31/10/2010 - 11:02

إلى "الديمقراطيين الجولانيين!" /د.مجيد القضماني

إلى
تعيش سوريا الأجواء ذاتها تقريبا التي أحاطت بالعراق قبيل غزوه مع فارق جوهري وهو ان قوى الاستعمار تبحث في بدائل سياسية تمكنها من قطف " رأس النظام السوري" دون الاضطرار إلى إزالته كليا. واشنطن المتورطة في العراق، ليس بمقدورها تكرار ذات السيناريو في سوريا.

إدارة بوش تأمل بـ " معارضة سورية محلية " على نمط " الثورات الملونة " المشتبه بتورط قياداتها بعلاقات مباشرة مع الاستخبارات الأمريكية وأجهزة أخرى. ومن غير المستبعد ان نرى قريبا " تحركات شعبية! " في مدن سورية ترفع من سقف مطالبها الإصلاحية ولهجتها السياسية بما يتناسب والأجواء الدولية التي على الأرجح سوف تجد لها لونا خاصا يلائمها ما بين البرتقالية(في أوكرانيا) والزهرية ( في جورجيا)..! واشنطن التي قررت إخضاع دمشق إخضاعا تاماً لمتطلبات مشروعها الجديد، تبحث " بهمة ولكن بروية " بين السوريين عن من يقوم بهذه " الثورة !" وتأمل في ان تتمكن من تجير المزاج الشعبي المؤيد لمطلب الإصلاحات السياسية بما يخدم مشاريعها الاستعمارية التي تتعارض في جوهرها مع المشروع الديمقراطي العربي الذي طال انتظاره. وإذا لم " تتحصن " التيارات الديمقراطية في سوريا بالبعدين، القومي والمقاوم، فسوف تفشل في إيصال مشروعها إلى بر الأمان وفي تجنب ما تعده واشنطن لبلادنا.

ولعله من المفيد هنا إيراد مقطع من تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (نشر في مجلة رمال / 1999)، يكشف بعضا من ملامح " تصدير الديمقراطية " علما انه اعد قبل ما يزيد على 50 عاما وكان موجها ضد الاتحاد السوفيتي...يقول التقرير: " ... سنزج بكل ما نملك، بكل الذهب والجبروت المادي، لغسل عقول الناس. عقل البشر ووعيهم قابلان للتغيير(...) سوف نعمل على استبدال القيم ( الفعلية ) باخرى مزيفة ونرغمهم على ان يصدقوا بها(...) ولمحة اثر أخرى سوف تكتمل مشاهد تراجيديا كبرى من حيث أبعادها، تراجيديا الخنوع وضمور وعي شعب بذاته. سنطمس تدريجيا الأدب والفن وجوهرهما الاجتماعي(...)وفي إدارة الدولة سنخلق الفوضى والاضطراب. وبشكل غير ملحوظ ولكن نشيط، سوف نسعد على تفشي التغطرس والارادوية..أما النزاهة والأمانة فستكونان موضع سخرية ويتحولان إلى مخلفات من الماضي(...) سنعمل بمهارة ودون ان يلحظ ذلك احد على انتشار الصلافة والوقاحة والكذب والخداع (...) وانتشار الخيانة والعداء بين الشعوب(...) القلائل، قلائل جدا، سوف يحدسون أو يفهمون ماذا يجري. ولكن سنضع هؤلاء في وضع العاجزين ونجد أسلوبا للافتراء عليهم (...) وسيكون رهاننا الرئيسي متركزا على الشباب، وسنعمل على ان نجعلهم كسموبوليتيين" .... ألا يوجد في هذا التقرير ما ينطبق إلى حد كبير على واقع الحال؟!

يجب التنبيه وبشجاعة إلى ان مخاطر تأخر الإصلاحات السياسية والديمقراطية في سوريا وغيرها من البلدان العربية لا يجوز أبدا وضعه في مرتبة مساوية للمخاطر التي ستترتب على تغلغل الهيمنة الخارجية الأجنبية. ولن يفيد " المنادين بالديمقراطية!" التذرع بتباطؤ الإصلاحات لتبرير الاستقواء بالقوى الاستعمارية، وان فعلوا فانهم ينزلقون إلى ذات الطريق الذي سلكته بعض أطياف المعارضة اللبنانية والتي أساءت إلى المشروع الديمقراطي اللبناني والعربي وقد ينتهي بها الأمر- ان لم تضبضب أمورها - لتكون أداة في خدمة المشروع الأمريكي حتى وان لم تكن ترغب ذلك. ( لا نتحدث عن المعارضة العراقية فهي مفضوحة ).

إن مهمة التصدي ومقاومة المخطط الأمريكي في سوريا يجب ان تكون في مقدمة أولويات المطالبين بالديمقراطية والإصلاحات السياسية وفقط الربط بصورة واضحة وجلية بين المطالب الديمقراطية ورفض المشاريع الامبريالية ورفع هذا الربط شعارا رئيسيا لا يقبل أي التباس هو السبيل الوحيد أمام هؤلاء الديمقراطيين حتى ينأوا بأنفسهم عن تهمة الخيانة ومن ان يتحول "مطلبهم الديمقراطي" إلى مطية " انجازه " الوحيد سيكون: صلح ذليل مع الدولة الصهيونية على حساب حقوق المواطن السوري في استعادة الجولان المحتل كاملا.

المشروع الديمقراطي العربي قدره أن يناضل على جبهتين معا وان يتقن جدا رفع شعاراته السياسية في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة، فهو محاصر بين نار أطراف ترغب بتخوين المشروع الديمقراطي ونار أميركا التي ترغب بتجيير المطالب الديمقراطية والمزاج الشعبي التواق للإصلاحات والعدالة لخدمة مشروعها وسياسات احتواء وتطويع المنطقة.

مهمات المشروع الديمقراطي العربي يزداد صعوبة وتعقيداً كون واشنطن تسعى تحت شعارات الحرية وحقوق الإنسان إلى تغيير وجه المنطقة ولهذا على مشروع التغيير الديمقراطي العربي، أن يرفض رفضا قاطعا تكفل واشنطن بالدفاع عنه، وإلا سيؤدي ذلك إلى خسارة الشارع العربي وبالتالي خسارة المشروع الديمقراطي نفسه وهو طوق النجاة المتبقي حاليا للعرب بعد فشل تياراته الثلاثة الرئيسية في إيصال مشروع النهضة العربية المنشود إلى مبتغاه

إن تصحيح الأجواء السياسية والخلاص من الأوضاع المنافية للحريات الديمقراطية في بلادنا يجب أن يعتمد على تقوية وتعزيز نبض الشارع الوطني والقومي والمقاوم في إطار برنامج سياسي مهامه واضحة وصريحة يقوم من جهة على تأكيد التصدي لمخططات الامبريالية والصهيونية ومن جهة أخرى رفض ذرائع من نوع " الوقت غير مناسب للإصلاح " ومواصلة النضال – التراكمي والارتقائي - من اجل تطوير دولة ديمقراطية حقيقية، تضمن العزة والسيادة لأوطاننا والحرية والكرامة لمواطنينا

التعليقات