31/10/2010 - 11:02

أبرتهايد وتحريض../ عوض عبد الفتاح

-

أبرتهايد وتحريض../ عوض عبد الفتاح
كتبت «يديعوت أحرونوت» في عددها الصادر بتاريخ 21/2/2007، أنّ ممثل القنصلية الإسرائيلية في العاصمة الكندية حضر محاضرة النائب التجمعي جمال زحالقة، التي ألقاها في إطار برنامج «أسبوع الأبرتهايد الإسرائيلي» الذي نظمته أطر مؤيدة للحق الفلسطيني، وسجل النقاط الأساسية في المحاضرة ونشرتها الصحيفة. وجميعها تتطرق إلى سياسات إسرائيل الاحتلالية والعنصرية ضد الشعب الإسرائيلي.

بطبيعة الحال لم تنشر الصحيفة الخبر من باب التغطية الصحفية، فهل سمع أحدكم عن قيام صحيفة إسرائيلية صهيونية بالاهتمام بنشاط أيٍّ من القيادات الوطنية العربية خارج البلاد لصالح قضيتنا الوطنية؟ إذًا هذا النشر جاء في إطار حملة تحريض على ما قاله النائب زحالقة، أطلقتها أوساط صهيونية خارج وداخل البلاد.

ما قاله النائب زحالقة ليس جديداً بالنسبة لهذه الأوساط؛ فقد سمعته الكنيست الإسرائيلية وإعلامها عشرات المرات من زحالقة ومن جميع قادة التجمع وقد حاولت المؤسسة الإسرائيلية منع حزب التجمع من خوض انتخابات الكنيست عام 2003 على خلفية برنامجه السياسي المتصادم مع العنصرية الصهيونية والرافض لها نظرياً وعملياً. كما أنها ليست المرة الأولى التي يحاضر فيها ممثلو التجمع عن البنية العنصرية لدولة إسرائيل أمام أوساط عالمية.

يجب الإشارة إلى أنّ التحريض على التيارات الوطنية في الداخل وعلى التجمع تحديداً لم يتوقف. يشتد أحياناً ويتراجع أحياناً أخرى. وفي الآونة الأخيرة تزداد الحملة الشاملة على العرب، عبر تطوير سياسة الاحتواء إلى جانب النهب المنظم وجرائم الهدم والقوانين العنصرية.

ماذا يُضايق الأوساط الصهيونية داخل وخارج إسرائيل بالضبط وماذا يضايقها من التجمع تحديداً (من بين القوى العربية البرلمانية) ولماذا تضعه المؤسسة التشريعية الإسرائيلية على الحافة، أي حافة الخط الأحمر؟ وما هو العامل الأكثر إزعاجاً في خطاب التجمع بالنسبة للمؤسسة الصهيونية؟ ولماذا يقوم ممثل القنصلية الإسرائيلية برصد ما تحدث به زحالقة، ونحن نفترض أنه في كل حضور لأي من قيادات التجمع خارج البلاد يكون هناك الرصد، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، وكل ما يقوله التجمع معروف ومكشوف؟

هل ترى في التجمع تياراً إرهابياً يسعى للتعاون مع «أعداء إسرائيل؟ ليس هذا السبب؛ فإسرائيل تعرف بالضبط برنامج التجمع ورؤيته لحل الصراع وكيفية إزالة الاحتلال والعنصرية الصهيونية. وهي رؤية وطنية فلسطينية وديمقراطية وإنسانية.

هناك أمران يزعجان إسرائيل أولهما: الاحتمالات المتزايدة لوصول أوساط جديدة في الغرب إلى القناعة بضرورة التعامل مع إسرائيل كما تعامل العالم مع نظام الأبرتهايد البائد في جنوب أفريقيا أي بالمقاطعة، خاصة بعد أن صدرت مبادرة جريئة واسعة من أكاديميي بريطانيا، ومنهم يهود، تدعو لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية. وفي هذا السياق يزعجها أن يكون التجمع من الأصوات المساهمة والداعمة لهذا التوجه - أي فرض المقاطعة على إسرائيل.

إنّ الرصد المتواصل لحركة التجمع ونشاطه تؤكد أولاً على قدرته على التأثير في الداخل والخارج. التأثير أولاً: على سلوك الجماهير العربية داخل الخط الأخضر، وتعزيز هويتها الوطنية ومطالبها المشتقة من ذلك، وتطوير الرابطة القومية مع العالم العربي؛ وثانيًا، تأثيره على أوساط في الرأي العام العالمي- الشعبي والبرلماني.

إن أكثر ما يزعجها في التجمع هو أنه حركة وطنية فلسطينية وتيار قومي عربي ولكنه ديمقراطي استطاع أن يكشف التناقض القائم بين صهيونية إسرائيل وديمقراطيتها وهو تناقض نجحت إسرائيل في إخفائه عن عيون المعجبين بها في الغرب الذين لم يعرفوا عن كيفية تعامل إسرائيل مع المواطنين العرب أهل البلاد الأصليين وعن نكبتهم.

لقد برّرت إسرائيل حروبها ضد الدول العربية والحركة الوطنية في الخارج واحتلال أراضٍ عربية، بتهديد الجوار العربي لوجود إسرائيل. وسهّل تمرير هذا التبرير حتى على أوساط غربية شعبية وبرلمانية نشطة من أجل الحق الفلسطيني.

ولكنه ليس من السهل على إسرائيل تمرير أي مسوّغ لقمع 20% من مواطنيها، لأنهم عرب. لا تستطيع، بحجة الدفاع عن وجودها، تسويغ السطو على أرضهم، أملاكهم ومحاصرتهم في قرى وبلدان من دون أيّ مُقوّم اقتصادي أو مصدر رزق، ناهيك عن عشرات القوانين العنصرية السافرة التي تهدف إلى تأبيد دونيتهم وتكريس عملية السطو الواسعة التي بدأت بعد النكبة مباشرة ومستمرة حتى اليوم. لقد أصبح واضحاً للكثيرين في الخارج أن عملية السطو المستمرة تهدف إلى الحفاظ على الامتيازات للأكثرية اليهودية وليس للحفاظ على أمنها.

أمام ذلك تزداد الحاجة إلى تدويل قضية عرب الداخل وطرحها أمام المحافل الدولية بشكل منظم. إنها باب ليس لكشف موبقات إسرائيل ضد المواطنين العرب فحسب، بل باب جديد للكشف عما تبقى من أقنعة عن وجه إسرائيل الحقيقي وعن موقفها من حل القضية الفلسطينية.

"فصل المقال"

التعليقات