23/05/2019 - 03:27

"صراع العروش": مَنْ يستطيع هزيمة القصّة؟

تيريون لانستر واللورد فاريس

 

انتهى "صراع العروش"، المسلسل الّذي وُصف "بالأعظم في التاريخ"، وقد ضرب بعرض الحائط ثنائيّات الخير والشرّ، وقاعدة البطل الّذي ينتصر في النهاية؛ العمل الّذي صوّر صراع العروش كما هو حقيقةً، مزيج من الذكاء والمخاطرة، ليس فقط لمن يطمح إلى اعتلاء العرش، بل لمن يحاول منع مثل هذه المخطّطات كذلك، وثمن الفشل واضح منذ البداية؛ الموت. منذ الجزء الأوّل كان الأمر واضحًا، بموت نيد ستارك وجملة سيرسي لانستر: "إذا أردت دخول لعبة صراع العروش فنهايتك معروفة، إمّا ميّتًا وإمّا جالسًا على العرش".

هذه الخصائص كانت عاملًا أساسيًّا في إبهاري، لكنّ الروعة والمتعة الحقيقيّة بالنسبة إليّ، كانت في الحوارات بين الشخصيّات، وأهمّهم تيريون لانستر ولورد فاريس ولورد بيليش (ليتل فينغر). منحتني هذه الشخصيّات الثلاث تحدّيات فكريّة وفلسفيّة، غير مفهومة ضمنًا ولا متوقّعة، وليست بالبسيطة.

 

هل تستطيع القصص توحيد الشعوب؟

لتيريون لانستر قول لافت جدًّا، يطرحه خلال معضلة اختيار الملك: "لم أفعل شيئًا خلال الأسابيع الماضية سوى التفكير في تاريخنا الدمويّ، وفي الأخطاء الّتي ارتكبناها، ما الّذي يوحّد الشعوب؟ الجيوش؟ الذهب؟ الرايات؟ القصص، لا شيء في العالم أقوى من قصّة ممتعة، لا شيء يستطيع إيقافها، ولا عدوّ يمكنه هزيمتها".

بجمل بسيطة، اختصر سياسات دول وشعوب كاملة عبر التاريخ، اختصر مراحل صناعة الوعي والذاكرة الجماعيّة؛ لتشكيل مجتمع يؤمن بما يجب أن يكون عليه في المستقبل، ووضع حجر الأساس للتطوّر.

هل حقًّا تستطيع القصص توحيد الشعوب؟ خطر ببالي السؤال فجأة، وبدأت تتراءى أمامي كلّ الشعوب الّتي قرأت عنها، أو احتككت بها، وتاريخها، وكيف ثمّة قصّة أساسيّة توحّدهم، وفي غالبيّتها كانت قصصًا تراجيديّة، تتخلّلها المذابح والقتل والدم، وبعض النجاة والازدهار، والأمل لاحقًا.

لا شيء يقدر على هزيمة التاريخ، هذا صحيح بالمُجمل، الوحيدون الّذين يستطيعون هزيمة التاريخ والقصّة، بمفهوم تيريون لانستر، أصحابه الأصليّون، لهم أن يدفنوا هذا التاريخ أو يغيّروه أو يتجاهلوه؛ حتّى يذهب أدراج الرياح.

 

الولاء والوطنيّة

من القضايا الأخرى الّتي طُرحت عبر حبكة متينة، الولاء والوطنيّة، وخدمة الحاكم/ ة متمثّلًا بشخصيّة اللورد فاريس، منذ الجزء الأوّل حتّى احتراقه بلهب دروغون، على مرأًى من صديقه تيريون الّذي وشى "بخيانته" لدانيريس، من خلال كشف حقيقة جون سنو ونشرها، بعد أن أخبره بها بنفسه.

يبدأ حضور هذه القضايا منذ كان فاريس يخدم روبيرت باراثيون، وقد روى بنفسه عن خدمته للملك المجنون الّي كان قبله، وبلغت ذروة هذا الحضور عندما التقى فاريس، الّذي يملك السلاح الأقوى في ويستروس، سلاح المعلومات - عندما التقى دانيريس الّتي شكّكت في ولائه لها، وقد أوضح بشكل قاطع أنّ ولاءه للشعب ومصلحته فقط، وأنّه يخدم الشعب لا الحكّام أو الملوك؛ الأمر الّذي أثار إعجابها ودعاها إلى قبوله في مجلسها، مع تهديده بأنّها ستحرقه حيًّا إذا ما خانها أو تآمر عليها، ووعدها أن ينظر في عينيها ويخبرها حين تخطئ، وأوفى كلاهما بوعده.

وعلى أعتاب إبادة العاصمة كينغر لاندينغ، أكّد فاريس تمسّكه بمبادئه الّتي آمن وعمل بها طوال حياته، وقال لتيريون لانستر في أثناء نقاشهما حول هويّة مَنْ يتولّى عرش الممالك السبع، بعد أن تأكّدا من عدم اتّزان دانيريس نفسيًّا، وأنّها لا يمكن أن تكون ملكة صالحة، وهذا ما تأكّد لاحقًا عندما أحرقت المدينة بمَنْ فيها من الأبرياء: "لقد خدمت طغاةً معظم حياتي، يتحدّثون جميعًا عن القدر، لعلّ هذه هي المشكلة، أقنعتها حياتها بأنّها جاءت إلى هنا لتحرّرنا جميعًا، هل فكّرت يومًا في أنّ الحاكم الصالح هو الّذي لا يريد العرش؟ تعلم ولائي الحقيقيّ لمن، وتعلم جيّدًا أنّني لن أخون المملكة أبدًا". وعندما سأله تيريون: "ما المملكة؟ مجرّد قارّة شاسعة تحوي ملايين الناس، معظمهم لا يلقون بالًا لمن يجلس على العرش"، أجاب: "ملايين الناس الّذين سيموت معظمهم إذا جلس الشخص الخطأ على العرش، ملايين الناس الّذين لا نعلم أسماءهم، لكنّهم حقيقيّون مثلنا، يستحقّون الحياة ويستحقّون الطعام لأبنائهم، سأتصرّف وفقًا لمصلحتهم مهما كلّفني الأمر شخصيًّا".

 

عن النهاية

لن أتحدّث عن النهاية؛ لأنّه لا نهاية مثاليّة لمثل هذا العمل، طاقم العمل والكاتب هم الوحيدون المخوَّلون باختيار النهاية؛ فهذا إبداعهم في المقام الأوّل، لنا أن نحبّ أو لا، أن تعجبنا أو نفضّل غيرها، لكن من أهمّ ركائز هذا العمل كان المفاجأة دائمًا، وأن ليس ثمّة شيء مفهوم ضمنًا، ويمكن حدوث أيّ شيء في الحياة.

وجاءت الحكمة من هذه النهاية على لسان تيريون لانستر، عندما قال لجون سنو في السجن: "ليس ثَمّ أحد سعيد تمامًا، ولم يحصل الجميع على ما يريدون، هذه هي التسوية الملائمة"، مؤكّدًا بذلك صعوبة التسويات الّتي يمكن أن يعقدها المرء في حياته الواقعيّة، تحت ظروف فُرضت عليه، لا يمكنه التحكّم بها، ومعظمها يمكن أن يكون نتيجة لما فعل في السابق أو الأصعب، ما كان يتوجّب عليه في فعله، لكنّه لم يقم بذلك.

 

 

رامي حيدر

 

 

صحافيّ ومنسّق إعلاميّ. يعمل في مركز "عدالة" بمدينة حيفا، كما عمل مع عدد من المواقع الفلسطينيّة والأجنبيّة الناطقة بالعربيّة. ينشط في عدد من الأطر السياسيّة والمجتمعيّة ومؤسّسات المجتمع المدنيّ.

 

 

 

 

التعليقات