميع، قُتل في تلك الأحداث الصعبة حينذاك، 14 مواطنًا – 13 عربيًّا ويهوديّ واحد. وبعد مرور وقت قصير على تلك الأحداث، قامت النيابة العامّة بتقديم لائحة اتّهام ضدّ شابّ عربيّ بتُهمة قتل المواطن اليهوديّ.
ثم جاءت تبرئة الشابّ العربيّ من تُهمة القتل، لتشهد كثيرًا على التسرّع الذي رافق تقديم لائحة الاتّهام. ومن نافِلة القول، إنّه لم يتم عمل شيء بالنسبة إلى بقيّة القتلى، الذين كانوا، على ما يبدو، عربًا.
لكن، بدلاً من قيام سلطات تطبيق القانون بواجبها في التوصّل إلى استخلاص الحقائق بخصوص الاستخدام غير القانونيّ للقنّاصة ضدّ مواطنين خلال أحداث أكتوبر، اختار كبار مسؤولي النيابة العامّة الكبار عقد جلسات طارئة لبحث مسألة كيفية التشدّد مع المتظاهرين العرب الذين تمّ اعتقالهم، ومنع إطلاق سراحهم. وقد تضمّن تقرير لجنة التحقيق الرسميّة (لجنة أور) التي عُيِّنَت لفحص الأحداث، انتقادًا شديد اللهجة لأفراد الشرطة، وأقرّ بما لا يقبل التأويل أنّ إطلاق النار الذي قاموا به لم يكُن قانونيًّا بالمُطلق. وبعد يوم على نشر التقرير، وقبل أن تستكمل النيابة العامّة دراسته، بكلّ ما يعنيه ذلك، فضّلت أن توجّه حرابها ضدّ بلال لوابنة، شقيق المرحوم إياد لوابنة، الذي أجرت إحدى وسائل الإعلام مقابلة معه، وهدّد، في ساعة غضب، بأنّه إذا عثر على الشرطيّ الذي قتل أخاه فسيعتدي عليه.

تمّ تقديم لائحة اتّهام ضدّ لوابنة بعد يوميْن، فقط، من نشر تقرير لجنة أور، إلى جانب طلب لاحتجازه حتى انتهاء الإجراءات القضائية. عمليًّا، جعلت لائحة الاتهام هذه من الشرطيّ الذي أطلق النار على المرحوم لوابنة ضحيّة يجب حمايتها من الشقيق المتألّم. فلم يُتَّخَذ أيّ إجراء ضدّ ذلك الشرطيّ، "الضحيّة المحتملة"، حتى يومنا هذا.

كذلك، فالشرطي جاي رايف الذي اعتبرته لجنة أور مُشتبَهًا أساسيًّا بقتل المرحوم وليد أبو صالح، ولم يُعاقَب على ذلك بعد، بات هو الآخر ضحيّة، وبرعاية أنصار تطبيق القانون. ففي أثناء إدلائه بشهادته أمام أعضاء لجنة أور، قدّم وصفًا لكيفيّة قيامه بإطلاق النار في اتّجاه المتظاهرين الذين وقفوا في المكان الذي قُتِل فيه المرحوم أبو صالح. وهنا، اندفع الأب الثاكل في اتّجاه رايف ولكمه في وجهه. لكن سلطات تطبيق القانون، لم تقف مكتوفة الأيدي؛ فلم تكتفِ بتقديم لائحة اتّهام ضدّ الأب الثاكل، بل أدارت معركة قضائيّة طالبت من خلالها بمعاقبته بصرامة وعدم الاكتفاء بشهريْن من السجن الفعليّ.

لا يمكن لاختبار قرارات النيابة العامّة بالنسبة إلى محاكمة متّهمين، أن يتمّ في منأًى عن سياستها العامّة وعن المبادئ التي توجّهها. والمصلحة العامّة التي يُفترض أن توجّه النيابة العامّة لدى قيامها بمحاكمة شخص، من المفروض أن توجّهها، أيضًا، في قرارها عدم محاكمته. فالمصلحة العامّة تستدعي التعامل العادل والمتساوي في تطبيق القانون وحماية الضحايا.

إنّ سلطات تطبيق القانون التي ترى إلى دورها كمَن يقوم بحماية المصلحة العامّة فقط عندما يكون العربيّ مشتبهًا فيه، بينما تتجاهل دورها عندما يكون الأخير ضحيّة، هي سلطات لا يُمكن أن تحظى قراراتها بالشرعيّة.




الكاتبة محامية في مركز عدالة




التعليقات