31/10/2010 - 11:02

ملاحظات عربية على مبادرات الإصلاح الأجنبية /ماجد كيالي

ملاحظات عربية على مبادرات الإصلاح الأجنبية
/ماجد كيالي
لم تشهد الساحة العربية نقاشا حول أوضاعها وعلاقاتها الداخلية والبينية والخارجية بالقدر الذي تشهده في هذه المرحلة، لاسيما أن هذا النقاش لم يعد يقتصر على الأحزاب السياسية أو على المثقفين والصحفيين وأصحاب الرأي، وإنما بات يشمل الطبقات الحاكمة.

وثمة عوامل أساسية ساهمت في احتدام النقاش على هذا المستوى من الشمول والعمق، من ضمنها: أولاً، انهمار مشاريع الإصلاح (وبالأحرى التغيير) من الخارج، بدعوى تأهيل وتحديث الأوضاع والبني والمفاهيم السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم العربي؛ ثانياً، استهداف هذه المشاريع للطبقات الحاكمة تحديدا، بعد أن باتت بنظر أصحاب هذه المشاريع متهمة باحتكار السلطة والموارد وإفقار البلاد والعباد، من الناحيتين المادية والمعنوية؛ ثالثاً، تردّي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، وضعف علاقاته البينية، وإخفاق النظام العربي السائد في الاستجابة للتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهه؛ ولو بالحد الأدنى من الاستعداد والإمكانيات.

برغم كل ذلك فإن العرب يخوضون هذا النقاش وهم في حال من الحيرة والتردّد والاضطراب، إزاء التعاطي مع مشاريع التغيير والإصلاح هذه، لأسباب عدّة لعل أهمها:

1 ـ أن الأنظمة السائدة طالما مانعت (بل وأجهضت) مطالب التجديد والتحديث والتطوير النابعة من مجتمعاتها، لذلك فثمة شعور بأن القوى الكبرى في العالم تتجه نحو التخلي عن هذه الأنظمة وابتزازها بتبني المطالب الشعبية.

2 ـ إن القيّمين على النظام العربي يدركون بأن هذا النظام بات على مشرحة التغيير بقرار دولي، ليس بمقدورهم ممانعته طويلا وبلا ثمن، لاسيما بعد أن صار العالم العربي (بنظر القوى الكبرى) مصدر خطر على ذاته وعلى العالم، أو بمثابة رجل مريض ينبغي استئصال المرض منه وتأهيله، قبل أن ينقل عدوى مرضه (الفقر والتطرف) إلى الخارج عبر الهجرات الواسعة والعمليات الإرهابية.

3 ـ أن الأنظمة التي عزّزت السلطة وهمّشت الدولة والتي تفتقد لآليات نظام الدولة، القائم على المؤسسات والاحتكام للقانون والمصلحة العامة والشرعية، تبحث اليوم عن معادلة (أو حيلة) يمكن أن تؤمّن عبرها تلبية متطلبات الإصلاح والتغيير، ولكن من دون المساس بالسلطة ولا بعناصر قوتها وشرعيتها؛
4 ـ أن الأنظمة التي دأبت على تهميش مجتمعاتها لا تستطيع أن تواجه تحديات التعددية والمشاركة الشعبية والديمقراطية، وبالطبع فهي لا تستطيع، أيضا، أن تواجه التدخّلات والتحديات الخارجية؛ لاسيما أن المجتمعات وهي أهم عامل من عوامل القوة للدول، هي خارج حسابات (كما بينت التجارب)، بحكم حال الاستلاب والتغريب التي دجّنت فيها؛

المهم أن حال كهذه لا يمكن أن تنتج موقفا عربيا موحدا وقويا وفاعلا للتصدي لاستحقاقات الإصلاح والتطوير أو لمواجهة الاملاءات والتدخلات الخارجية، على العكس من ذلك فإن هذه الأوضاع ربما تساهم أكثر في إضعاف العالم العربي وانكشافه وتشتّته إزاء ما يدبّر له.

ولعل التسريبات الإعلامية الصادرة عن اجتماعات وزراء الخارجية العرب، التي عقدت في القاهرة (قبل أيام)، والمخصّصة لمناقشة مشاريع الإصلاح العربية تحضيرا للقمة القادمة (في تونس)، لأكبر دليل على ما ذهبنا إليه. فمعظم الحكومات العربية حائرة في كيفية التعامل مع المشاريع الخارجية.

والجديد أن المناقشات انتقلت (هذه المرة) من حيّز الخطابات والإنشاءات والمزايدات، التي لا تعني شيئا في الواقع العملي، إلى حيز الدراسة والتفحّص و "المناقصات"، ولكنها (مع الأسف) لم تصل إلى مستوى المسؤولية، التي تحتّم على الجميع الانتقال إلى وضع القرارات وصوغ السياسات والاستراتيجيات، على الصعيدين الوطني والعربي، بما يمكّن العرب من استنهاض أوضاعهم وتقليل خسائرهم وتجاوز المخاطر والتحديات التي باتت تحدق بهم من كل حدب وصوب.
وفي هذا الإطار فقد واجهت مبادرة الإصلاح الثلاثية، التي تقدمت بها حكومات مصر والسعودية وسورية، مناكفات من حكومات دول عدة (الكويت ـ قطر ـ البحرين ـ عمان)، في حين تقدمت الأردن بمبادرة خاصة بها، أما ليبيا فقد نحت هذه المرة نحو المناقصة (بدل المزايدة) على هذه المبادرة!
أما بالنسبة للمبادرات الخارجية فقد تفاوت الموقف منها على النحو التالي:

أولاً، ثمة، من يطالب برفضها أو بتجاهلها، على الأقل، كونها لم تقدم رسميا للدول العربية، وكونها تعبر عن املاءات خارجية، وعلى أساس أن العرب يرفضون التدخل الخارجي في شؤونهم أو فرض نماذج غريبة عنهم؛

ثانياً، ثمة من يدعو للتعاطي الانتقائي معها (حال ليبيا مثلا)، بالتمييز بين مطالب متعلقة بالسلطة (وهي مرفوضة أو مؤجّلة)، وبين مطالب خارجية وداخلية، تتعلق بالعلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة وعملية التسوية وبالإصلاح الاقتصادي والتعليمي والتشريعي والمؤسساتي (وهي مقبولة بشكل أو بأخر)؛

ثالثا، ثمة من يطالب بوضع اشتراطات على المبادرات الخارجية، بربط الإصلاح الداخلي بحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وإنهاء احتلال العراق، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل (على أن يشمل ذلك إسرائيل خصوصا)؛
رابعا، ثمة من يطالب بإيجاد نوع من الشراكة في عملية الإصلاح تأخذ بعين الاعتبار مصالح العرب وحقوقهم ومستوى تطورهم السياسي والاقتصادي والثقافي، واعتبار عملية الإصلاح عملية تدرجية تراكمية.

وفي الواقع فإن معضلة العالم العربي لا تنبع، فقط، من المصدر الذي تأتي منه مطالب الإصلاح والتغيير، ولا من مدى شمولية عملية التغيير لهذه القضية أو تلك، فحسب، وإنما هي فضلا عن هذا وذاك تنبع أساسا من طبيعة النظام العربي ذاته، فهذا النظام، كما قدمنا، كان طوال نصف القرن الماضي، كابحاً لعملية التغيير والتجديد النابعة من الحاجات الذاتية أو من المطالبات الداخلية، ما فاقم من ضعفه وبؤسه. أما رفض مشاريع الإصلاح بدعوى أنها مجرد املاءات خارجية فمن شأنها تجاهل حاجات المجتمعات العربية كما من شأنها إضفاء نوع من الشرعية على المشاريع الخارجية، التي تبنّت (أو استولت) على المطالب الداخلية.

وبالنسبة لقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي فقد تحولت إلى ذريعة لتجاهل أو تأجيل الإصلاحات السياسية والديمقراطية، وهي برغم أهميتها وخطورتها ما كانت لتحول دون عملية الإصلاح في العالم العربي، بل إنها كانت تحرّض عليه. ومعنى ذلك أنه بإمكان العالم العربي إصلاح أحواله وتعزيز الديمقراطية فيه باعتبار ذلك يعزز من مناعته وقوته بإزاء التحديات الخارجية.
أما القول بأن العرب بحاجة إلى الوقت لإصلاح أوضاعهم وتطوير بناهم بشكل تدريجي فهذا صحيح، ولكنه من ناحية أخرى يحجب حقيقة مفادها أن العرب انتظروا كثيرا عملية الإصلاح هذه التي كانوا بأمس الحاجة لها، إن لتطوير أوضاعهم أو لجسر الفجوة بينهم وبين التطورات الدولية أو لمواجهة التحديات الخارجية وفي المقدمة منه التحدي الذي تمثّله إسرائيل لهم.
واللافت أن العالم العربي، طوال أكثر من عشرة أعوام، تجاهل تأثير المتغيرات والتحولات الدولية واستهتر بالمشاريع والمطالب الخارجية (كما الداخلية) التي ضغطت لإصلاح أوضاعه. فلم يعزّز التكامل الاقتصادي العربي لمواكبة متطلبات العولمة. ولم يتّجه لتطوير نظمه السياسية بتعزيز الشرعية والمشاركة الشعبية والديمقراطية. ولم يعمل على استنهاض قواه الاقتصادية والارتقاء بنوعية التعليم لتأمين حاجاته ولمواكبة التطورات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية في العالم.

بقي القول أن بعض النظم العربية التي تفضّل التعامل الثنائي الانتقائي والوظيفي مع المطالب الخارجية(على غرار ليبيا)، ظنا أنها بذلك تنجو بنفسها، لن تحلّ مشكلتها. فمن الخطورة الاستجابة للمطالب المتعلقة بالسياسة الخارجية وتجاهل المطالب المتعلقة بتطوير الأوضاع الداخلية، والتي هي بالأساس مطالب محلية؛ لأن تعزيز الشرعية الداخلية والمشاركة الشعبية هو الذي يحصّن الدول أمام الابتزازات والاملاءات الخارجية ويقوّي موقفها. كذلك فإن التعامل الانفرادي مع المطالب الخارجية، بدعوى إنقاذ النفس، لن ينفع إذ أنه يضعف الموقف العربي ويعزل القائمين به ويجعلهم لقمة سائغة للأطماع الخارجية.

ومن ذلك يمكن الاستنتاج بأن العرب في هذه المرحلة، أيضا، وبرغم كل ما يعترضهم من مخاطر وتحديات اتفقوا مجدّدا على أن لا يتفقوا، وأن النية تتجه نحو استصدار بيان ختامي من مؤتمر القمة المنتظر عقده في تونس (أواخر مارس الجاري) يؤجّل البت في عملية الإصلاح ويشكّل المزيد من اللجان لدراسة ما يتم التوصل إليه، بانتظار الفرج الذي ربما يأتي (أو لا يأتي) من السماء!

التعليقات