مزارعو التفاح في الجولان: أجواء الحرب تفسد علينا الموسم

كثيرًا ما نسمع عن "تفاح الجولان".. إنَّها زيتونة الجولانيين، تلك الفاكهة التي تجاوزت كونها طعامًا لتصبح رمزا يميّز تلك الرقعة المحتلة لكنها في أجواء الحرب بات الحزن يلف أهاليها وروابيها

مزارعو التفاح في الجولان: أجواء الحرب تفسد علينا الموسم

عندما كان تفاح الجولان بمذاقه الخاص مصدرا للمعيشة ودلالة على الصمود والبقاء شكّل رمزية خاصة أكثر من كونه طعمًا.

"تفاحة الجولان" القادمة من الهضبة المحتلة، تحمل بين طيّاتها نكهات وقصصا عن محاصرة البساتين وصعوبة الري وإنهاك التسويق. ومع هذا، لا يزال الجولانيون متشبثون بأرضهم بكل ما تحمل من الحنين والصمود وبعد أن كانوا يعتبرون موسم التفاح موسما وأمنيات فرح حين كانت أماسيهم ليالي مسرحية رحبانية، سهرات وأغنيات رغم كل شيء أصبح الحزن يلف المرج ويلقي بظلاله على معاني المواسم.. والعلاقة المتأثرة والمتوترة بأجواء الحرب السورية.. ومن منا لم يسمع عن "تفاح الجولان"؟

كثيرًا ما نسمع عن "تفاح الجولان"... إنَّها زيتونة الجولانيين، تلك الفاكهة التي تجاوزت كونها طعامًا لتصبح رمزا يميّز تلك الرقعة المحتلة لكنها في أجواء الحرب بات الحزن يلف أهاليها وروابيها، وليال حزينة يسهر المرج الوادع وحيدا ويكسر الصمت صوت البارود ويسهرون على دوي المدافع وإستنشاق رائحة البارود من الشق المقابل لحدود وقف إطلاق النار.

تعود زراعة التفاح في الجولان إلى خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت الكروم ركنًا، يزرع الجولانيون 30 ألف دونم، وهي المساحة التي تبقت لهم منذ العام 1967، هذه الحقول تنتج ما لا يقل عن 25 ألف طنٍ سنويًا، لكن الأمور عادةً لا تسير على ما يرام، إذ تتخلل زراعة التفاح وتسويقه الكثير من الصعوبات في الري والتسويق علاوةً على مصادرة الجزء الأكبر من أراضيهم منذ العام 1967.

بساتين التفاح في قمم هضاب الجولان، والمنبسطة على إمتداد المرج المحاذي لبلدة مجدل شمس، لم تعد مشروعًا إقتصاديًا بمقدار ما هي متنفس إجتماعي يحمل بين طيّاته دلالات ومعاني التكافل الإجتماعي والفرح، فموسم التفاح يشبه إلى حد كبير موسم الأعراس التقليدية لكن الحرب السورية إنتزعت هذا الفرح ليتحول المرج إلى متنفس للحزن الدفين.

كروم شبه خالية وسوق تبحث عن أهلها

مراسل "عرب 48" قام بجولة ميدانية للبساتين والمروج وقد وجدنا كروم شبه خالية وسوق تبحث عن أهلها وليس كالمعتاد، تجولنا هنا وهناك ووجدنا محدثينا بين مؤيد ومعارض لأطراف الصراع في سوريا إلا أن الجميع يجمع على الأجواء ليست كما كانت بل هي متوترة وقد إنعكست على النسيج والعلاقات الاجتماعية والتعاون بين المزارعين.

وهيب الصالح، مزارع وناشط وأسير محرر، إستعرض بدوره المتغيرات على المحاصيل والتسويق بأثر الحرب السورية، وقال لموقع "عرب 48": "المحصول وافر هذا العام لكن الأمور ليست على ما يرام. الحرب تركت آثارها على كل شيء ونحن في قلق دائم على ما يجري للأم سوريا، ناهيك عن أن ذلك إنعكس على محصولنا ومعيشتنا، لكن الأهم أن يخرج الوطن معافى رغم كل الجراح. باشرنا هذا العام موسم القطاف دون أن ندري مسار التسويق لا سيما وأن هذا المحصول يشكل لنا المصدر المعيشي الأساسي، وبدأنا العمل بشكل أولي للتسويق إلى داخل إسرائيل لانعدام السوق الوطنية لكن الأسواق الإسرائيلية لها ألاعيبها كما تعلم ونحن لسنا بالطرف القوي للمنافسة مما يعرض منتوجنا للكساد أمام المزارعين اليهود المدعومين والمحميين وهم يملكون التحكم بالسوق".

المزارع وهيب الصالح: "الحرب أثقلت أوزارها على كل مناحي الحياة مما جعل إمكانية التصدير للوطن سوريا اليوم مستحيلة"

وتابع الصالح: "عندما قررت سوريا بقرار من الرئيس بشار الأسد إستلام منتوجاتنا من التفاح منذ سنوات خفت علينا أعباء كبيرة كان آخرها في العام 2012 حيث إستلموا ثلث منتوجاتنا من التفاح بأسعار داعمة ومريحة إلا أن الحرب أثقلت أوزارها على كل مناحي الحياة مما جعل إمكانية التصدير للوطن سوريا اليوم مستحيلة، وذلك بسبب السيطرة على معبر القنيطرة والمخاطر التي يشكلها الإرهابيون على المنطقة، لكن مع ذلك نحن على موعد للتصدير لسوريا في شهر آذار من السنة المقبلة ونأمل أن يتم ذلك، كما أننا نأمل بأن يعم السلام والمعافاة لوطننا سوريا".

أما أبو فراس، فيرى أن مجمل التعاطي مع موسم التفاح يأتي من أجل المعيشة أساسًا، ويضيف: "لكن إذا أخذنا الجوانب الأخرى من الموضوع ففيها الكثير من الأسى ليس بعد التراجع الكبير لهذه الزراعة، و إنما لأن موسم التفاح لم يعد العرس الذي تجتمع فيه العائلات ويتعاون فيه الكبار والصغار إلى جانب الكثير أخوتنا من الفلسطينيين من عرب الداخل. يتلاقى الناس، وثمة من يسهر ويقيم حفلات العزف والغناء. بل إن الزيارات تلك باتت شبه معدومة، وإن ذلك التسامح بات شبه معدوما وهذا كله من تداعيات الحرب واختلاف الآراء وهذا أمر مؤلم ومحزن، ونأمل أن يشفى الوطن من جراحه لنعيد تلك الليالي. الحرب السورية عامل أساسي في هذا التوتر وإنعكاسه على واقع حياة الجولانيين وكذلك على الزراعة والمعيشة، بل تنعكس على كل مناحي الحياة".

وتابع يقول: "إن محاصيلنا الزراعية بعد أن كانت تخضع للسوق الاسرائيلية والتنافس غير المتكافئ تقدمت سوريا منذ سنوات لإنقاذ هذا الفرع الزراعي الأساسي للجولانيين وإسنادهم في محنتهم وصمودهم حيث تم في سنة 2012 إستلام نسبة ما يقارب الـ60% من محاصيلنا الأمر الذي أنقذ الزراعة ودعم صمودنا بأرضنا ووطننا، لكن اليوم الأمور باتت محزنة ونحن في متاهة... الأمور غير واضحة ومصير محاصيلنا غير واضح".

صالح عواد: "نتمنى لسوريا الوطن أن تخرج معافاة من هذه الأزمة"

صالح عواد إستعرض هو الآخر ما بات يسمى بالوضع المركب والمتاهة التي جرفت الجميع بسبب الحرب التي ألقت بظلالها بشكل مأساوي على الجميع، وقال: "عندما نجحنا قبل سنوات بتصدير منتوجاتنا للأم سوريا جاءت الحرب لتلقي بظلالها على كل مناحي حياتنا الإجتماعية والإقتصادية والآراء السياسية، أما اليوم فهناك مصاعب العبور لسوريا بسبب السيطرة على معبر القنيطرة من إسرائيل والإرهابيين، ولكن بصرف النظر عن كل الاوضاع المعيشية وقضية التسويق نتمنى لسوريا الوطن أن تخرج معافاة من هذه الأزمة التي أصبحت هاجس الجميع، وأعتقد أنه عندما تنتهي الأزمة السورية ستنتهي الكثير من الأزمات التي تخصنا كجولانيين. نحن على أمل بأن تتمكن الدولة السورية من السيطرة مجددا وفتح المعابر وخاصة معبر القنيطرة كي يتسنى لنا إستعادة سيادة الوطن وكذلك الإقتصاد والمعيشة والسلام الأهلي بعيدا عن كل هذه التجاذبات والصراعات التي كلفتنا الكثير بسبب فقدان الأمن والسيادة والمعيشة".

التعليقات