"خيمة المحبة": محطة نضالية جديدة في مسيرة أهالي الجولان المحتل..

أثار مشروع توزيع أراضي الوقف حفيظة سلطة الاحتلال والمستوطنين بذريعة أن أهالي مجدل شمس "يحتلون أراضي دولة إسرائيل"!


آليات ثقيلة (بواكر) تعمل دون توقف منذ 15 يوميا على شق شوارع أساسية في أراضي وقف البلدة الواقعة في منطقة جبلية وعرة من أجل تفريغ "محاضر عمار" ومحاصصتها لاحقا على أبناء البلدة بالتساوي والعدل، ردا على سياسة التضييق التي تمارسها سلطة الاحتلال ومنعها للسكان من التوسع العمراني.

موقع"عرب 48" زار "خيمة المحبة" أو "خيمة العدالة الاجتماعية" كما يطيب للبعض هنا تسميتها، والتقى بعض ضيوفها وسجل انطباعاتهم، واستفسر من جهات مسؤولة في "لجنة توزيع الأراضي" عن أبعاد هذا المشروع الذي أثار حفيظة سلطة الاحتلال وخاصة المستوطنين حيث توجه بعضهم إلى شرطة الاحتلال، وطالبها بالتدخل فورا ومنع الأهالي من مواصلة مشروعهم، بذريعة أن أهالي مجدل شمس "يحتلون أراضي دولة إسرائيل"..!
" المشروع سينفذ وفق تصور الأهالي ومصلحتهم... أما موقف المستوطنين والسلطة المحتلة، فهذا أمر لا يعني الأهالي لا من قريب ولا من بعيد... هذه أرض تابعة لوقف مجدل شمس، وهي أرض عربية سورية، ومن حق المواطنين العرب السوريين الاستفادة منها وفق رؤيتهم.. وعلى سلطات الاحتلال أن تكف شرها عن الناس، وأن تتعظ من تجارب سابقة لها مع الأهالي، وكيف دافع مجتمعنا عن نفسه وحقوقه موحدا متماسكا عصيا على الكسر... وكما تصدى أهلنا سابقا، سوف يتصدى الشباب الآن وسوف يواجه الاحتلال، إن استدعى الأمر، بهبة جماهيرية مهما كلف ذلك من تضحيات".

وحول ادعاءات المستوطنين بأن الأهالي يستصلحون الأراضي دون تراخيص، قال محدثنا: " أملاكنا وعقاراتنا وبيوتنا، هي حقنا الذي لا نساوم أحداً عليه، و"الطابو" السوري المعمد بدماء الآباء والأجداد هو ما يمنحنا هذا الحق وليس غيره... نحن في الجولان لنا خصوصيتنا في التعامل مع مؤسسات الدولة المحتلة، ولن يقبل مجتمعنا بأن تُجير احتياجاته المادية لتمرير مخططات سلطوية تستهدف المساس بثوابتنا الوطنية"." المشروع يحمل بعدين أساسيين، البعد الأول هو إحقاق الحق داخليا وتوزيع "محاضر عمار" بالعدل والتساوي على أبناء البلدة والبعد الآخر، والأهم هو حماية الأرض من السلطة المحتلة وفرض إرادتنا وحقنا الطبيعي في كامل أرضنا على دولة الاحتلال. وكوننا نعيش تحت الاحتلال، وليست هناك سلطة وطنية تُعنى بمثل هذه الأمور، تقوم لجان شعبية بتنفيذ هذه المهمات، ولا علاقة لدولة الاحتلال ومؤسساتها أو لجان البناء والتنظيم الإسرائيلية بهذا المشروع".

أحد الشبان المتواجدين في الخيمة انضم إلى الحوار قائلا: "طبعا ما نقوم به يزعج الاحتلال والمستوطنين لأن المشروع سيعيد للناس حقوقها في أرضها وسيُعيد الأمل إلى قلوب مئات الشباب والصبايا وسيساهم بخلق مزاج اجتماعي يحترم مبدأ التعاون والعمل المشترك وهذا يعزز ويمتن مناعة المجتمع في وجه مخططات الاحتلال".

ويتلقف الحديث شاب أخر ليضيف: "..الهدف من وراء المشروع هو حل أزمة السكن التي تضغط بقوة على الشباب وتقف حجر عثرة أمامهم وتمنعهم من تأمين أولى شروط الحياة الكريمة لهم ولأسرهم... ما يدفع الكثيرين منهم إلى التفكير بالهجرة.. أما الحصول على قطعة ارض ملائمة للعمار فسوف يثني الكثيرين عن هذه الفكرة ويمنحهم الأمل والعزيمة للاستمرار بالعيش بكرامة على هذه الأرض".
خرجنا من الخيمة قاصدين مكان عمل الآليات حيث كان بانتظارنا الأسير المحرر، والناشط في مشروع توزيع الأراضي حاليا، عماد سامي المرعي، وسألناه حول الجوانب الإدارية والتنظيمية، فقال: "..تم الاتفاق على تنفيذ هذا المشروع بمشاركة شبابية واسعة جدا وبأسلوب عمل شعبي شفاف وديمقراطي شمل انتخاب لجنة أوكلت إليها مهمة متابعة التنسيق نيابة عن مئات الشباب والشابات من كافة الأجيال، وقد حظي المشروع منذ انطلاقته وحتى يومنا هذا بمباركة وتأييد الأكثرية المطلقة من أبناء بلدتنا، ودائما كان الإصرار على السير قدما في هذا المشروع هو سيد الموقف وهذا ما سيبقى عليه الحال إلى أن يتحقق كاملا ونحن واثقون من ذلك كل الثقة". -" مشروع توزيع أراضي وقف البلدة اكبر من "محضر عمار" لحل أزمة سكن فقط.. نحن في ظروف احتلال والمشروع مرتبط بشكل مباشر بفكرة التعاضد الاجتماعي وهذه قيمة وطنية في غاية الأهمية في ظروف مجتمع هو في مواجهة مفتوحة مع الاحتلال... بالتأكيد احتياجات مجتمعنا أكبر من أملاك الوقف... ولكن كافة الأراضي المحيطة بالبلدة هي أراض عربية سورية ومن حقنا الاستفادة منها نحن السكان الأصلانيين وليس المستوطنين الدخلاء والغاصبين إلى أن يعود الجولان للسيادة الوطنية، وتتكفل الدولة السورية بتوفير احتياجات الأهالي إن كان محاضر عمار أو في مجالات خدماتية أخرى ".

ليس غريبا على أبناء الجولان هذه المواقف النضالية الشجاعة، ولكن قد يفاجئ حتى أكثر المتابعين للشأن الجولاني، بالمزاج الشعبي والحماس النضالي السائدين حاليا بين أوساط الشباب، حتى أن بعض الجولانيين يبدون هم أيضا دهشتهم مما يجري، ويذهب بعضهم درجة المقارنة مع الأجواء التي سبقت الإضراب العام والمفتوح الذي خاضه الجولانيون عام 1982 لمدة ستة أشهر متواصلة رفضا لقرار الكنيست بضم الجولان وفرض الجنسية الإسرائيلية على سكانه العرب السوريين. "الدولة المحتلة لم تتمكن من الانتصار على مجتمعنا في أي معركة علنية خاضتها معه منذ اليوم الأول للاحتلال، ونحن نؤمن بأنها لن تستطيع الآن ومجتمعنا قادر على إنجاح هذا المشروع الريادي.."، يؤكد الأسير السابق والناشط السياسي، صادق القضماني، ويضيف: "الاحتلال يدرك أن مخططاته حيال المواطنين العرب السوريين المحتلين ببعدها الإستراتيجي قد فشلت فشلا ذريعا، ويدرك أيضا أن الجولان عائد لوطنه السوري والمسألة باتت مسألة وقت. ولكنه، وبحكم طبيعته التوسعية ونظرته الاستعلائية، يحاول عبثا تمرير مخططاته، على نار هادئة أحيانا، وأحيانا أخرى يرفع من مستوى ممارسته القمعية.. ولكننا واثقون من أن حركتنا الوطنية الجولانية، بكافة شرائحها، الدينية والاجتماعية والشبابية، لديها تجربة غنية وإرادة قوية.. ومجتمعنا، اثبت على مدار سنين الاحتلال الطويلة صحة نهجه، وأظهر قدرة منقطعة النظير على الانتصار في معركة امتحان الإرادات".

"خيمة المحبة" هي المكان الأكثر زيارة هذه الأيام في الجولان المحتل. خيمة بسيطة نُصبت في الجانب الشرقي من سفح جبل الشيخ المهيب، لا تخلو على مدار الساعة من شباب بلدة مجدل شمس: يتناوبون على حراسة المكان ومتابعة سير العمل في مشروع، غير مسبوق بدلالاته السياسية والاجتماعية منذ اليوم الأول للاحتلال.

وفي ساعات المساء تجدها عامرة بالضيوف و"الوفود التضامنية" من باقي قرى الجولان، بقعاثا ومسعدة وعين قنيا حيث تتعانق أصوات الحاضرين مرددة الأهازيج الوطنية والأغاني الشعبية في مشهد فرح واعتزاز يحميك من "برد جبل الشيخ في الليالي" ويُعيد البسمة والفرحة إلى قلوب الناس والإيمان بان الحق يؤخذ ولا يعطى.

هذه هي "خيمة المحبة" في مجدل شمس، ترحب بزوارها من الجولان وخارجه، وهؤلاء هم شبابها: واثقون من صدقية مشروعهم، ولا يساورهم الشك بأن مجتمعهم الجولاني سيضيف قريبا إلى رزنامته الوطنية، محطة نضالية جديدة ستحيي ذكراها الأجيال القادمة!

وقبل أن نغادر "خيمة المحبة" علمنا أن العمل يجري على قدم وساق لتجهيز خيمة ثانية هي "خيمة الحرية" سيكون مقرها الدائم في الجانب الآخر الغربي من أراضي وقف البلدة، وفهمنا أنها ستكون الخيمة المركزية والملتقى لاستقبال الضيوف ووفود التضامن.

التعليقات