31/10/2010 - 11:02

رسالة مفتوحة للصحفيين العرب/ هشام القروي*

رسالة مفتوحة للصحفيين العرب/ هشام القروي*
في الوقت الذي يركز فيه الاعلام في كل مكان على المسألة العراقية, فان "ثورة" حقيقية تحدث في الضفة الغربية وغزة , تكاد لا تحظى بأي اهتمام, بالرغم من أنها بلا شك ستغير المشهد السياسي كليا في الأيام القادمة, ولفترة قد لا تكون وجيزة. فتعيين السيد محمود عباس (أبو مازن) كرئيس وزراء لفلسطين ليس أمرا قليل الشأن , ولا هو حدث يأتي في مركز ثانوي بعد المسألة العراقية. فاذا كنا مهتمين حقا بالحروب وكيفية تجنبها ان أمكن, فاننا نشاهد كل يوم ما يحدث في الضفة الغربية وغزة على أيدي الجيش الاسرائيلي, والعديد منا اصبحوا لا يرونه. فهل هذه ليست بحرب؟ وهل هي لا تقع بين طرفين غير متوازني القوة؟ وهل هؤلاء المدنيين الفلسطينيين الذين تدمر بيوتهم وتحرق أجسادهم وتبدد مكتسباتهم, منذ نصف قرن وأكثر, لا يستحقون اهتمامنا ولا أن تتصدر أخبارهم الصفحات الاولى من جرائدنا ومجلاتنا؟ بعبارة أخرى, هل تجدون الضجة الاميركية والاوروبية حول البترول العراقي ومن هو جدير بارثه أكثر اثارة من التراجيديا الفلسطينية؟

انني أستغرب من الطريقة التي يعمل بها بعض الاعلام العربي. فهو يكاد يكون صدى للحكومات الغربية... ولا اقول للاعلام الغربي. فالحقيقة أن جزءا مهما من هذا الاخير هو اكثر استقلالية عن حكوماته من بعض الاعلام العربي, الذي أجد فيه أحيانا "اخلاص الكلاب" لتوجيهات الدوائر الاعلامية والمخابراتية الغربية. والا, فكيف تفسرون ادراج اخبار فلسطين - وهي قضية العرب الاولى والوحيدة, باعتبار أن قضية العراق ليست في الواقع سوى قضية خلاف حول النفط بين فرنسا وامريكا- في مركز ثانوي, أو "دوسها" تحت مانشيتات الاثارة المتعلقة بالهياج والعجاج في وحول العراق؟

أراجع بعض الصحف العربية المهمة الصادرة هذا الصباح مثلا (علما ان يوم كتابة هذه السطور هو الاحد), فلا أجد ذكرا لما قررته الحكومة الاسرائيلية من منع استخدام عبارة "دولة فلسطينية مستقلة" في ردها على "خريطة الطريق" التي اقترحتها الرباعية (الولايات المتحدة, الاتحاد الاوروبي, روسيا, والامم المتحدة). فهل هذا تهوين أم اهمال؟

ونفس الشيء تقريبا يلاحظ بالنسبة لتعيين محمود عباس كرئيس وزراء والنقاش الجاري - لا بل قل الصراع - حول هذا الموضوع. فماذا جرى للعرب؟ أين راح المخيخ؟ انني أفهم طبعا أن الصحافة تتبع الحدث, ولكن من يحدد أهميته؟ وبالنسبة لمن؟ ولأي سبب ينبغي أن نجد تماهيا في طريقة معالجة حدث معين بين صحيفة عربية مهمة وبين ..."لوموند", أو "واشنطن بوست"؟ هل يفهم من هذا وجود تطابق في وجهات النظر وفي المصالح أيضا؟

الغريب أن بعض الصحف الاسرائيلية أظهرت ما يبدو أن بعض الصحف العربية أخفته! بالطبع, للاسرائيليين اهتمام مباشر بالقضايا الفلسطينية, فسواء تعلق الامر بخريطة الطريق أو بتعيين رئيس وزراء, او بالنقاش في المجلس الوطني الفلسطيني, أو بردود فعل الشارع الفلسطيني على هذه الاحداث وسواها, يبدو أن لبعض الصحف الاسرائيلية قصب السبق. ان المسألة بعيدة طبعا عن ان تكون كفاءة مهنية وحسب - لا اعتقد أن الصحافة الاسرائيلية أقدر منا, فلدينا من الامكانيات التقنية والبشرية والمالية أيضا ما يتجاوز كل الصحف الاسرائيلية مجتمعة-, ولكن هناك مصالح سياسية كما ذكرت.

بيد أنني من باب الغيرة على الاعلام العربي -الذي أنا أحد العاملين فيه- أرى أنه لا يجوز أبدا أن نترك الساحة الفلسطينية فارغة للاعلام الاسرائيلي, فقط لأن الاعلام الغربي استطاع أن يثيرنا ويشد انتباهنا حول الازمة العراقية. حقا, ليست هذه الاخيرة هينة أيضا, ولكن كيف يمكن أن تأخذ أخبارها كامل وقتنا وجهودنا الى حد أننا نتجاهل اخبار الفلسطينيين؟ فبعد أن تركتهم حكوماتنا يواجهون بمفردهم مدافع شارون, أنتركهم نحن أيضا بلا سند تقريبا على الصعيد الاعلامي؟ هل هذا معقول؟ انظروا الى الصفحات الاولى لجرائدنا واغلفة مجلاتنا, وقارنوا بين أخبار الازمة العراقية واخبار الازمة الفلسطينية. هل ثمة انصاف؟ هل نحن عادلون تجاه الفلسطينيين؟ واذا لم نكن كذلك, فكيف نطلب من الغربيين أن يكونوا أكثر عدلا؟ لست أتحدث عن الصحافة الفلسطينية طبعا, فهي كافية لتغطية أخبارها المحلية, ولكن اتحدث عن السند الاعلامي العربي. أين هو؟ هل طغيان المسألة العراقية على الساحة هو مبرر كاف لطمس الحقوق الفلسطينية في أخبارنا؟

ألا ترون أنه كانت هناك فرصة لاسماع صوت الفلسطينيين من خلال التظاهرات الشعبية التي خرجت في الغرب ضد الحرب, ولكننا تركناها تمر دون أن نفعل شيئا؟ عبثا بحثت بعيني عن لافتة واحدة رفعت خلال تلك المظاهرات لادانة شارون وعصابته وجرائمه. لم أر شيئا من ذلك. لماذا؟ أليس ما يقترفه شارون في نفس الوقت الذي خرجت فيه المظاهرات جرائم بكل معنى الكلمة؟ ألا يستحق ذلك الادانة الشعبية؟ أين الاعلام العربي؟ أين دعاة السلام؟ أين المنظمات التي أطرت تلك المظاهرات؟ لماذا وقع التركيز بالاساس على نوايا أمريكا في العراق وتجاهل العذاب الفلسطيني؟

لا أقول ان هذا الصمت كان مبيتا, بل أقول فقط انه بالنسبة لمن يخرج للشارع في مظاهرة لا يوجد حقا فرق بين رفع شعار ضد شارون ورفع شعار ضد بوش, كما يفترض. فلماذا وقع السكوت عن شارون؟ والى أي حد ساهمنا نحن -الاعلاميين العرب- في هذا الاغفال؟ هل لدينا مسؤولية أم لا؟

لاحظوا انه حتى جورج بوش نفسه لم يتجاهل المسألة الفلسطينية في غمرة هذه الموجة من التشنج والانفعالات حول المسألة العراقية. لا, بل أظهر الرئيس الامريكي قدرا من الذكاء استطاع بفضله أن يستغل صمت الشارع (ازاء فلسطين) الذي احتج على مخططاته في العراق, ليعلن عن مبادرة جديدة يوم الجمعة الماضي. فتحدث مجددا عن دولة فلسطينية مستقلة, وربط ذلك بما يحدث الآن من تعيين رئيس وزراء ومنحه السلطات التي يستحق. وربط ذلك ايضا باعطاء دفع جديد لخطة الطريق.

وبغض النظر عن نوايا الرئيس الاميركي أو الطريقة التي قدم بها المسألة, فانه يمكنكم أن تلاحظوا انه وضع القضية الفلسطينية في قلب المعمعة في الوقت الذي يستعد فيه لخوض حرب قد تغير الكثير في المنطقة. ولا يهمنا هنا الردود على بوش, وانما ان نلاحظ فقط أنه أحس بالاهمية الخطيرة للوزن الفلسطيني في برامجه المستقبلية, حيث لا يمكنه أن يضمن لها النجاح اذا لم يضمن للمطالب الفلسطينية وجودا فيها.

فاذا لم يستطع العرب أن يستغلوا هذه الفرصة لاعادة القضية الفلسطينية الى قلب المعمعة أيضا - ولكن من منظورهم الخاص -, فكيف يأملون في التأثير أو اكتساب أي نفوذ في التخطيط لمستقبل منطقتهم؟ هذا على المستوى السياسي, وهو سؤال موجه لاصحاب القرار.

أما على المستوى الاعلامي, فاننا نعيد توجيه سؤالنا الى الزملاء: هل يجوز في هذا الظرف تهميش القضية الفلسطينية؟ اذا كان الجواب نعم, فليس لدينا تعقيب. أما اذا كان الجواب لا, فلماذا هذا الانجراف وراء الجدل الحالي الذي لا يهم أحدا سوى المعنيين به في اوروبا وأميركا, والذي يتم في صحفنا على حساب قضية الفلسطينيين المصيرية؟ هلا راجعنا أنفسنا قليلا, لنعيد تعريف أولوياتنا كاعلاميين عرب؟


________
*كاتب وصحافي تونسي يقيم في باريس.

التعليقات