31/10/2010 - 11:02

عمى بصر وبصيرة../ أسعد تلحمي

عمى بصر وبصيرة../ أسعد تلحمي
تؤكد التطورات الاخيرة على الساحتين السياسية والحزبية في إسرائيل ان الدولة العبرية تعيش حقًا ازمة قيادة حقيقية بعد ان نزع الإسرائيليون ثقتهم بالقيادتين السياسية والعسكرية في أعقاب الاخفاقات الفادحة الكثيرة إبان الحرب على لبنان التي لم تلب نتائجها تعطش الإسرائيليين الى «انتصار عسكري» حتى بثمن مزيد من التدمير والقتل يعوضهم عن تمريغ انف الجبروت والتطاوس الاسرائيليين.

وعلى رغم قناعة غالبية الإسرائيليين ومعلقين بارزين بأن ساعة نهاية عمر هذه الحكومة بدأت تدق وطريقها السياسية بلغت خطّ النهاية وان اولمرت سيعدّ، وبيرتس حقائبهما للرحيل إلا انهم في الان ذاته يقرون بأن المرشحين البدلاء ليسوا من ذوي الكفاءات الخاصة وان الرف خال فعلاً من شخصيات قادرة على ادارة دفة الامور بشكل افضل.

لكن هذه المسألة لا تعنينا بقدر ما يعنينا ان اسرائيل، بحكومتها وأحزابها الصهيونية وإعلامها والرأي العام فيها لم تتعظ من عبر الحرب. فالإسرائيليون وإعلامهم لا يغوصون في سبر حقيقة ما آلت اليه الأوضاع في دولتهم جراء سياسة الحكومة الحالية وسابقاتها في القضايا السياسية تحديدًا، انما اختاروا توجيه انتقاداتهم لقصورات في إدارة الحرب يدعون انها وقعت وحالت دون تسجيل «الانتصار المنشود».

قلائل هم الذين تجرأوا على مناقشة الحكومة حول وجهتها حتى يبدو للمتتبع ان الفوارق بين اطياف اللون السياسي إختفت، وإلا كيف يمكن تفسير دعم 90 في المئة من الإسرائيليين للحرب التدميرية على لبنان.

فليكود ومفدال و «يسرائيل بتينو» اعلنوا مسبقًا توفير الغطاء السياسي لاولمرت شرط ان تكون الضربة للبنان موجعة ومدمرة،فيما اليسار الصهيوني غاب تمامًا، كعادته لكنه دفن هذه المرة في مقبرة جماعية، كما قالت شولميت الوني.

لم يقل اي من المعلقين النافذين، وبملء الفم للحكومة ان سلوكها غير العقلاني القائم على الاحباط واليأس واللجوء الى البطش والمزيد منه لغرض الترضية ومسايرة المزاج العام، لن يقود إسرائيل سوى الى مزيد من ازماتها الداخلية، ولم يقل اي منهم انه من غير المعقول ان يواصل سدنة الدولة، بعمى بصر وبصيرة اعتماد سياسة القوة، سياسة تقوم على ان تل أبيب هي «الجلاد والقاضي وطارح الحلول» في الآن ذاته، بينما الطرف الثاني في الصراع لا يتعدى دوره مصبّا لتلقي الاوامر وتنفيذ الاملاءات.

لم يقل احد منهم ان أحدا لم ينصب إسرائيل وكيلا للامم المتحدة ومجلس الامن ويتساءل عن الوقاحة في المطالبة بتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بلبنان في وقت كسا الغبار قرارين عمرهما نحو 40 عامًا يدعوانها الى الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.

تصر إسرائيل على عدم تغيير وجهها «البارودي»، وينشغل إعلامها في كيفية تنصيب جنرالات على رأس السلطة ليؤكدوا اننا حقًا بصدد جيش له دولة لا دولة لها جيش.

من جهته يعترف اولمرت بأن خطته للانطواء ليست قابلة للطرح الآن، ليس لقناعته بأن الحلول احادية الجانب المنطوية على املاءات واوامر للآخر لا يمكن ان تأتي بالسلام الحقيقي إنما لرؤيته ان الطرف الاخر يرفض ان يؤدي الدور الوظيفي، دور «كلب الحراسة» لامن إسرائيل.. لكنه بدلا من أن يبحث عن مقاربة اخرى فإنه ينحو الى ادامة الصراع من خلال تصليب المواقف واللجوء الى مزيد من البطش والقتل.

كنا نتوقع ان يدفع سقوط خيار الخطوات الاحادية برئيس الحكومة الى التحلي ببعض الجرأة والاعلان عن اجندة سياسية من شأنها ان تحمي موقعه الاثير على رأس الهرم السياسي، لكن يظهر ان اولمرت ليس في وارد البحث عن حل للصراع العربي- الإسرائيلي، ليس لانشغاله في قضايا الفساد التي تعصف بالدولة وتطاله شخصيًا، انما اساسًا لتمسكه بعقيدة «غياب الشريك» روجها أسلافه كذبةً وغدا الاسرائيليون يصدقونها.. لكنهم، الإسرائيليين، سيكتشفون سريعا أن أولمرت قد هوى بإسرائيل الى دركها الأسفل إذ خسّرهم المعركتين، فلم ينفع لا في الحرب ولا في السياسة..

التعليقات