31/10/2010 - 11:02

حزب "نور" وتيار "مهند"../ راسم عبيدات

-

حزب
.... لم يحظ مسلسل في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، كما يحظى به المسلسل التركي "سنوات الضياع" ذو الدبلجة السورية. فلو سألت أي مواطن عربي عن هذا المسلسل، فسيقدم لك شرحا مفصلا عنه، وعن أبطاله ومع من يتعاطف، ومن يناصر وما هي توقعاته وتحليلاته للحلقات القادمة. وهذا المسلسل الذي اقتحم بشكل واسع غرف النوم العربية، ودارت فيها الكثير من النقاشات والمعارك، وعلقت ومزقت تضامناً أو احتجاجاً صور بطلي المسلسل نور ومهند في شوارعنا وبيوتنا، وأصبحت تحتل شاشة الكثير من جوالاتنا، ووصل الأمر حد خراب العديد من البيوت، بل أن مواطنا سوريا أقدم على الانتحار احتجاجاً على إدمان عائلته على متابعة هذا المسلسل. وعندما استمع لذلك أقول ليت قضايانا المصيرية تحظى بمثل هذا الاهتمام والمتابعة..

ولو سألت أيضاً مواطنا فلسطينيا على سبيل المثال لا الحصر، من هو عميد الأسرى الفلسطينيين، أو من هو الأمين لهذا الفصيل أو ذاك، أو من هو الوزير الفلاني أو العلاني في الحكومة المقالة أو حكومة تسير الأعمال، فأنا واثق أنه لن يعرف، وخصوصاً إذا ما كانت تلك الأسماء فد قفزت لتلك المناصب "بالفرمانات أو البرشوتات"، وتنظر على الشعب والجماهير من أبراجها العاجية، أو أن حضورها وجماهيريتها وشعبيتها لا تتعدى شعبية أي وجيه أو مختار، حتى أنك في الكثير من الأحيان تجد شعبية وحضور وجيه أو مختار حارة وليس قرية أكثر من حضور وشعبية العديد من الأمناء العامين للفصائل والتيارات، والتي تتنامى وتتوالد كما هي الطحالب الفاسدة.

أما ما يتعلق بالأسرى وأية قضية وطنية أو قومية أخرى، فأجزم أن هناك خللا في التربية والثقافة والانتماء والوعي، وانأ أتساءل ما الذي يجعل المجتمع الإسرائيلي في قضايا من هذا النوع يتجاوب بشكل كبير وواسع من القمة وحتى القاعدة، في حين لا يتعدى مدى اهتمامنا ومتابعاتنا لمثل هذه القضايا الجهد الفردي والمناسباتي والشعاراتي و"الهوبرات"الاعلامية واللقاءات المتلفزة.

أذكر، على سبيل المثال لا الحصر،عندما أسرت إحدى مجموعات حماس العسكرية الجندي الإسرائيلي"فاكسمان"، واحتجزنه في قرية بير نبالا لمدة قصيرة، قبل أن تقتحم القوات الإسرائيلية البيت ويقتل من فيه، دعت الإذاعة الإسرائيلية الإسرائيليين للصلاة من أجل سلامة"فاكسمان" عند حائط البراق الغربي، ولم يمضي على ذلك النداء أكثر من نصف ساعة،حتى شاهدت عشرات الحافلات المليئة بالركاب، متجهة نحو البراق استجابة لذلك النداء، في الوقت الذي تدعي فيه الفصائل والأحزاب والسلطة، وبكل إمكانياتها وطاقاتها، للتضامن مع الأسير القائد فلان أو علان، فأنت ترى من يستجيبون لذلك لا يتجاوز العشرات وبضع مئات على أحسن تقدير.

ومن متابعتي القليلة لعدد من حلقات هذا المسلسل، لم ألحظ أن هناك ما هو نوعي في هذا المسلسل، والذي ربما لا يقترب من حقيقة الواقع الاجتماعي التركي، أو أن هناك معالجة جادة لقضية أو ظاهرة محددة، بل لا أتجنى إذا ما قلت أن المسلسل سطحي، وأن الانشداد نحوه له علاقة بطبيعة الشخوص و"البرستيج" والديكورات وما فيه من مظاهر البذخ و"الفشخرة"، وربما هي التي دفعت مطربة لبنانية لكي تدفع 120 ألف دولار لبطل المسلسل مهند لكي يشاركها "كليب"غنائي".

والاهتمام العالي بمسلسل نور ومهند، هو الذي جعل الناس في طول الوطن وعرضه ينقسمون أحزابا وشيعا، من يناصر ويساند "بالباع والذراع" ويدافع عن نور ودلعها وغنجها، ورجاحة عقلها وامتلاكها المفتاح السحري لكل أنواع المشاكل والصعوبات، ويلتمس الأعذار لمواقفها وتصرفاتها. وهناك من يناصر ويساند مهند في مواقفه ورقته وأحاسيسه ومشاعره تجاه زوجته.. وكل فريق ينتصر لمواقفه تبعاً للتطورات الحاصلة في المسلسل فأي موقف أو حتى حركة أو تصرف محسوب سواء بالسلب أو الإيجاب، والمسألة هنا تسجيل مواقف وانتصار لهذا الشخص أو ذاك، بل وتعصب أعمى، كما الحال في أحزابنا والتي لا هم لها سوى أن تزايد وتهاجم وتقدح وتذم وتسب بعضها البعض وتنعت شخوصها وقيادتها بأقذع النعوت والأوصاف، والتي تصل حد التخوين، ومن ثم يجري الحديث عن الوحدة الوطنية والمصالح العليا للشعب الفلسطيني،وضرورة إنهاء حالة الشرذمة الانقسام وغيرها.

وفي هذه المقالة، لست بصدد تشريح هذا المسلسل، بقدر ما هو تشريح لواقعنا المعاش، فهذه الجماهير التي تتجيش وتحتشد وتلتزم منع تجول طوعي لمتابعة هذا المسلسل، أو لا تذهب للصلاة في الجوامع، وتنفر خفافاً وثقالاً لحضور حفلة غنائية، لواحدة من مطربات العري أو الفن الهابط، وعندما ترى الجماهير تحتشد وتتدافع لكي تحظى بتوقيع لهذه المطربة، تصاب بدوار وحالة من الانفصام والانفصال، وربما تصل حد الهذيان وخوض حديث ونقاش مع الذات، لماذا لا نرى هذه الحشود في قضايا الأمة المصيرية؟ فبغداد اغتصبت ومن قبلها فلسطين، وغزة تحاصر حد الموت، والبشير يصدر قرار باعتقاله كمجرم حرب، وأعراض وكرامات العرب والمسلمين تنتهك كل لحظة، وتمر الأمور مرور الكرام، وكأن الحدث ليس له علاقة بالأمة ووجودها ومصيرها لا من قريب أو بعيد.. فهل هذه الأمة أدمنت العري والخضوع والخنوع؟ وأصبحت عاقر وكفت عن الإنجاب، ووصلت حد الكفر بكل الأحزاب والقيادات يسارا ًويميناً؟ أمة كان لها مجد غابر وكان يعول عليها أن تغير وجه الحضارة والبشرية، أصبحت خارج التاريخ، وجغرافيتها تقسمها وتجزئها دول أخرى، وتدخل في احتراب واقتتال داخلي على عروش وسلطات مستباحة، وتقسم بلدانها إلي شيع وطوائف، وتسود فيها ثقافة العشيرة والقبيلة والطائفة، ولها الأولوية على أي انتماء آخر، ولم يعد يوحدها لا هم ولا مصير مشترك ولا حتى وطن مشترك، وكأنها تتفكك وتتحلل بمحض إرادتها، وتفقد مبررات وجودها كأمة، وحتى أصبحت لا تستشار أو يحسب لها حساب، ليس في القضايا الإقليمية والدولية، بل في القضايا المتعلقة بصلب وجودها ومصيرها، فهي ترهن كل شيء للخارج، يخطط ويرسم ويقرر بشأنها، في السياسة والاقتصاد والتعليم والثقافة، بل وحتى في عضوية الحكومة والوزارة والبرلمان، ومن ثم نتحدث عن السيادة والاستقلالية وعن الوطن والوطنية والعروبة، وكيف هذا المنطق يستقيم، مع جلب رؤسائنا وملوكنا إلى المقاصل والمشانق والمحاكم الدولية،عندما تشق عصا الطاعة الأمريكية، أو ترفع صوتها وعقيرتها احتجاجاً أو دعوة للمقاومة أو رفض وجود الأمريكان؟.

إن هذا الجماهير التي تحتشد وتتقاطر بالآلاف لحضور المسلسلات والحفلات أمثال مسلسل نور ومهند، لو نجحت الأحزاب والفصائل العربية في تجنيد عشرة بالمائة من هذه الجماهير للقضايا المصيرية المتعلقة بوجود الأمة، لأضحت أمة قادرة على فرض هيبتها وسطوتها وحضورها، وأضحت محط احترام الشعوب والأمم الأخرى، بدلاً من حالة الذل والهوان التي تعيشها.

التعليقات