31/10/2010 - 11:02

الدم.. والنفط... وكرسي جورج بوش/ محمد جلال عناية (*)

الدم.. والنفط... وكرسي جورج بوش/ محمد جلال عناية (*)
عندما زعم »دونالد رامسفيلد«، وزير الدفاع الأمريكي الذي يؤدي عمله الآن كوزير للحرب، أن »أوروبا القديمة« فقط هي التي تعارض خطط أمريكا لمهاجمة العراق وتدميره، كان قصده توجيه إهانة الى كل من فرنسا وألمانيا. وفي الحقيقة، فإن »أوروبا القديمة«، التي يعنيها وزير الحرب رامسفيلد، هي في الواقع أوروبا الراشدة، باستثناء »توني بلير« الذي يمكننا أن نصفه، والعالم ومن ضمنه الشعب البريطاني معنا، بأنه »دمية أمريكية«، حيث أنه غير جدير بأن يكون رئيس وزراء بريطانيا، مقارنة بونستون تشرتشل، الذي تهكّم يوماً على حكام أمريكا بقوله إنه موقن بأن أمريكا سوف تختار الحل الصحيح في النهاية بعد أن تجرّب كل الحلول الأخرى، رامياِ حكامها بالحمق والسّفه.
ليت رامسفيلد كان الى جوار زميله سيء الحظ »كولن باول« في مجلس الأمن الدولي يوم 14/2/2003، ليشاركه الحرج عندما سخف بليكس، كبير المفتشين الدوليين على أسلحة الدمار الشامل في العراق، مزاعم »كولن باول« حول حركة شاحنات عراقية تحمل مواد مانعة للتلوث بأنها تقوم بعملية مراوغة. وكان عليه أن يتقاسم الغيظ مع زميله باول عندما ضجت قاعة الاجتماعات في مجلس الأمن الدولي بالتصفيق لوزير خارجية فرنسا »دومينيك دي فيلبان«، الذي كان يمثّل بحق ضمير العالم من خلال موقف فرنسا من الأزمة العراقية.
مع أن تاريخ الولايات المتحدة كدولة قصير، لا يجوز لشخص في موقع رامسفيلد أن يتنكر لأيادي فرنسا البيضاء على أمريكا بالوقوف معها في حرب الاستقلال، أو أن ينسى رامسفيلد العسكري الفرنسي »ماركيز دي لافايت« الذي منحه الكونجرس الأمريكي رتبة »جنرال«، وساهم في حرب الاستقلال الأمريكية الى جانب جورج واشنطن وجُرح عام .1777 أما تمثال الحرية، الذي أصبح رمزاً لهذه الحرية في أمريكا، ومعْلماً سياحياً عالمياً، فقد كان من عمل الفنان الفرنسي »فريدريك أوغست بارتولدي« عام 1884، وكان الشعب الفرنسي قد تبرّع بتكاليف التمثال.



إن »أوروبا القديمة«، التي يغمز من قناتها »دونالد رامسفيلد«، قد تركت وراء ظهرها ميراث خمسمائة سنة من الحروب، ووضعت جانباً التعصّب لسيادتها القومية، لتقيم مشروعاً حضارياً عصرياً تمثل في »الاتحاد الاوروبي«، الذي يشكل قدوة على الصعيدين الأقليمي والدولي للأمم التي تريد أن تعيش في جوّ من الحرية والديمقراطية والسلام. إن »الاتحاد الاوروبي« هو الامبراطورية الحضارية الجديدة التي قامت بالإرادة الحرّة للشعوب، دون حروب للغزو والضمّ والإلحاق بين أمة سائدة وأمم تابعة.
إن الولايات المتحدة هي التي تمثّل، من خلال احتكارها للقوة، »العالم القديم« في سعيها للسيطرة العسكرية على الأمم الضعيفة، والاستئثار بالمنافع دون الأصدقاء والحلفاء، مما يعمق الكراهية بين الأمم وينشر الفوضى في العالم. وإنها تضرب بمصالح حلفائها وأصدقائها من الدول الأوروبية عرض الحائط باستنادها الى قوتها العسكرية الضخمة والمتطورة، حيث تتكفل مواردها المالية الهائلة بالانفاق على التسلح بمستوى لا تستطيع الدول الأخرى أن تجاريها فيه. ومن هنا فإن الولايات المتحدة توجه سياساتها لتحقيق مصالحها الخاصة في الشرق الأوسط التي تتمثل بشكل عام في السيطرة على النفط وبيع الأسلحة الأمريكية للدول العربية النفطية ودعم اسرائيل.
في هذا المجال، فإن الإدارة الأمريكية الحالية تدعم الى أقصى حدّ أكثر الحكومات الاسرائيلية اليمينية تطرفاً في التاريخ لتأمين تأييد القوى اليهودية في أمريكا لإعادة انتخاب جورج دبليو بوش رئيساً لفترة ثانية. وهذا ما تؤكده كل الآراء والتحليلات السياسية داخل الولايات المتحدة وخارجها، بإشارتها إلى »الشؤون السياسية الداخلية« كعامل وحيد لتوجيه السياسة الخارجية، الذي يقود جورج بوش ويضبط حركته.



خلال خطابه في المتظاهرين ضد الحرب الأمريكية على العراق )15/2/2003(، قال السيد لفنجستون، عمدة لندن :» ليعلم الجميع بأن ما يحدث هنا ) من مظاهرات( يوضح أن بريطانيا لا تؤيد الحرب من أجل النفط«، وحذّر عمدة لندن قائلاً : »إن الشعب البريطاني لن يتسامح في أمر استغلاله في دعم أكثر الإدارات الأمريكية فساداً وعنصرية خلال السنوات الثمانين الأخيرة«.
تكثف دعاية الحرب الأمريكية حملاتها الإعلامية ضد العراق، حيث تصوّر هذا القطر وكأنه هو الذي سوف يغزو أرضه، وليست هي آلة الحرب الأمريكية الجهنمية التي تتوثب لتدميره وإبادة شعبه بأسلحتها الماحقة. حيث تزعم الدعاية الأمريكية أن العراق سوف يستخدم الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ضد شعبه، ويشعل معركة دموية في شوارع بغداد، ويحرق آبار النفط، ويستخدم المدنيين دروعاً بشرية في المواقع المستهدفة، وينسف الجسور ويغرق بغداد، ويطلق الحملات الارهابية داخل العراق وخارجه.
في تقارير الصحف الأمريكية، وفيما تنقله عن مصادر أخبارها، يرد الحديث عن حرب سريعة وخاطفة ضد العراق، وإن ما يعنيه هذا الوصف الأمريكي للحرب هو أن آلاف الصواريخ )العبقرية( والقنابل )الذكية( ذات التقنية المتقدمة والقوة التدميرية الهائلة سوف توجّه لتدمير منجزات العراق المدنية والحضارية وكذلك البنى التحتية، وإفناء الشعب وجعل ظروف الحياة الإنسانية مستحيلة لمن يبقى على قيد الحياة، لتعيد العراق، هذه البقعة المضيئة في تاريخ الحضارة الانسانية، الى ما قبل العصر الحجري، وترجعه الى زمن الاجتياح المغولي، وتعيده الى عصر الوباء الأسود في أوروبا، فليت أمريكا تبقي العراق غارقاً في بؤسه بدلاً من أن تنقذه على طريقتها الجهنمية.

منذ الستينيات من القرن العشرين ويهود أمريكا يتظاهرون ضد الحرب ومن أجل السلام في كل مكان باستثناء فلسطين، فقد كانت لهم مواقف ونشاط سياسي مكثف ضد حرب فيتنام. وبدا ظاهراً أن القوى اليهودية المنظمة والأفراد قد امتنعوا عن المشاركة في المظاهرات الأمريكية المضادة لغزو العراق. والسبب وراء هذا الموقف جليّ واضح، وهو أن القوى اليهودية المنظمة، والإعلام الأمريكي المسيطر عليه من قبل هذه القوى من أشد المحرّضين على شن حرب على العراق، وتبّرر رموز يهودية دورها المفضوح في عدم المشاركة في المظاهرات المضادة للحرب بأن هذه المظاهرات » معادية للسامية«، لأن بعض الخطباء يشيرون الى أن محاباة الرئيس بوش لاسرائيل الى جانب تطلعه للسيطرة على نفط الشرق الأوسط من أهم العوامل التي تدفعه لشنّ حرب على العراق. وتنكشف الليبرالية المزيّفة التي يدعيها بعض اليهود في أمريكا عند تأويل المطالبة بانسحاب اسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلّة على أنها عداء للسامية.
إن الشقاق القائم بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية حول الموقف من قضية الشرق الأوسط يعمر قلوب قادة اسرائيل وزعماء الجالية اليهودية في أمريكا بالغبطة والسرور، حيث يتطلعون لاستثمار الخلاف القائم حول فلسطين والعراق بين أوروبا وأمريكا لتحريض الأخيرة على استبعاد الاتحاد الاوروبي عن عملية السلام في فلسطين، وعن مشروع إعادة رسم الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، حيث أن انفراد أمريكا بالعمليتين سيؤمن لاسرائيل موقعاً متميزاً في المنطقة نتيجة المحاباة الأمريكية لها.
إن محاباة أمريكا لاسرائيل، والتحيّز لها ضد العرب في الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية، لها تاريخ يمتدّ لعقود طويلة من السنين. فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد حشدت كل ما لديها من وسائل الدمار، وهددت بضرب العراق بالأسلحة النووية، هذا البلد الذي يعاني شعبه من الجوع والمرض والعزلة، بحجة أنه لا يمتثل بالشكل الذي تحدّده أمريكا لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي .1441



إن العالم، بمن فيه من شعوب وأمم وحكومات، ليتساءل : كم مرّة خرقت اسرائيل قرارات مجلس الأمن الدولي وضربت بها عرض الحائط؟ في هذا السياق نشير الى منع اسرائيل )تشرين الثاني في 1990( ثلاثة مندوبين من أعضاء مجلس الأمن من القدوم الى اسرائيل للتحقيق في مقتل سبعة عمال فلسطينيين على يد مسلح اسرائيلي في مستعمرة »ريشون لتسيون«. وقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض )الفيتو( لاسقاط قرار مجلس الأمن الذي أيدته 14 دولة من أعضاء المجلس الخمس عشرة. ما هو موقف الرئيس بوش وإدارته من قيام اسرائيل بخرق قرار مجلس الأمن 242 على مدى أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، وذلك باستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها؟
إن جورج دبليو بوش يريد أن يدمّر العراق ويبيد شعبه بزعم أن لديه أسلحة دمار شاملة لم يتحقق من وجودها، وإن بوش هو نفسه الرئيس الأمريكي الزاحف على بطنه باتجاه القوى اليهودية طالباً تأييدها ورضاها لإعادة انتخابه رئيساً لدورة ثانية، ولقد منح بوش أريئيل شارون، الملاحق من قبل محاكم دولية بجرائمحرب، لقب رجل السلام، وتغاضى بوش عن كل ما في الترسانة الاسرائيلية من أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية.
إننا لسنا أمام قضية عصيّة على الفهم. ففي اجتماع ضم الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان وسفراء أمريكا في الدول العربية عام 1947، في ذلك الاجتماع قدم السفراء لرئيسهم نصيحة بعدم تأييد قرار تقسيم فلسطين، فأثنى ترومان على آرائهم التي لم يأخذ بها وقال لهم إن العرب ليس لهم أي تأثير في عملية انتخابه للرئاسة لدورة ثانية.

____________
(*)كاتب عربي يعيش في الولايات المتحدة.


التعليقات