31/10/2010 - 11:02

هؤلاء قلة، قلة مُشوَّهة../ عوض عبد الفتاح

-

هؤلاء قلة، قلة مُشوَّهة../ عوض عبد الفتاح
على أثر الإعلان عن نتائج الإنتخابات التمهيدية لحزب „العمل”، وعن عدد الأصوات العربية التي حصل عليها رئيس الحكومة السابق، إيهود باراك، المسؤول عن إطلاق المذابح في الضفة والقطاع أواخر عام 2000، وعن مذبحة المواطنين العرب الذين هبوا في الأول من أكتوبر للإحتجاج على هذه المذابح، اندفعت بعض وسائل الإعلام إلى القول بطريقة درامية إنّ غالبية العرب غفروا لباراك جرائمه.

انطلقت تعبيرات الإستهجان والإستغراب من فرضية وجود تمايز جوهري بين مرشحي حزب „العمل” الخمسة وكأنّ كل واحد منهم حرّ وقادر على حمل حزب „العمل” على تبني خطه. وتفترض تلك الأصوات أنّ هناك حمائم وهناك صقورًا داخل هذا الحزب. وقد يكون ذلك مشروعاً بلغة المراقب الحيادي. وينسى هؤلاء أنّ „الحمامة” بيرتس تحوّل إلى صقر وانخرط بكل قواه في الحرب الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، وهذا شأن كل قيادات الأحزاب الصهيونية من يمينها إلى يسارها حين يتعلق الأمر بحق العرب في الدفاع عن ثوابتهم. وشأن من ليس له خلفية عسكرية ويريد الحصول على شهادة في هذا المجال عبر سفك دماء العرب.

إنّ حزب العمل برمته يتبنى برنامج الحفاظ على الدولة اليهودية وعلى الإمتيازات المكرسة بقوانين سنتها الكنيست على حساب الشعب الفلسطيني والمواطنين العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل. وقباطنة حزب „العمل” هم أصحاب فكرة جدار الفصل العنصري، الذي انتزع حوالي 40% من أراضي الضفة وقطع أوصال القرى والمدن الفلسطينية بهدف التخلص من أكبر عدد من العرب.

إنه الحزب الذي يُشيع الخوف لدى المجتمع اليهودي الإسرائيلي من التكاثر الطبيعي للمواطنين العرب، وهو الذي يُشيع الخوف من سيطرة العرب على ما تبقى من أراضٍ وموارد لم يصلها بعد أخطبوط المصادرة ولا جرافات الإقتلاع. لا يجوز أن ينسى المواطنون العرب أنّ شمعون بيرس مُكلف بتنفيذ مخطط استكمال تهويد النقب والجليل.

حزب „العمل” يُشارك بقية الأحزاب الصهيونية في إشاعة التخويف من تداعيات رفع سقف المطالب العربية في الداخل، ومن القوى والشخصيات العربية التي تعبّر عن رفع هذا السقف - وتساهم في فبركة الملفات وضدها، كما هو حاصل مع الدكتور عزمي بشارة. إنه الحزب المسؤول عن قيادة المشروع الصهيوني والدولة العبرية والمسؤول عن إفرازاتهما على الشعب الفلسطيني والمنطقة العربية وشعوبها الرافض للإعتراف بالجريمة ودفع الثمن.

الأعضاء العرب في حزب „العمل”، يرون ويسمعون ذلك ولكنهم لا يفقهون ما يرون وما يسمعون. التشوه الأخلاقي وتبلّد المشاعر والعواطف تجاه شعبهم وانتمائهم، أخذ منهم كل مأخذ. تحوّلوا الى كائنات مُشوّهة بالكامل. وهم حفنة من المنتفعين يؤثرون على أقربائهم ومن خلال المال أحياناً عبر جرّهم الى حظيرة الأحزاب الصهيونية. يتماثل كل منهم مع واحدة من شخصيات الحزب، ويلتهبون حماساً كالصبية لهذه الشخصية „العمالية” الصهيونية أو تلك، وكأن التنافس جارٍ على ساحة وطنية فلسطينية بين شخصيات تمثل طريقاً وطنياً للخروج من حالة التشوه الأخلاقي، ومن حالة التمييز والحصار والإحتلال والإضطهاد اليومي.

كان الأوفر حظاً من حيث الأصوات في الوسط العربي، إيهود براك وعمير بيرتس. الأول نما وترقى في الجهاز العسكري الإسرائيلي المصمم أساساً للبطش بالشعب الفلسطيني والأمة العربية. والثاني لم يكن صعباً عليه الإنتقال من "خدمة العمال" (!!) الى خندق البطش بالشعب الفلسطيني والشعب اللبناني وحركاتهما الوطنية طالما العدو هو عربي. البنية الذهنية لجميع قادة الصهيونية هي واحدة. ولا يوجد لأيٍّ من قادة هذا الحزب برنامج سياسي يشمل الحد الأدنى من العدالة تجاه شعب فلسطين ولا حتى عامي أيالون الشريك لساري نسيبة في تصور للحلّ - أو بالأحرى لتصفية قضية اللاجئين.

أعضاء حزب العمل العرب (عرب العمل) لا يُحركهم سوى المصلحة الذاتية؛ سواء في طلب وظيفة أو في الحصول على وجاهة مزيفة - في حزب يشارك قادته يومياً في قتل شعبنا. هم لا يمثلون العرب في إنتخابهم باراك أو بيرتس أو غيرهما فقد كان عرب الداخل قد قالوا كلمتهم بالمجرم باراك في الإنتخابات لرئاسة الحكومة عام 2001 عبر مقاطعة هذه الإنتخابات وسجلوا موقفاً وطنياً يُثير الإعتزاز. كان وفاءً لشهداء شعبنا وللرسالة التي استشهدوا من أجلها.

إذًا، هؤلاء قلة، قلة مشوهة، ويشكلون جزءاً مشوّهاً من صورة عرب الداخل ولكن ليست الصورة كلها. فالتيار الوطني في الداخل، رغم علاته، يقف سداً أمام اجتياح جارف، ورادعاً وقد أثبت أنّ لديه القدرة على فتح آفاق رحبة على مستقبل أفضل لعرب الداخل، والحفاظ على هويتهم الوطنية والبعد المعنوي في وجودهم.

التعليقات