31/10/2010 - 11:02

بعد العراق: إسرائيل تستعجل أمريكا لإقامة شرق أوسط جديد؟ /ماجد كيالي

بعد العراق: إسرائيل تستعجل أمريكا لإقامة شرق أوسط جديد؟ /ماجد كيالي
لم تخف إسرائيل فرحتها وارتياحها إزاء احتلال العراق واسقاط نظامه، من قبل القوات الأمريكية البريطانية، فهذا التغيير الاستراتيجي، الذي حرّضت إسرائيل عليه وأعدّت له وشاركت فيه، يخلّصها (مجّانا) من دولة قوية مثل العراق، ويوسّع الفجوة في موازين القوى بينها وبين العرب (لصالحها)، ويغيّر معادلات الصراع العربي ـ الإسرائيلي تغييرا جذريا، بشكل يجعل سورية تبدو بدون عمق استراتيجي ويضع الفلسطينيين، أكثر من أي وقت مضى، في دائرة الاستفراد الإسرائيلي بهم، ما يتيح لإسرائيل فرصة مثالية لفرض املاءاتها في عملية التسوية وفي صوغ النظام الإقليمي الجديد، بحكم انتمائها لمعسكر المنتصرين بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

وعن ذلك يقول أريئيل شارون: "ما جرى في العراق أحدث هزّة في الشرق الأوسط وجلب احتمال حدوث تغييرات كبيرة. ثمة الآن فرصة لخلق منظومة علاقات أخرى بيننا وبين الدول العربية والفلسطينيين ويحظر إهمال فرصة كهذه".(هآرتس 13/4)

ولكن ردّة الفعل الإسرائيلية على حرب العراق لم تتوقف عند مظاهر الفرح والابتهاج إذ تعدت ذلك إلى الحديث عن اليوم التالي، فإسرائيل لا تريد أن تتوقف عملية التغيير على العراق، وهي تريد تطبيق نظرية "الدومينو" بالتعاون مع تيار المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية، أولا، باستثمار التحول في العراق بالمراهنة على قيام "حلف بغداد" جديد؛ وثانيا، بتعزيز مكانة إسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط باعتبارها الحليف الأكثر موثوقية، كما بيّنت تجربة الحرب؛ وثالثا، بدفع أمريكا نحو الاستمرار بعملية تغيير وجه الشرق الأوسط بالجملة بحيث تشمل العديد من الأنظمة العربية، ما يخلّص إسرائيل من الأنظمة المعادية وبما يصرف الإدارة الأمريكية عن الاهتمام بعملية التسوية.

ومنذ سقوط بغداد انفتحت شهية إسرائيل على نفط العراق ومياهه واقتصاده، وبحسب غي باخور:"الآن يجدر السعي إلى عقد حلف بغداد جديد..العلاقات بين العراق الجديد وإسرائيل تساعد العراق نفسه. فهذه الدولة الغنية لا يوجد لها مخرج إلى البحر..علاقات العراق المؤيد للغرب وسوريا من المتوقع أن تحتدم، لذا فالموانىء الإسرائيلية عبر الأردن، ستفيد بغداد وكذا بالنسبة لأنبوب النفط العراقي إلى البحر..الأردن وإسرائيل كفيلان بان يكونا الجبهة الداخلية الودودة للعراق المؤيد لأمريكا، في منطقة تنظر إليه باشتباه وخشيه. كما أن العراق بوسعه أن يستعين بالقدرة الاقتصادية الإسرائيلية". (يديعوت أحرونوت 13/4)

وكانت وقائع حرب العراق فرصة للمحللين الإسرائيليين لترويج وجهة نظر مفادها أن عدوان إسرائيل واحتلالاتها ليست هي المشكلة الرئيسية في المنطقة فالمشكلة برأي سيفر بلوتسكر تكمن في "الأنظمة التسلطية وغير الديمقراطية التي تسيطر عليه"! (يديعوت أحرونوت10/4)

أما ناحوم برنياع فيقول: "إذا ما نشأ نظام ديمقراطي في العراق، فانه سيضع في وضع غير سهل أنظمة عربية أقل ديمقراطية". (يديعوت أحرونوت 9/4) ويؤكد على ذلك آري شيفط الذي يرى أن إسرائيل أيضا لن تسلم من ما يجري، بقوله: "ما ولد في بغداد هو شرق أوسط جديد. لا أحد يعرف كيف شكله..أي شياطين قد تظهر من داخله. ولكن شيئا واحدا واضح: ما كان هنا على مدى نصف قرن لن يكون بعد اليوم..دمشق على جدول الأعمال والرياض والقاهرة وأيضا مجلس "يشع" للمستوطنين. الشرق الأوسط موضوع الآن على طاولة العمليات الأمريكية..على وشك تذوق طعم مبضع الجراحين المحافظين الجدد في واشنطن..لحظة انهيار تمثال صدام ستكون لحظة مولد نظام إقليمي جديد وليس لحظة نشوب اضطراب".(هآرتس 10/4)

واللافت هنا أنه ثمة تحليلات إسرائيلية عبرت عن قلقها وارتيابها من تداعيات هذه الحرب، في العراق وفي المنطقة، ومن امكان أن تضطر إسرائيل أن تدفع بالعملة الإسرائيلية ثمن هذه العملية الأمريكية، في عملية التسوية وفي خطة "خريطة الطريق، وذلك على رغم كل المكاسب الاستراتيجية التي ستجنيها من هذه الحرب التي هي أيضا، وبمعنى ما، بمثابة حرب بالوكالة عنها.

وهكذا يرى، مثلا، سامي ميخائيل (روائي إسرائيلي من أصل عراقي) أن مراهنة إسرائيل على علاقات طيبة مع العراق الجديد هي مراهنة مستعجلة: "الأمريكيون والبريطانيون يعدون بإقامة نظام ديمقراطي. وفي نظر العراقيين سيكون هذا نظاما مفروضا بالدبابات والطائرات الأجنبية..سقوط صدام لا يبشر بالضرورة بعهد قرب وود مع إسرائيل..النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني قد صمم بقدر لا بأس به الوعي السياسي في العراق..الاحتفال سابق لأوانه بل ومنفر بعض الشيء. في شوارع بغداد لن يستقبلوننا بالورود".(معاريف 9/4) ويشكك البروفيسور أمنون سيلع بإمكانيات التغيير في العراق قائلا:"الاختبار الحقيقي لا يزال أمام الأمريكيين والبريطانيين..لا يوجد في أيدينا ولو معيار جدير واحد لتقدير ما هو النجاح. هل بعد عشر سنوات سيكون العراق مغايرا بشكل جوهري عن عراق صدام؟ هل ستكون هناك ديمقراطية؟ هل يمكن الآن إحلال السلام في الشرق الأوسط بما في ذلك بين إسرائيل والفلسطينيين؟. (يديعوت أحرونوت 10/4)

أما أمونه الون، وهي محللة يمينية متطرفة، فترى وجوب استمرار الحرب لأن الهدف هو تصفية الإرهاب الإسلامي، وبرأيها فإن "الحرب في العراق ليست نهاية المطاف..إنها جزء من فصل البداية الذي بدأ في نيويورك في 11 سبتمبر 2001..إن إسقاط نظام صدام جيد لليهود، إذ يشطب عدوا فوريا من قائمة الأعداء الذين يهددون وجود دولة إسرائيل..في المقابل وفي المدى الأبعد قليلا فان الانتصار في العراق سيجبر المسلمين على القتال..العراق قد يكون في السنوات التالية هادئا ومطيعا، ولكن ما الذي سيحصل في الكثير من الدول الأخرى؟ الإسلام الأصولي خلق قبالة الولايات المتحدة قوة عظمى شريرة جديدة..اليوم التالي "لليوم التالي" هو اليوم ما قبل الكثير من الفظائع الأخرى التي يتعين على إسرائيل أن تستعد لها ربما بقواها الذاتية".(يديعوت 9/4)
وخلافا للاعتقاد السائد بأن الحرب عززت مكانة إسرائيل لدى الولايات المتحدة الأمريكية فإن أفيعاد كلاينبرغ يرى عكس ذلك بقوله: "ثمة دولة واحدة فقط لم تستوعب بعد دلالات الغزو الأمريكي للعراق - إنها إسرائيل.

فمن جوانب معينة، يعمل هذا الغزو لصالحها..لكن غزو العراق يقلل أسهم دولة إسرائيل ككنز استراتيجي..إنها ببساطة، لم تعد ضرورية. الوزن الاستراتيجي الكبير الذي تمتعت به إسرائيل نجم عن قدرتها على العمل في منطقة لم تكن الولايات المتحدة معنية بالتدخل المباشر فيها. كانت إسرائيل بمثابة دولة عظمى إقليمية مصغرة أمكن بها تهديد الكتلة السوفييتية والعالم العربي..وحين يصبح التدخل الأمريكي مباشرًا، لا تبقى حاجة إلى وسطاء. الولايات المتحدة تقوم بمهماتها القذرة بنفسها..ماذا سيكون معنى التناقص البنيوي في مكانة إسرائيل؟..الدعم الأمريكي سيقل. الأزمة الاقتصادية ستتعمق. الديمقراطية الإسرائيلية ستتآكل..ما العبرة التي ينبغي أن تتعلمها إسرائيل من الحرب؟ الإسراع إلى التوصل إلى تسوية جيدة تتيح ترميم الاقتصاد والشروع في ترميم المجتمع والديمقراطية.(هآرتس 11/4)

ويؤكد يوئيل ماركوس على هذا الاستنتاج، المتعلق بضرورة استثمار إسرائيل لهذه الفرصة للفوز باتفاق تسوية مع العالم العربي ويصل إلى حد تحذير إسرائيل من الاصطدام مع بوش، يقول ماركوس: "إن تفوق إسرائيل هو في أن لديها أمريكا. أما نقيصتها فهي أن عليها أن تفهم الالتزام الذي ينطوي عليه هذا التفوق..يجدر بها أن تتذكر مع أي أمريكا ستتعامل بعد العراق. وفي محل شارون ما كنت لاختار هذا التوقيت كي أقول لبوش "لن ندفع ثمن الحرب"..إن الحرب ضد الإرهاب هي اليوم على رأس جدول الأعمال العالمي لإدارة بوش والأهم من أي شيء آخر لإسرائيل في هذا العصر هو أن تحافظ على الإحساس بالتوازن". (هآرتس 11/4)

وأخيرا فإن جدعون ليفي وهو من أشد الكتاب انتقادا لإسرائيل وممارساتها العدوانية يؤكد أن لا مناص من تصفية الاحتلال الاسرائيلي، وهو يشرح وجهة نظره بما جرى على النحو التالي: "التاريخ حافل بنماذج الحروب التي انتهت بانتصارات سهلة وسريعة ولكنها جرّت خلفها كوارث لا تنتهي. بعد حرب الأيام الستة مثلا غرقت إسرائيل في احتفالات النصر، وطوال 35 سنة بعدها ظل دم المنتصرين والمهزومين يراق بلا توقف..هناك أُمنية بأن يبزغ فجر جديد الآن في سماء الشرق الأوسط، ولكن ليس واضحا بعد إذا كانت ستظهر في العراق ديمقراطية جديدة، والأمر المؤكد أيضا انه لا يمكن التنبؤ بإنشاء أنظمة ديمقراطية في دول عربية أخرى. أضف إلى ذلك أن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ما زال الأكثر خطورة والذي ينطوي على تهديد جدي لسلامة العالم - كونه مغذيا للإرهاب الدولي - وهذا الصراع لن يسوى إلا إذا ما وضعت نهاية للاحتلال الإسرائيلي..إذا أحدث النصر الأمريكي السريع فعلا تغيرا عميقا في سياسة أمريكا تجاه إسرائيل وتجرأت الإدارة الأمريكية على المخاطرة ومارست الضغط القوي والمتواصل على إسرائيل حتى تخرج من المناطق المحتلة، وإذا تم التوصل للسلام، فسيكون من الممكن التحدث عن شرق أوسط جديد". (هآرتس 13/4)

وخلاصة الأمر أن الإسرائيليين كعادتهم يتحضرون لليوم التالي فهم يحاولون استثمار ما جرى ويعملون أيضا، بلا كلل، على توجيه الرياح نحو الاتجاهات التي تتناسب مع مصالحهم (ومن هنا يأتي التحريض على سورية)، في حين أن النظام العربي يقف مشدوها ومستلبا تجاه ما يجري للعراق وتجاه ما يحضّر له!

التعليقات