31/10/2010 - 11:02

خيبة صهيونية من مجريات العدوان/يحيى دبوق

خيبة صهيونية من مجريات العدوان/يحيى دبوق
هلَّل الإسرائيليون طوال الأشهر الماضية بجميع مستوياتهم السياسية والأمنية والإعلامية للحرب على العراق، وأخذت هذه الحرب والاستعدادات لها وسيناريوهات اليوم الذي يليها، كثيرا من الجهد والدراسة والتحليل، بحيث كلما اقترب موعد الحرب، كانت نخبة المحللين السياسيين والأمنيين،(البعض منهم شغل في السابق مناصب سياسية وأمنية حساسة)، تقرأ المعطيات وترسم المآلات، البعض منها وردي فاقع لجهة "إسرائيل" والمصلحة الإسرائيلية، والبعض منها رمادي يميل نحو التشاؤم، خاصة في الآونة الأخيرة وقبيل وقوع الحرب... لجهة الجمهور الإسرائيلي، انصب اهتمام ومواكبة الإعلام الإسرائيلي بمختلف وسائله، بشكل أساسي حول القلق من أن يعمد العراق إلى قصف "إسرائيل" بصواريخ السكود كما حصل في العام 1991. وبالرغم من إقرار المستوى العسكري والسياسي في الكيان الإسرائيلي بمحدودية وانخفاض احتمال كهذا، حتى ان البعض رأى احتمالية سيناريو كهذا تقارب الصفر، إلا انه تقدم اهتمامات الرأي العام والإعلام ولا يزال، وزاد من القلق الذي وصل إلى حد التوتر في اليوم الأول والثاني للحرب، الدعوة الرسمية والتعبئة التي أعلن عنها في الكيان ودعوة الإسرائيليين للاستعداد لدخول الغرف الآمنة وحمل الكمامات..

لجهة النخبة الإسرائيلية، وخاصة المحللين والمعلقين الأمنيين، فقد جاءت مجريات الحرب والمقاومة التي أبداها العراقيون طوال الأيام الماضية، بل الخسائر الكبيرة غير المتوقعة في صفوف الجيشين الأميركي والبريطاني، إضافة إلى فشل توقعات الأميركيين وتعارضها مع الوقائع الميدانية على الأرض، جاءت لتكشف البعد الشاسع بين التوقعات والمجريات الميدانية في العراق خلال الحرب، إذ كان تركيز معظم المحللين الإسرائيليين على أن الحرب ستكون خاطفة، يسبقها قصف جوي كثيف لأسبوع أو أسبوعين وتداعٍ سريع للنظام العراقي مع انتفاضة شعبية عارمة في مدن الجنوب وتمرد وانشقاق في الجيش العراقي النظامي، وهي سيناريوهات تبين عدم صوابيتها، ومعها بالطبع، عدم صوابية القراءة والتقويم الإسرائيلي.

فقراءة ما يسمى بالنخبة الإسرائيلية ركزت على المرحلة التي تلي الحرب مباشرة وسقوط النظام العراقي، وبنت تقديراتها على الكيفية التي ستدير فيها الولايات المتحدة احتلالها وردود الفعل المتوقعة من القوى العراقية المختلفة على الاحتلال والنظام الذي سيقيمه. وكادت القراءة الإسرائيلية، على مختلف منطلقاتها قبيل البدء بالحرب، تتوافق على رمادية المرحلة وعدم وضوحها، ما دفع بالكثيرين منهم لإطلاق الأمل بأن يحمل اليوم التالي ظروفا مختلفة ومؤاتية لـ"إسرائيل".

وبالتأكيد لا تقتصر عملية "الفشل التقديري" للإسرائيليين على كونها قراءة خاطئة غير موفقة، فـ"إسرائيل" في مقدمة القوى والدول المعنية مباشرة بنتائج الحرب. إلا أن مجريات هذه الحرب منذ بداية العدوان على العراق، وفشل الخطة الأميركية الابتدائية فيها، يلقي بظلاله على القراءة الإسرائيلية لليوم الذي يلي سقوط العراق، إذ بحسب هذه القراءة يتحدد الإطار العام للاستحقاقات القادمة والخطوات والاستعدادات التي يتوجب على "إسرائيل" اتخاذها لمواجهتها..

المكون الأساسي للتقدير التفاؤلي لبعض المحللين الإسرائيليين انطلق من أن الحرب ستكون سريعة وخاطفة، تحمل في نهايتها تأكيدا للردع الأميركي، بحيث تتمكن أميركا وتبعا لها المصلحة الإسرائيلية، الاعتماد على أسلوب الردع بالتلويح التلقائي بصورة العقاب والمعركة السريعة التي تلقاها العراق، ما يدفع بقوى الممانعة إلى الارتداع والانكفاء خوفا من المصير المشابه، الأمر الذي يسمح للإسرائيليين وبعون من الأميركيين بإملاء إرادتهم على هذه القوى وعلى داعميها بما يخدم الكيان الصهيوني .

وبالتالي فإن شكل المعركة الحالية، المقاومة والصمود العراقي، الصور المبثوثة للأسرى والقتلى الأميركيين والبريطانيين، الحديث عن فشل التوقعات والعامل النفسي الذي عول عليه الغزاة كثيرا، عدم السرعة في حسم المعركة، كلها مكونات لا تخدم "إسرائيل" ولا تخدم الاستراتيجية الإسرائيلية للمرحلة القادمة لما بعد الحرب، إن لناحية مواجهتها للفلسطينيين، أو لناحية أخطار الجبهات الأخرى وفي مقدمتها الجبهة اللبنانية.

يتوقع الإسرائيليون أن يواجهوا بعد الحرب من الأميركيين استحقاقاً ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، وقد لا يكون بالضرورة خطة "خارطة الطرق" الأميركية الشهيرة، فهي بالأساس قد فرضتها أجندة الحرب على العراق، إلا أن الإسرائيليين يفهمون أن أي خطة أخرى لن تخرج عن المبادئ الأساسية التي تتضمنها "خارطة الطرق"، وهو بحد ذاته استحقاق يقلق اريئيل شارون واليمين الإسرائيلي عامة، لأنه غير قادر على تقديم "تنازلات"، حتى تلك الشكلية منها.

وكعينة على ما يتناقله الإسرائيليون من تداعيات الحرب السلبية، كتب المراسل السياسي في صحيفة هآرتس 24/3/2003، "لا يجب أن يكون التغاضي الأميركي عن الأمم المتحدة مصدرا للفرح في القدس. فبرعاية الفيتو الأميركي ما زالت "إسرائيل" تحتفظ منذ 36 سنة بمناطق ليست لها. وحتى لو قرر بوش في نهاية الأمر أنه من المفضل إغراق "خارطة الطرق" في بحر التعديلات الشارونية على إغضاب المصوتين والمتبرعين اليهود، فإن الرأي السائد هو أن العالم لن يعامل شارون بعد الحرب كما عامله قبلها. فما جرى في مجلس الأمن زود دولاً أوروبية مثل فرنسا بسابقة مناسبة لإدارة سياسة شرق أوسط انتقائية وحجة لضرب الولايات المتحدة من خلال جيب "إسرائيل". وقد يعمد بوش للفيتو ضد مؤتمر دولي برعاية جاك شيراك، لكن دينه الكبير لطوني بلير سيجعل من الصعب عليه التغاضي عن طلب لندن منح النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بعضا من التصميم الذي يبديه ضد العراق.

____
" الانتقاد " - العدد 998 الجمعه 28- 3 - 2003

التعليقات