05/05/2021 - 22:23

مهنّد أبو رزق... أفلام تحكي قصصنا وأسرارنا

مهنّد أبو رزق... أفلام تحكي قصصنا وأسرارنا

مهنّد أبو رزق | بلطف عن طموحي لايف

 

مع بداية جائحة كورونا، ظهر في الأردنّ مشروع لصانع الأفلام مهنّد أبو رزق، حمل عنوان «أفلام تحكي قصصنا»، من إنتاج «شركة سيرة لصناعة الأفلام»، وهي أفلام من الشارع تقوم على أسئلة تدخل إلى الحميم والخاصّ من المساحات، حيث تحتاج إجاباتها إلى النبش في ذاكرة الأشخاص الحزينة والسعيدة، وفي ماضيهم، وأحيانًا في حُفَر آلامهم العميقة.

المتابع لانتشار أفلام أبو رزق، والتعليقات وردود الأفعال عليها، يلاحظ استحسان المشاهدين؛ نظرًا إلى أنّ هذه النوعيّة من الأفلام تمنح الناس مساحة واسعة للتعبير عن أنفسهم وأحلامهم...

بدأ انتشار أفلام الشارع في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وهي أفلام قصيرة توثّق إجابات الناس في الشارع عن سؤال ما يطرحه صانع الفيلم، ثمّ انتقلت صناعة هذه الأفلام إلى مدن أوروبّيّة، وبرزت في العالم العربيّ مع بدء الثّورات العربيّة، حين صُوِّرَ الكثير من الوثائقيّات عن احتجاجات الناس في الشارع، وأكثرها كان في مصر؛ فيطرح صانع الفيلم أسئلة عن الشأن الشخصيّ للأفراد، تبعًا لطبيعتهم الثقافيّة والاجتماعيّة، ولمستوى الحرّيّات السياسيّة في بلادهم وقضايا أخرى.

لقد صُوّر في الأردنّ عدد كبير من الوثائقيّات الّتي تناولت الإرث الأردنيّ القديم، من بيوت ومحالّ قديمة ومناطق أثريّة، وبعضها عرض الواقع السياسيّ والاقتصاديّ، وأفلام أخرى عن مواقع مثل البتراء ووادي رم جرّاء مكانتهما، وتحديدًا بعد تصوير الكثير من الأفلام العالميّة فيهما، إلّا أنّ الوثائقيّات الّتي تُعنى بحال الناس في الشوارع لمّا تكن موجودة بعد.

 

أفلام تحكي قصصنا

المتابع لانتشار أفلام أبو رزق، والتعليقات وردود الأفعال عليها، يلاحظ استحسان المشاهدين؛ نظرًا إلى أنّ هذه النوعيّة من الأفلام تمنح الناس مساحة واسعة للتعبير عن أنفسهم وأحلامهم، واللحظات الخاصّة والفارقة في حيواتهم، إضافة إلى أنّ المادّة الوثائقيّة قادرة على الدخول إلى عمق اللحظات اليوميّة للناس، واستخدام نبض الشارع الفعليّ كمادّة نهائيّة للعرض.

نجحت أفلام أبو رزق في كسر الصورة النمطيّة عن تجهّم الشعب الأردنيّ، ونمطه في إخفاء العاطفة لديه، كما كان للمناطق الّتي يصوّر فيها أبو رزق دور كبير في انتشارها ومتابعة الناس لها؛ إذ اعتمد على المناطق الشعبيّة، مثل وسط المدينة في عمّان والأماكن المكتظّة الأخرى، الّتي غالبًا ما يتوفّر فيها شرائح مختلفة من الأعمار والثقافات من الجنسين.

 

يعرّف أبو رزق مشروعه بـ «أفلام تحكي قصصنا»، بوضوح الجملة وبساطتها ومباشرتها، وهو يعمل على صناعة مادّة اجتماعيّة، تُعْرَض خارج صالات السينما ومقاييسها، مبتعدًا في فلسفة الإخراج الخاصّة به عن أنماط النقد الأكاديميّ، ليصل فيلمه إلى الجميع، ويتناسب خاصّةً مع منصّة يوتيوب. من وجهة نظر أبو رزق، يفضّل الأردنيّ في الشوارع والأسواق والحارات الأفلام الّتي تحاكي مشاعره وواقعه، وتخاطبه بلغته غير المتكلّفة، وتبحث عن قصصه اليوميّة، في معيشته وأسراره الّتي أصبحت أسرارًا لأنّها لم تُمْنَح فرصتها اللائقة في الوجود علنًا.

 

النسبة الكبرى من أفلام أبو رزق كانت تتحدّث عن أسرار الناس المؤلمة، والمواقف الحزينة الّتي مرّوا بها، حيث يطرح هذه النوعيّة من الأسئلة لإيمانه بحاجة الناس إلى أن يحكوا هذه القصص، ولأنّ مشاركتها تشعرهم بأنّهم مسموعون وموجودون.

أسرار

تعرّفت مشروع أبو رزق من خلال مجموعة أفلام «أسرار» الّتي انتشرت مؤخّرًا على قناته في يوتيوب، حيث ضمّت هذه السلسلة بوح الناس بأسرارهم الخاصّة الّتي لم يشاركوها من قبل. كان لفضولي الدور الأساسيّ في مشاهدة هذه السلسلة، ثمّ انتبهت لنوعيّة الأسرار الّتي غالبًا ما نخفيها خوفًا من أن تُسْتَخْدَمَ ضدّنا. ولأنّ الأسرار في العادة تُحْكى للأصدقاء، وجدتُ الاستماع لأسرار الغرباء تجربة مختلفة تحمل صدقًا وعفويّة أكبر.

أدّت سلسلة أسرار دورًا جيّدًا في كسر طابع المحتوى المنشور في مواقع التواصل الاجتماعيّ، حيث إنّها منصّات يغلب عليها مشاركة المستخدم لأجمل صوره، وأفضل ما يمكن أن يكتبه عن نفسه، إلّا أنّ سلسلة أفلام «أسرار» لمهنّد أبو رزق قدّمت محتوًى مختلفًا، استطاع المشاركون فيه أن يعبّروا عمّا أخفوه طويلًا من انكساراتهم وأخطائهم الماضية، ومشاكلهم الّتي أسهمت في تعثّر خطواتهم الحياتيّة طويلًا؛ وهو ما أكسب السلسلة حبًّا كبيرًا من الناس، ورغبة في متابعتها، ومزيدًا من التفاعل بمشاركتها والتعليق عليها.

نساء كثيرات أفشين أسرار تعرّضهنّ للاغتصاب والتحرّش الجنسيّ في بيوتهنّ ومن أفراد عائلتهنّ، ونساء أخريات تحدّثن عن الابتزاز الّذي واجهنه بمفردهنّ من شركائهنّ في علاقات عاطفيّة قديمة...

عرض أبو رزق أسرار الناس في أفلامه من خلال أصوات ممثّلين، ما أتاح الفرصة للنساء في الأردنّ بأن الناس بأسرارهنّ الخاصّة، الّتي يصعب عليهنّ مشاركتها جرّاء الكثير من المحدّدات والمخاوف، والخطر الّذي يمكن أن يتعرّضن إليه من المجتمع والأهل.

نساء كثيرات أفشين أسرار تعرّضهنّ للاغتصاب والتحرّش الجنسيّ في بيوتهنّ ومن أفراد عائلتهنّ، ونساء أخريات تحدّثن عن الابتزاز الّذي واجهنه بمفردهنّ من شركائهنّ في علاقات عاطفيّة قديمة، وأسرار أخرى عن العنف الجسديّ واللفظيّ الّذي سُتِرَ طويلًا داخل جدران البيوت. في السلسلة ذاتها شارك رجال ونساء آخرون أسرارهم حول صحّتهم النفسيّة، وما مرّوا به من اضطرابات ما بعد الصدمة، ونوبات الاكتئاب.

 

الاستمرار

لقد تُرجمت معظم أفلام أبو رزق إلى اللغة الإنجليزيّة، وعاد ذلك بانتشارها إلى مساحات أوسع. يقول مهنّد إنّه أحسّ من ردود الأفعال بتشابه التجارب الإنسانيّة في مختلف بقاع الأرض، وتأثيرها في بعضها، وهو يطمح إلى مزيد من الترجمات إلى لغات أخرى، واصفًا التجربة بالأمر الرائع.

النجاح الواضح لانطلاقة المشروع لا تضمن استمراريّته في مكان مثل الأردنّ؛ فليس سهلًا على فريق العمل تغطية تكاليفهم الإنتاجيّة، وإن كانت بسيطة، في الوقت الّذي يتوقّع الجمهور والمتابعون منهم التطوّر والتوسّع، وخاصّة أنّ المشروع يعتمد على منصّة يوتيوب، الّتي تتطلّب وجودًا كثيفًا، ولا تحتمل أيّ انقطاع عن النشر فيها؛ وهذا ما يثقل على الشركة في تحضير الأفلام الأسبوعيّة، الّتي تتطلّب جهدًا كبيرًا في التصوير والمونتاج والكُلَف المادّيّة.

 

 

بين الوجوه الكثيرة الّتي تزدحم بها الأسواق والشوارع وحافلات النقل العامّ، أشخاص عاديّون وجدوا مواقع البطولة في أفلام أبو رزق؛ فقدّموا صورة عن حياة الأردنيّ بكلّ تناقضاتها ومشاكلها، وشاركوا ما لا تفضّله وسائل الإعلام التقليديّة عن حياة الناس؛ وقد جعل هذا أفلام الشارع تحفر عميقًا في أنفسنا.

لقد دخل مهنّد بأسئلة ذكيّة إلى المساحة الدقيقة بين الخاصّ والعامّ، بين ما نخفيه عادةً وما يمكن أن نشاركه على الملأ، من قصص الماضي وتجاربه المؤلمة، ولحظات سعادته البسيطة، وصولًا إلى أسرار لا تُحكى بسهولة.

 

 

سنابل قنّو

 

 

شاعرة أردنيّة، درست نظم معلومات حاسوبيّة وعملت كاتبة ومجوّدة نصوص في "مسرح دمى العربة" في عمّان، تنشر نصوها ومقالاتها في عدد من المنابر العربيّة.

 

 

 

التعليقات