14/09/2008 - 15:01

البحث عن بدايات الكون لمعرفة مصيره - عصام زكي عراف

-

 البحث عن بدايات الكون لمعرفة مصيره - عصام زكي عراف

معرفة بدايات الكون تخبرنا عن نهايته

تمهيد

نحن نعيش على الكرة الأرضية، التي تدور حول الشمس وهي التي تزوِّد الأرض بالطاقة التي كانت السبب في نشوء الحياة واستمرارها عليها حتى اليوم. يقدر العلماء عمر الأرض بأربعة بلايين ونصف البليون سنة  وذلك بواسطة دراسة عمر أقدم الصخور على سطحها. أما عمر الكون الذي نعرفه فإنه يتراوح ما بين تسعة إلى أربعة عشر بليون سنة، يختلف باختلاف النظريات المستعملة في الحساب.
الشمس وما يدور حولها من كواكب وكويكبات ومذنبات وغيرها، هي جزء من مجرة "درب التبانة" التي تحتوي على ما يقرب من مئة بليون نجم أي شمس، بأحجام متفاوتة وكل واحدة منها عبارة عن "موقد" يشتعل باستمرار، وقوده الوحيد هو عنصر الهيدروجين.  عندما يتوفر الضغط ودرجة الحرارة اللازمة تتحد ذرتان من الهيدروجين فتكونان ذرة واحدة من عنصر الهيليوم بالإضافة إلى كمية من الطاقة نتيجة ذلك  الالتحام وذلك لفقدان جزء من الكتلة، أي أن كتلة ذرة الهيليوم الناتجة عن التحام ذرتين من الهيدروجين أقل من مجموع كتلتي ذرتي الهيدروجين قبل التحامهما. وقد كان العالم ألبرت أينشتاين أول من حسب الطاقة الناتجة عن تحول الكتلة إلى طاقة في معادلته الشهيرة:

E = mc2
 أي أن الطاقة الناتجة E تساوي الكتلة m مضروبة بتربيع سرعة الضوء c

يقدر عدد المجرات من الأرصاد والحسابات التي قام بها علماء الفلك بمئة بليون مجرة.  تدور كل مجرة حول مركزها، كما تدور كل شمس فيها حول مركزها أو حول مركز الكتلة المشتركة لها ولشموس أخرى مجاورة أو كواكب تدور حولها.  لنأخذ مثلا القمر الذي يدور حول نفسه ويدور حول الأرض التي تدور حول نفسها أيضا (وتتأرجح في الوقت ذاته) وتدور حول الشمس مع ما ذكرنا من توابع للشمس، والشمس تدور حول نفسها وتدور مع جميع توابعها حول مركز المجرة مع المئة مليون شمس وتوابعها التي تتكون منها المجرة.

لم يمض سوى أربع سنوات من الوقت الذي اكتشفت فيه المجرات في منتصف العشرينيات من القرن العشرين بفضل العالم الأمريكي إدوين هََبِلْ ومجموعة من زملائه، حتى اتضح أن تلك المجرات تبتعد كل واحدة منها عن الأخرى، أي أن الحيِّز الذي يقع بين المجرات يتسع باستمرار وكأن المجرات تقع على سطح كرة مطاطية تنتفخ دون توقف.
التفسير الوحيد لهذه الظاهرة هو أن بداية الكون كما نعرفه اليوم كان نتيجة لانطلاق جميع المجرات من نقطة واحدة في جميع الاتجاهات في لحظة ما.  بعبارة أخرى:  جميع المادة الموجودة في الكون كانت تنحصر في حيز ضيق حجمه يقترب من الصفر، وهذا يعني أن كثافة المادة في تلك اللحظة كانت تقترب من اللانهاية.  بعد الانفجار تناثرت المادة الموجودة في ذلك الحيز الضئيل في جميع الاتجاهات وتكونت منها في ما بعد المجرات على كل ما فيها.
السؤال الذي يحاول العلماء الإجابة عليه منذ أن انتشرت نظرية الانفجار الكبير هو:
ما هي الجسيمات الأولية التي كانت تتكون منها المادة في ذلك الوقت؟
الجواب على هذا السؤال قد نستطيع الحصول عليه إذا ما استطعنا أن "نفتت" أحد الجسيمات الثلاثة التي تكون "اللبنات" التي تكونت منها جميع العناصر المعروفة وهي: النيوترون والبروتون والإلكترون.  الوسيلة الوحيدة التي تتيح ذلك هي الوسيلة التي نستعملها في تفتيت المواد في حياتنا اليومية، أي طرقها بمطرقة أو إكسابها سرعة كافية تجعلها تتفتت عند ارتطامها بكتلة أخرى.  لو أخذت في يدك كرة من الزجاج أو الرخام وقذفت بها إلى كومة من كريات مشابهة بالسرعة اللازمة التي تعطيها الطاقة اللازمة للتغلب على قوة التماسك أو قل التجاذب بين جزيئات الكرة سوف تتفتت الكرة إلى شظايا.  من الواضح أن عدد الشظايا يكون أكبر كل ما كانت سرعة الكرة أكبر.
هذا ما يحاول العلماء تحقيقه في المركز الأوروبي للأبحاث النووية حيث يقومون بدفع البروتونات بواسطة مجال كهربائي لتعجيلها وإكسابها سرعة كبيرة تقترب من سرعة الضوء فتدور في المسار الدائري الذي يبلغ طوله سبعة وعشرين كيلومترا أحد عشر ألف مرة في الثانية الواحدة، عندئذ تكون كتلة كل بروتون قد بلغت سبعة آلاف ضعف كتلته عند بداية حركته.  (من الجدير بالذكر أن الكتلة تزداد بازدياد السرعة وهذا أحد اكتشافات أينتشتاين أيضا، ولذلك من المستحيل أن تتحرك كتلة بسرعة الضوء لأن ذلك يعني بلوغ الكتلة مقدار اللانهاية حسب المعادلة النسبية المعروفة). 
يقوم الجهاز آنيا بدفع مجموعتين من البروتونات واحدة في اتجاه حركة عقارب الساعة وأخرى في الاتجاه المعاكس وبواسطة التحكم في مسار كل مجموعة تدفع المجموعتان إلى نقطة محددة حيث تصطدم البروتونات بسرعة تساوي ضعف سرعة كل منهما. (لإيضاح ذلك نقول أنه لو اصطدمت سيارتان تسير كل واحدة منهما بعكس اتجاه الأخرى بسرعة ستين كيلومترا في الساعة، فإن هذا يشبه تماما اصطدام سيارة تسير بسرعة مئة وعشرين كيلومترا في الساعة بسيارة واقفة)
لإبقاء البروتونات في مسارها الدائري لا بد من توفير مجال مغناطيس يتعامد مع اتجاه حركة البروتونات وهذا يحتاج إلى تيار كهربائي مقداره إثنا عشر ألف أمپير ولا يتيسر ذلك إلا بتخفيض درجة حرارة "الأسلاك" إلى درجة قريبة من درجة الصفر المطلق بحيث تصبح عديمة المقاومة لمرور التيار الكهربائي فيها للحؤول دون ارتفاع درجة حرارة الموصلات في الكهرومغناطيسات.  لا بد من التنويه أن الأنابيب التي تتحرك فيها البروتونات تكون مفرغة تفريغا كاملا.
أثيرت إشاعات عن "خطورة" تلك التجربة تشهد للذين أثاروها بعدم إحاطتهم بما يحدث في هذه التجربة الفريدة.  كل طالب أنهى الثانوية في القسم العلمي يستطيع أن يحسب الطاقة الناتجة عن تصادم البروتونات بهذه السرعة وذلك باستعمال معادلة أينشتاين.  إنها لا تزيد عن الطاقة الناتجة عن تحول أربعة عشر ألفا من البروتونات إلى طاقة وهي تزيد قليلا عن جزئين من مليون من "جول" بحيث لا يوجد كائن حي يستطيع أن يشعر بها في أي حال من الحالات ولو كان من أصغر الحشرات!
أما عن "الثقوب السوداء" التي قد تنتج فإنها أيضا من الصغر بحيث لا يكون لها أي تأثير وقد لا يستمر وجودها لأكثر من جزء من بليون من الثانية.
أما "الشظايا" التي ستتطاير نتيجة لتصادم البروتونات فهي الجسيمات التي يتكون منها كل بروتون فإن العلماء يتوقعون الحصول على الجسيمات الأولية التي كانت تتكون منها مادة الكون برمته عند حصول الانفجار الكبير ولا بد أنها تختلف في ماهيتها عما تسنى لنا اكتشافه حتى اليوم. 
لقد صنعت خيرة الأجهزة المتوفرة اليوم لرصد ماهية تلك الجسيمات من حيث الكتلة والشحنة الكهربائية وغير ذلك، ولكن ذلك لا يضمن قدرة تلك الأجهزة على رصد كل الجسيمات، فقد يكون بعضها ذو مزايا لا تستطيع الأجهزة المتوفرة حاليا رصده، فكأنه سمك يمر من عيون شبكة أكبر من قطره أو أن الشبكة (أي الأجهزة) غير صالحة لصيد هذا النوع من السمك.   

قصة الكتلة "الخفية" والاحتمالات الثلاث

والآن إلى جانب آخر عظيم الأهمية في هذه التجربة وإن كانت نتائجه على كوكبنا وعلى الحياة فيه لن تحدث إلا بعد البلايين العديدة من السنين!
قلنا سابقا أن المجرات تبتعد عن بعضها بسرعة والسؤال هو: هل ستستمر المجرات في حركتها دون توقف؟ أي أن الكون سيستمر في الاتساع، أم أن سرعتها تقل باستمرار نتيجة لقوة الجاذبية بين المجرات بحيث سوف تتوقف في لحظة ما في المستقبل ثم تبدأ في التسارع باتجاه المركز الذي انطلقت منه لتتحد مرة أخرى وتكون كتلة واحدة تعود وتنفجر بانفجار عظيم آخر وهكذا دواليك؟  أم أنها ستصل إلى نقطة تكف فيها عن الحركة وتبقى ساكنة إلى الأبد؟
الجواب على هذه الأسئلة يتطلب معرفة كمية المادة والطاقة الخفية الموجودة في الكون.  يعتقد بعض العلماء أن كمية المادة التي رصدناها حتى اليوم لا تتجاوز الخمسة في المائة من المادة والطاقة الموجودة في الكون دون أن يقوم حتى اليوم دليل قاطع على ذلك.  من أهم أسباب عجزنا عن معرفة كمية المادة الموجودة في الكون هو جهلنا الكامل في الوقت الراهن لطبيعة مجال الجاذبية وأمواج الجاذبية وسرعتها، بخلاف معرفتنا شبه الكاملة للحقول الكهربائية والمغناطيسية.
قد تساعدنا هذه التجربة في إماطة اللثام عن بعض جوانب مجال الجاذبية، وإذا حدث ذلك فلا شك أنه سيكون أهم اكتشاف منذ الاكتشافات الكبرى في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

أرقام ذات صلة

يشارك في الأبحاث 2100 باحث من 35 دولة وأكثر من 180 معهد أبحاث
تكاليف إقامة المشروع قاربت ستة بلايين يورو
درجة حرارة الموصلات في المغناطيسات  271.3  درجة مئوية تحت الصفر
الضغط في داخل أنابيب التسارع أقل من عشر تريليون ضغط جوي
عدد المغناطيسات 9300
عدد الاصطدامات في كل ثانية  600 مليون
درجة الحرارة الناتجة عن تصادم البروتونات تزيد بمئة ألف مرة عن الحرارة في داخل الشمس التي تزيد على 13 مليون درجة مئوية 
ثمن الكهرباء المستهلكة في السنة يقرب من عشرين مليون يورو
لمشاهدة عرض مبسط لعمل المسارع إذهب إلى الموقع التالي

http://kalyanb4u.wordpress.com/2008/09/13/lhc-animation-of-proton-proton-collision-experiment/


التعليقات