31/10/2010 - 11:02

هل بات تغيير العالم العربي مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة؟ / ماجد كيالي

هل بات تغيير العالم العربي مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة؟ / ماجد كيالي
لم يأت الرئيس الأمريكي جورج بوش بجديد في خطابه (يوم 9/5)، الذي تحدث فيه عن إقامة منطقة تجارة حرة، بين الولايات المتحدة والدول الشرق أوسطية، لتشجيع التنمية الاقتصادية وإحلال الاستقرار في الشرق الأوسط. إذ أن الرئيسين السابقين للولايات المتحدة، جورج بوش (الأب) وبيل كلينتون، ربطا، أيضا، وعود الاستقرار والسلام بوعود الرخاء والازدهار، في المنطقة. كما اشتغلا بشكل حثيث على إقامة نظام إقليمي "شرق أوسطي"جديد فيها.

المعنى أن الاستراتيجية الأمريكية، ظلّت على ثباتها، لجهة إعطاء الأولوية، في المنطقة، لتحفيز التنمية والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وإقامة بني تحتية مشتركة (طرق، مياه، طاقة، اتصالات)، على قاعدة الأسواق المفتوحة والاقتصاد الحر وتنمية مؤسسات إقليمية. وكانت هذه الاستراتيجية تنطلق من قناعة مفادها أن رفع مستوى معيشة الناس، في العالم العربي، والارتقاء بمستوى تعليمهم وثقافتهم، وإيجاد فرص عمل للشباب بينهم، وإصلاح أوضاعهم الاقتصادية والسياسية، هي العناصر التي يمكن أن ترسّخ الانفتاح والاستقرار، ما يؤدي بدوره إلى خلق المناخ الملائم للتسوية، وإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي. ولهذا الغرض أطلقت المفاوضات متعددة الطرف، بين إسرائيل والدول العربية، بمشاركة دولية، للبحث في مشروعات التعاون الإقليمي في مجالات: التنمية الاقتصادية، والمياه، والبيئة، ونزع التسلح، وقضية اللاجئين. كما تم إنشاء آلية مؤتمرات "القمة الاقتصادية الشرق أوسطية"، التي عقدت خلال الأعوام 1994 ـ 1997، أربعة مؤتمرات من نوعها في: الدار البيضاء وعمان والقاهرة والدوحة.

ولكن هذه الأولويات الأمريكية، لم تلق الاستجابة المطلوبة منها، كما هو معروف، لا عربيا ولا إسرائيليا، لأسباب متعددة، أهمها:
أولا، الاختلاف في الجوهر، إذ وجدت الدول العربية أنه من غير الممكن إنشاء علاقات سلام وتعاون اقتصادي مع إسرائيل وهي مازالت تحتل أراض فلسطينية وعربية (في الجولان السورية وجنوبي لبنان). وفي الوقت ذاته رفضت إسرائيل الربط بين استحقاقات الانسحاب، من هذه الأراضي وعملية التعاون الإقليمي؛

ثانيا، بدا أنه ثمة خلاف بشأن أولويات التعاون الاقتصادي، بين معظم الدول العربية وإسرائيل، إذ أرادت إسرائيل وضع أولوياتها في مركز المشروعات الشرق الأوسطية، على حساب أولويات الدول العربية، الأخرى، وهو ما أثار الشبهات حول سعيها للهيمنة على النظام الإقليمي "الشرق أوسطي"، لا سيما بحكم علاقات الشراكة التي تربطها بالولايات المتحدة الأمريكية؛

ثالثا، كان ثمة خلاف داخلي في إسرائيل، حول فكرة "المشروع الشرق أوسطي"، التي اعتبرت من بنات أفكار قادة حزب العمل، ولا سيما شمعون بيريز صاحب كتاب "الشرق الأوسط الجديد". حيث أن هذه الفكرة لاقت معارضة كبيرة من قادة حزب الليكود، ولا سيما زعيمه (آنذاك) بنيامين نتنياهو(1996 ـ1999)، الذي اعتبر أن موافقة إسرائيل بالمشروع الشرق أوسطي، ستؤدّي إلى تقويض الفكرة الصهيونية في المجتمع الإسرائيلي، وإضعاف دور إسرائيل في المنطقة، وتآكل مكانتها في السياسة الأمريكية. وكان نتنياهو يرى بأن إسرائيل لا تنتمي إلى الشرق الأوسط، وإنما إلى العالم الغربي. وأنها ليست بحاجة للتنازل من أجل التسوية وإقامة الشرق الأوسط الجديد، لأن ذلك سيشجّع العرب على تحجيمها وإضعافها. وكان نتنياهو يرى أن إسرائيل قادرة وحدها على تدبّر أمرها في المنطقة، بدعم الولايات المتحدة، وأنها تستطيع فرض التسوية، التي تريد على العرب، وفرض النظام الإقليمي الذي يتناسب ومصالحها، ومصالح أمريكا.

رابعا، لم تكن الإدارة الأمريكية السابقة، برئاسة كلينتون، فاعلة إلى الدرجة المناسبة لفرض إرادتها على العرب أو على الإسرائيليين. والمعروف أن كلينتون كان يحبّذ أسلوب الحوار والمفاوضة والدبلوماسية والإغراءات الاقتصادية، على أسلوب التدخل أو الضغط الفعال، لفرض وجهة نظره؛ وهو ما أدى إلى فشله، برغم الجهود الكبيرة التي بذلها لفرض التسوية والمشاريع الإقليمية.

الجديد الآن في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، في المنطقة، أن إدارة الرئيس بوش (الإبن) تبدو أكثر ميلا لفرض وجهة نظرها على الأطراف الآخرين، وأكثر ميلا وحزما للتدخّل المباشر والفعّال، لإعادة ترتيب المنطقة، حتى لو تطلب الأمر منها استخدام الضغوط السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية. ويبدو من ذلك أن الاستراتيجية الأمريكية التقليدية، إزاء المنطقة، والتي كانت تقتصر على: ضمان تدفق النفط، وضمان أمن إسرائيل، باتت تشمل، أيضا، إدخال تغييرات في المبنى الداخلي للنظام الرسمي العربي، في إطار محاولتها إعادة هيكلة المنطقة.ولعل تفسير ذلك ينبع من عدة اعتبارات أهمها:
1ـ التغيّر الكبير الحاصل في رؤية الولايات المتحدة لأمنها الداخلي ولدورها الخارجي، بنتيجة تداعيات حدث 11 أيلول (2001)، إذ باتت تعتبر أن أمنها الداخلي يقع خارج حدودها الإقليمية، وخاصة أنه يشمل العالم العربي والإسلامي؛ بسبب انتشار الفقر والفساد والتسلّط وانحسار مستوى التعليم، الذي يشجّع على نمو مشاعر الإحباط وبالتالي التطرف والإرهاب، ما يزعزع الاستقرار العالمي. ولذلك فإن الإدارة الأمريكية، كما جاء في خطاب بوش، ترى أن معالجة هذا الخطر تتطلب إدخال إصلاحات في النظم الاقتصادية والسياسية والقانونية والتعليمية، والارتقاء بها. وعن ذلك، يقول بوش في خطابه:"في عصر من الإرهاب العالمي وأسلحة الدمار الشامل، ما يحدث في الشرق الأوسط يهم أميركا كثيرا. فمرارة تلك المنطقة يمكنها أن تجلب العنف والمعاناة لمدننا..إننا نؤيد تقدم الحرية في الشرق الأوسط لأنها مبدأ مؤسس، ولأنها تخدم مصلحتنا القومية. فأيديولوجية الإرهاب المبنية على الكراهية تكيفها وتغذيها وتحميها أنظمة طغيانية. أما الدول الحرة، فهي تشجع الإبداع والتسامح والمشاريع الحرة، وفي تلك الدول الحرة، فإن جاذبية التطرف تذوي وتموت..حيث تحجب الحرية، يعيش الناس في عزلة وجمود. وحيث يُرحب بالحرية، يستطيع الناس من كل ثقافة أن يزدهروا..وإن تقدم الحرية والسلام في الشرق الأوسط من شأنه أن يمتص هذه المرارة ويضاعف أمننا." وكان كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي، قد أعلن عن "مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط"، في خطاب ألقاه يوم 12/12/2002، قال فيه: "يجب علينا أن نوسع تعاطينا مع المنطقة إذا كان لنا أن نحقق نجاحا. وعلينا خصوصا أن نوجه اهتماما متواصلا ونشيطا إلى الإصلاح الاقتصادي، والسياسي، والتعليمي..أن العجز في الفرص الاقتصادية هو تذكرة إلى اليأس. وهو، إضافة إلى الأنظمة السياسية المتصلبة، خميرة خطرة..إن أي معالجة للشرق الأوسط تتجاهل تخلفه السياسي، والاقتصادي، والتعليمي، ستكون مبنية على رمال."

2 ـ الاعتقاد أنه ثمة دور "رسولي"، قيادي، للولايات المتحدة يحتم عليها الدفاع عن قيم الحرية في العالم حتى لو تطلب الأمر التدخل العسكري ـ الاستباقي. وفي الواقع فإن خطاب بوش المذكور، جاء ليضع عقيدة "الأمن القومي الأمريكي"، التي تبنّتها إدارته، في سبتمبر من العام 2002، موضع التطبيق، لاسيما بما يتعلق بالشرق الأوسط. تقول هذه الوثيقة:"تتمتع الولايات المتحدة بامتلاك قوة عسكرية لا نظير لها وبنفوذ اقتصادي وسياسي عظيمين..(وتتابع) سوف ندافع عن السلام من خلال محاربة الإرهابيين والطغاة..سوف نوسع أفق السلام من خلال تشجيع المجتمعات الحرة والمنفتحة في كل قارة..بغية هزم هذا التهديد، علينا استخدام كل أداة متوفرة في ترسانتنا - القوة العسكرية..وجهود نشطة لقطع التمويل المالي عن الإرهابيين". واللافت أن الوثيقة حددت الأعداء بالإرهابيين والطغاة، أيضا، وأكدت على السعي "لنشر فوائد الحرية..والعمل بنشاط لإدخال الأمل بمبادئ الديمقراطية، والتطور الاقتصادي، والأسواق الحرة، والتجارة الحرة إلى كل ركن من أركان العالم". واعتبرت أنه من حق الولايات المتحدة، التي تعرضت للخطر في أيلول 2001، التدخل لإحداث تغييرات في العالم، لاسيما في البلدان العربية والإسلامية.

3 ـ انطلاق الإدارة الأمريكية، في عملية التغيير، من قناعة مفادها أن عدم الاستقرار في المنطقة لا ينبع من وجود إسرائيل وعدوانها واحتلالاتها وإنما ينبع من طبيعة الأنظمة العربية ذاتها، ومن علاقات هذه الأنظمة مع شعوبها ومع دول الجوار! ما يعني أن سبب تعثر عملية التسوية ليس له علاقة بسياسات إسرائيل ومواقفها المتعنتة وإنما هو مرتبط بالأنظمة السائدة التي تتغذّى من هذا الصراع لتعزيز شعبيتها والهاء جماهيرها!

على أية حال، وبعد كل هذه المقدمات، فما يهمنا هنا في قراءة التحولات في السياسة الاستراتيجية للإدارة الأمريكية، تركيز الانتباه خصوصا على ما يلي:
أولا، أن مجمل التصريحات الأمريكية، المتعلقة بإعادة هيكلة المنطقة والانتهاء من الصراع العربي ـ الإسرائيلي، تؤكد بأن أمريكا لم تتراجع عن مشروعها الشرق أوسطي الذي طرحته منذ مطلع التسعينيات، برغم كل العراقيل الذي واجهت هذا المشروع وأدت إلى فشله، وهذه ملاحظة على غاية الأهمية؛

ثانيا، أن الولايات المتحدة التي فشلت في فرض المشروع الشرق أوسطي، في العقد السابق، بوسائل الضغط السياسي والإغراء الاقتصادي، ستحاول في هذه المرحلة، فرضه بوسائل الإكراه وبالقوة العسكرية، حيث يلزم الأمر، إن منفردة أو بالتعاون مع الكيان الإسرائيلي؛ وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكي كولن باول يوم 6/2/2003 أمام مجلس الشيوخ الأمريكي حين عبر عن اعتقاده بأن إسقاط النظام العراقي قد يفسح المجال لإعادة صوغ المنطقة بطريقة ايجابية تعزز مصالح الولايات المتحدة، خصوصاً إذا تم تحقيق السلام في الشرق الأوسط. ومعنى ذلك أن الإدارة الأمريكية، ستظل تبحث عن الثغرات في الواقع العربي للنفاذ منها، لتبرير تدخلها وسعيها لتغيير الأوضاع العربية السائدة، التي ترى فيها خطرا على أمنها وعلى أمن واستقرار المنطقة. ولذلك فهي على الأرجح ستصر على إدخال إصلاحات أو تغييرات في الواقع الاقتصادي والسياسي والتعليمي، العربي.

ثالثا، في كل ذلك ستبقى إسرائيل حجر الزاوية والحليف الموثوق للسياسة الأمريكية في المنطقة لا سيما بعد أن تبين أن أصدقاء أمريكا في المنطقة العربية لا يستطيعون الذهاب بعيدا في التساوق مع سياسات البيت الأبيض، وحتى تركيا، وبرغم من كل روابطها ومصالحها مع أمريكا، مانعت السماح في حرية الحركة للقوات الأمريكية في العدوان على العراق.

رابعا، إن الإدارة الأمريكية التي تشعر أنها دخلت في حقبة جديدة من التنافس الدولي، تبدو أكثر شراسة وحراكا في محاولاتها تعزيز هيمنتها على المنطقة العربية من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية باعتبارها، بموقعها وثرواتها النفطية، مدخلا مهما لها لتسهيل وتعزيز هيمنتها النظام الدولي.

خامسا، إن الإدارة الأمريكية، باتت أكثر حساسية تجاه ضرورة إيجاد حل لمختلف جوانب الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لأهمية ذلك لاستقرار المنطقة ولضمان مصالحها في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم. ومن الواضح، بعد كل هذه المعطيات، أنه ثمة ميل لفرض مثل هذا الحل، على الأطراف المعنيين، بغض النظر عن مدى تجاوب هذا الطرف أو ذاك مع الحلول المطروحة؛ خصوصا بعد أن ثبت استحالة توصل هذه الأطراف لوحدها إلى حل متفق عليه. وطبيعي أن مستوى وشكل الضغط على إسرائيل سيختلف عن مثيله بالنسبة للعرب.

والواقع أن الولايات المتحدة التي باتت في منطقة المشرق العربي وفي بلد بحجم العراق لن تسمح لأحد، وخصوصا لا للفلسطينيين ولا لغيرهم، وحتى لا للإسرائيليين، بتعكير صفو هذا الوجود ولا بخلق الأجواء والتوترات التي قد تنعكس عاجلا أم آجلا وبصورة سلبية على الوجود الأمريكي فيه أو على سعي أمريكا لتحقيق استقرار هيمنتها وترتيباتها في المنطقة.

والمعنى أن جميع الأطراف في المنطقة، وعلى تفاوت قربها من المصالح والرؤى الأمريكية، ستجد نفسها في المرحلة المقبلة وسط عملية إملاء أمريكية. فالمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين لن تكون على شاكلة مفاوضات كامب ديفيد2 وطابا، التي رعاها الرئيس الأمريكي بل كلينتون(2000ـ 20001)، التي ترك فيها للطرفين الحبل على الغارب، فالإدارة الحالية وإن كانت ستستفيد مما تم التوصل إليه في المراحل السابقة إلا أنها ستتدخل مباشرة في تحديد الحدود وفي وضع النقاط على الحروف في معظم المسائل الخلافية.

أما الترتيبات الشرق أوسطية فهي لن تخضع بدورها للأهواء التي سادت سابقا في مؤتمرات "القمة الشرق أوسطية للتنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" أو لجان المفاوضات متعددة الطرف وإنما ستكون على شكل خطط عمل ومقترحات للتنفيذ تتابع من قبل الإدارة الأمريكية.

وينبغي التنويه إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية في سعيها الجارف لترتيب أوضاع المنطقة لن تأخذ في اعتبارها أي شيء لا المواثيق الدولية ولا مجلس الأمن الدولي وأنها ستبيح لنفسها التدخل في شؤون الدول المعارضة لها والتعامل معها، بحجج وادعاءات مختلفة بدءا من استخدام معزوفة البحث عن أسلحة الدمار الشامل وصولا إلى الحرب ضد الإرهاب أو بدعوى الدفاع حقوق الإنسان.

المهم في الأمر ليس وجود استراتيجية أمريكية إزاء المنطقة، فهذا أمر طبيعي من دولة كبرى لها مصالح استراتيجية في العالم، إذ أن الأخطر من ذلك هو غياب استراتيجية عربية على مستوى الأنظمة كما على مستوى النظام العربي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، على الأقل، وصولا لإصلاح النظام العربي، من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وربما تطويره أو تغييره. فإلى متى سنبقى رهائن التغييرات القسرية ـ الخارجية؟

التعليقات