كلمة د. عزمي بشارة امام اهالي مجدل شمس في وداع هايل ابو زيد

"صمت عيونه المسجاة على عرش بلاد الشام المهيب، عرش الجلال والجمال والسناء البهاء، وكلام عيون زملائه التي شيعته ماشيا على قدميه وراء القضبان حتى باب السجن: "يا رعاك يا رعاك... في علاك قاهرا عداك"

كلمة د. عزمي بشارة امام اهالي مجدل شمس في وداع هايل ابو زيد
شيعت جماهير غفيرة في الجولان السوري المحتل يوم الجمعة الماضي جثمان الاسير المحرر الشهيد هايل ابو زيد الى مثواه الاخير.

ووصل امس السبت الى مجدل شمس الجولانية الدكتور عزمي بشارة على راس وفد من فلسطيينيي الداخل معزيا بالشهيد هايل ابو زيد. والقى الدكتور بشارة كلمة امام اهل الجولان السوري أبّن فيها الشهيد. وننشر فيما يلي كلمة بشارة:

سلام لك وسلاما عليك،

سلام على الام التي حملتك وسلام للثرى الذي حمل خطاك عائدا من سجنك الحي وسجانك الميت في الحياة. لم يترك لك خيار "الحرية أو الموت"، بل منحك الحرية لتموت. أطلق سراحك لتذوي بين أيدي ذويك. حريته التي منحها هي الموت.

هالهم المقام ، وزاده هولا أن لا إجابة لدى السجان على سؤال كيف تُلخص ثمان وثلاثون عاما هي عمر هايل، عشرون منها في سجن الاحتلال؟

لا معنى يفقهه سجان لعشرين تمضي من دون فصول من ثمانية وثلاثين شتاءً وخريفًا وربيعًا مرّت على السجان ولم يشعر حتى بوجودها، وهو منشغل بحجزك عن بلدك وأهلك. زمن السجان أجوف، طول بلا عرض بلا عمق.

أما أنت فعشت كل مواسمك، كل فصولك الداخلية حتى الثمالة: صيفك لهيب شمس الوضوح والصلابة والعنفوان والذكاء المتوقد، وشتاؤك حب الناس مطر ينهمر داخلك ليروي نفسك التعبة المتشققة من التنقل بين السجون، وخريفك وجد وشوق وحنين هو وطنك الذي تعرف، وعبق ربيعك رائحة الأهل في الزيارة وضجيج زملائك حول أيّ تفصيل في "الفورة".

يا لهول المحاولة البائسة في تعديد مناقب الفقيد أمام شهادة لا تحتاج الى شهادة. عمره قصير بمفهوم سجان لعمره طول بلا عرض. وعرض حياة هايل وعمقها لا متناهيان؛ فهي تحتوي الوطن الحقيقي اللامتناهي. ليس فقيدا من لم يبحث عنه محبوه الا وجدوه فيهم، ولم يفتقدوا انفسهم الا وعثروا عليها فيه.

لمن يفتقد النفس التي لا تعترف تحت التعذيب ولا تعترف بشرعية المحكمة العسكرية الاسرائيلية، لمن يفتقد الجيل الذي لا يقف لقضاة المحكمة العسكرية ولا يعترف بشرعيتهم، ويحكم عليه غيابيًا لأنه يرفض الامتثال والانصياع، سوف يجدها في هايل وما تبقى من هايل وراء القضبان، بشر وصدقي وعاصم وسيطان.

ما تبقى من مناقبه المحجوزة وراء القضبان، أودعتها شهادته الوادعة في حضن الجولان، ولن ينقب بائس أيا كان عنها ليجد ما يقوله كما يتكلفون ويتصنعون في حفلات التأبين.

صمت عيونه المسجاة على عرش بلاد الشام المهيب، عرش الجلال والجمال والسناء البهاء، وكلام عيون زملائه التي شيعته ماشيا على قدميه وراء القضبان حتى باب السجن: "يا رعاك يا رعاك... في علاك قاهرا عداك".

لا وطن سوى عيون بشر وصدقي وسيطان وعاصم وآمال وكمال ووئام وشام وكميل وعباس وسميح التي شيعت هايل الى الحرية. لهذه العيون أنشدت الأرض: "هل أراك هل اأراك سالمًا منعمًا وغانمًا مُكرّمًا".

التعليقات