25/03/2017 - 11:35

بين ترامب والسعودية وتركة أوباما...

منذ تولي دونالد ترامب منصب رئاسة الولايات المتحدة، لم يقم بتحديد إطارٍ واضحٍ للسياسة الخارجية فيما يخص العلاقات السعودية الأميركية، وعوضاً عن ذلك، بقي المراقبون مشوّشين نتيجة سلسلة من التصريحات المتضاربة. ولكن ترامب أعرب في هذا الشهر

بين ترامب والسعودية وتركة أوباما...

ترجمة خاصة: عرب 48

منذ تولي دونالد ترامب منصب رئاسة الولايات المتحدة، لم يقم بتحديد إطارٍ واضحٍ للسياسة الخارجية فيما يخص العلاقات السعودية الأميركية، وعوضاً عن ذلك، بقي المراقبون مشوّشين نتيجة سلسلة من التصريحات المتضاربة. ولكن ترامب أعرب في هذا الشهر، وبوضوح، أنه لا ينبغي على واشنطن توفير الحماية المجانية لدول الخليج، كما أضاف قائلاً إن دول الخليج 'لا تمتلك شيئاً سوى المال'، وأنه ينوي تكليفهم بمصاريف بناء 'مناطق آمنة' مسقبلية في سوريا. و عبَّر في نفس الوقت عن رغبته بتطوير العلاقات مع دول الخليج بشكل عام بغرض مجابهة 'نشاطات زعزعة الاستقرار الإقليمي' التي تمارسها إيران.

وبالرغم من تصريحات ترامب السلبية تجاه السعودية، إلا أن السعوديين يرون في الرئيس الجديد فرصة لتحسين علاقتهم مع الولايات المتحدة وردم الصدع الذي تسبب به موقف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما المؤيد لاتفاقية إيران النووية. فعلى سبيل المثال، ابتهج السعوديون من وصف ترامب لإيران بأنها أكبر دولة راعية للإرهاب ومن تشكيكه بجدوى الاتفاق النووي. وفي حال قام ترامب بتقويض الاتفاق النووي الإيراني واستمر بتوسيع العقوبات ضد إيران، فسيرحِّب السعوديون بذلك.حيث ستثبت مثل هذه التوجهات للرياض أن المملكة العربية السعودية لا زالت تحتل مكانةً مركزية في السياسات الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ولكن وبغض النظر عن التوجه الذي ستتخذه واشنطن تجاه إيران، ينبغي على ترامب أن يعيد التفكير في العناصر الأساسية لما يدعى بالعلاقات المميزة مع المملكة العربية السعودية. وبشكل أكثر تحديداً، على الولايات المتحدة أن تتوقف عن تقديم الدعم غير المشروط للنظام، مثل تأمين شرعية انتهاكات النظام وجعل واشنطن عرضة لتهمة دعم الأنظمة الدكتاتورية. لا ينبغي بالطبع أن تقطع واشنطن علاقتها مع الرياض بشكل كامل، ولكن هناك أسباب وجيهة تدعو لإعادة تعريف العلاقة بطريقة تحمي مصالح الولايات المتحدة.

عن تحالفٍ عفا عليه الزمن

منذ لقاء الرئيس الأميركي فرانكلين ديلانو روزفلت مع مؤسس المملكة الملك عبد العزيز آل سعود على متن السفينة الحربيّة يو أس أس كوينسي في شباط/ فبراير من عام 1945، كان كل من النفط والأمن والموقع الاستراتيجي للمملكة هي المبررات الكافية بالنسبة لواشنطن لتقدِّم الدعم للبلاد بالرغم من كافة المعيقات. وقد استمر العلاقة بين البلدين، وفق هذا الإطار، لأكثر من سبعة عقود.

ولكن ما كان يُنظر إليه كخيار استراتيجي منطقي خلال فترة الحرب الباردة لم يعد كذلك اليوم، فإذا نظرنا مجال الطاقة، فسنجد بأن الولايات المتحدة اليوم لم تعد معتمدة على النفط السعودي كما كانت في العقود السابقة. وما هو أسوأ من ذلك، أن السعودية حاولت خلال السنوات الماضية أن تُخرج شركات النفط الصخري الأميركية من المنافسة عن طريق ضخ النفط الرخيص في السوق، لتجعل مصادر الطاقة البديلة أكثر تكلفة وأقل جاذبية.

وبطريقة مشابهة، كانت السعودية حلفياً أمنياً مفيداً بالنسبة للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، فبالإضافة للنفط وموقعها الاستراتيجي، فقد أدى نمط تدينها القائم على الإسلام الوهابي المحافظ دوراً مهمّاً في إبعاد المسلمين في المنطقة عن التوجهات القومية المتطرفة أو الشيوعية. ولكن هذه السياسة قصيرة المدى قد أدّت إلى تصعيد أزمة الجهادية العالمية التي كانت تختمر في كهوف أفغانستان في الثمانينات، والتي أدت إلى نتائج عنيفة غير مقصودة لا زال الغرب يعايشها إلى اليوم. وقد أدت هجمات 11/9 إلى شرخ مؤقّت في الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية، نظراً لكون لكون 15 من أصل 19 من منفذي الهجوم سعوديين، وهو ما دعا الأميركيين للتساؤل عما إذا كانت المملكة حليفاً أم عدوا لهم. ومع الأسف، لم تتعامل الحكومات الأميركيين المتعاقبة مع السؤال بطرق تفتح المجال لإعادة اعتبار أو إعادة ترتيب لميثاق الدعم غير المشروط للمملكة، لأنهم بقوا على قناعة بأن السعودية هي أفضل حليف في الحرب على الإرهاب بدلاً من اعتبارها حاضنة للإرهاب.

تدنِّي مقاييس حقوق الإنسان

بحسب منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والمنظمة العربية لحقوق الإنسان، اعتقل النظام السعودي المئات من الناشطين السلميين والمدونين والمحامين والقضاة والصحفيين وعلماء الدين منذ بداية الربيع العربي عام 2011. وعلى سبيل المثال، إذا ما تلفَّظ أحد المواطنين بعبارة تنتقد سياسات الملك في الصحافة أو على موقع 'تويتر'، فإنها ستعتبر سلوكاً مخالفاً للقانون ويمكن أن تودي به إلى السجن. ويعد تأسيس حزب سياسي أو تقديم مذكَّرة تطالب بإصلاح سياسي، أو الكتابة أو حتى القراءة في شيء يتضمن معتقدات هدَّامة: كل ذلك يعد سلوكاً جرمياً في السعوديّة.

وفي تلك الأثناء، أُطلِقَت النيران على نشاطين ومتظاهرين سعوديين سلميين من قِبَل القوات الأمنية (قُتِلَ أكثر من 25 ناشط سعودي شيعي منذ عام 2011 في المناطق الشرقية) أو حُكِمَ عليهم بالإعدام في السجن، كما أعدمت السعودية 94 سجيناً عشية رأس السنة الجديدة لعام 2016 وفي ليلة واحدة. وبحكم منع الحكومة لأي شكل من أشكال التظاهر أو الاحتجاج أو الاعتصام أو العرائض السلمية، يتجه بعض الشباب السعوديين نحو التطرف والإرهاب. ففي سوريا والعراق فقط، التحق في عام 2013 حوالي 2500 سعودي بالمجموعات المسلّحة المتطرفة، حيث يعدُّ السعوديّون ثاني أكبر مجموعة من المقاتلين الأجانب بعد التونسيين.

وما زالت حقوق المرأة محدودة ومقيّدة في السعودية، حيث تعتبر الدولة واحدةٌ من أسوأ الدول في التمييز الجندري، حيث تحتل رقم 134 من 145 دولة بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي. ويأخذ التمييز مدى بعيداً إلى درجة عدم السماح بقيادة المرأة للسيارة. وبغض النظر عن العمر، تحتاج النساء لموافقة ولي أمر ذكر لتدرس وتسافر وتسعى لوظيفة وتتزوج ولتفتح حساباً في البنك، كما لا يتاح لهن الحصول على العناية الطبية دون إذن ولي أمرهن. وتُقدَّر مساهمة المرأة في سوق العمل بنسبة لا تتجاوز الـ 20%، بالرغم من حقيقة أنّهنّ قد وصلن إلى مستويات عالية في مجال التعليم.

والنساء السعوديات محرومات بشكل كامل من التصويت، حيث أعاق النظام مساهمتهم في انتخابات البلدية حتى عام 2015، وذلك بالرغم من الاختلال الوظيفي في المجالس البلدية وسيطرة الحكومة عليها. (البلديات ليست عبارة عن مجالس حكومية محلية؛ فهي تتلقى ميزانيتها من الحكومة ولا تمتلك سوى سلطة محدودة. ولم تتمكن هذه البلديات من صياغة مخططات تطوير حضري بطريقة تمنع حدوث الفياضانات في مدن كبرى، بعد سلسلة فياضانات مفاجئة، أو تحسين أماكن الترفيه المحلية مثل الحدائق) قام الملك عبد الله السابق بتعيين 30 امرأة في مجلس الشورى (وهي سياسة استمر عليها الملك سلمان)، ولكن هذه مجرد خطوة شكليّة ولم تتحول إلى مسؤوليات حقيقية.

أحد عوامل عدم الاستقرار في المنطقة

هناك سبب آخر لإعادة التفكير في علاقة الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية، وهو الطموحات والحروب المحلية للدولة. لقد استعمل السعوديين في اليمن هجوماً عشوائياً ضد مدنيين يقفون في صفهم من أجل هزيمة الشيعة الحوثيين. وقُتِلَ حتى الآن أكثر من 10000 إنسان في الأزمة، والكثير منهم على يد أسلحة أميركية التصنيع اشترتها الرياض. وقد عززت هذه الحرب من قوة كلٍّ من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (المعروفة أيضاً بداعش)، نظراً لسعي كلا التنظيمين لهزيمة الحوثيين.

كما أرسلت السعودية قواتها للبحرين في عام 2011  لدعم نظام خليفة الحاكم في سياق جهودهم لقمع الحراك الديمقراطي الجاري هناك. وبين عامي 2011  و 2013، أُطلِقَت النيران على أكثر من 122 بحريني من قِبَل القوات الأمنية للنظام. وقد جرى هذا كلُّه على بعد أميال قليلة من الأسطول الخامس للقوات البحرية الأميركية والتي تتخذ من الجزيرة الصغير موقعاً لها.

وبالرغم من إدعاء السعودية دعمها للثوار المعتدلين في سوريا مثل بقايا الجيش السوري الحر، إلا أن السلاح الذي يُعطى لمثل هؤلاء الثوار يمكن أن يصل إلى جماعات متطرفة كأحرار الشام وجبهة النصرة على سبيل المثال. فقد عززت التدخلات السعودية من قوة الإسلاميين المتطرفين على حساب القوات المؤيدة للديمقراطية. إن الطموح الأساسي للسعودية في سوريا هو الفوز على إيران في حرب بالوكالة بدلاً من جلب الديمقراطية للمواطنين السوريين.

صياغة العلاقات المستقبلية

ينبغي ألا يُنظر لواشنطن كداعم غير مشروط لقوة مضادة للثورات كالمملكة العربية السعودية، فالنظرة التي يتبناها أمثال البروفيسور في جامعة تكساس إيه آند إم جريجور جوز والسفير الأميركي السابق في تركيا والعراق جيمس جيفري، والتي يجاججون فيها على أن الولايات المتحدة لا تمتلك خياراً سوى الاستمرار في دعم النظام ضمن سياق الواقع العربي غير المستقر والمليء بالعنف، هي الرؤية قصيرة النظر. فكما هو الحال بالنسبة لإيران، لا يمكن اعتبار السعودية قوة داعمة للاستقرار بقدر ما هي مَلَكية قائمة على رد الفعل، حيث تسعى لبقاء حلفائها من الأنظمة السلطوية في العالم العربي. لقد أسهمت تدخلاتها في المنطقة بفشل الحراك الأصيل الساعي نحو الديمقراطية والذي بدأ في 2011.

ينبغي أن يكون الدعم الأميركي مشروطاً بتقديم النظام لإصلاحات سياسية حقيقية بدلاً من مجرد وضع بعض التحسينات، كما ينبغي على واشنطن أن تضغط على الملك سلمان وخليفته ليضعوا البلاد على الطريق المؤدّي نحو حكومة حرة ومُنتَخَبة، فالإصلاحات السياسية، وحدها، هي ما يُمكن أن يفتح المجال العام بشكل حقيقي وتكبح جماح التطرف. وقد تتمكن حكومة ديمقراطية من امتصاص اندفاعات الجهاديين، وبث الأمل في نفوس المهمَّشين والشباب الغاضب، ووضع دولة السعودية على الطريق الصحيح لتدخل القرن الحادي والعشرين على أرضية صلبة وكدولة وطنية حديثة. كما ينبغي أن تكون عملية بيع وتجارة السلاح مع السعودية بالنسبة لواشنطن مشروطة بانفتاح النظام السعودي على مثل هذه الإصلاحات السياسية.

إنّ إجبار السعوديين على دفع تكاليف الحماية – كما اقترح ترامب – لا يعتبر حلاً، وفعل ذلك لن يؤدي ذلك إلى ظهور أميركا بمنظر المرتزقة فحسب، بل ستمكِّن النظام السعودي ومن لفَّ لفه من الاستمرار بنشاطه الابتزازي الجيوسياسي. لا تعتبر سردية 'إما نحن أو الإرهابيين' سرديةً منطقية يتبناها النظام، فمثل هذا الخطاب سيؤدي إلى تقويض قدرة السعوديين على تخيل مستقبل تتربع فيه دولتهم بسلام في مراتب الأمم العليا التي تحترم مواطنيها وتحترم المجتمع الدولي. يمتلك ترامب الآن فرصة إعادة ترتيب العلاقات الأميركية-السعودية بطريقة تحمي المصالح القومية للولايات المتحدة. وفي هذه المناسبة، يعتبر الاستمرار بذات السياسة السابقة أمراً خطراً بشكل كبير.

التعليقات