27/03/2017 - 13:49

حظر الإلكترونيات في الطائرات... قرار أمني أم اقتصادي؟

قامت الولايات المتحدة بإصدار قرارٍ أمني يمنع المسافرين من حمل أجهزة اللابتوب والكاميرات وأجهزة التابلت – ما عدا الهواتف النقالة – على متن الطائرات المتوجهة من عدّة بلدان من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الولايات المتحدة.

حظر الإلكترونيات في الطائرات... قرار أمني أم اقتصادي؟

ترجمة خاصة: عرب 48

 

قامت الولايات المتحدة بإصدار قرارٍ أمني يمنع المسافرين من حمل أجهزة اللابتوب والكاميرات وأجهزة التابلت – ما عدا الهواتف النقالة – على متن الطائرات المتوجهة من عدّة بلدان من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الولايات المتحدة.

تتضمن القائمة جميع المسافرين من عمّان والقاهرة واسطنبول وجدة والرياض والكويت والدار البيضاء والدوحة ودبي وأبو ظبي. كما سيؤثر القرار على جميع من له صلة بهذه المطارات؛ حيث لا يوجد طائرات تتوجه بشكل مباشر إلى الولايات المتحدة من تلك المطارات.

من الجدير بالملاحظة أنّ أبو ظبي مُدرجة ضمن القائمة. يوجد في مطار أبو ظبي مكتب للجمارك الأميركية، مما يعني وجود عددٍ كبيرٍ من موظفي الجمارك الأميركيين في مبنى المطار. يقول جهاز الأمن القومي الأميركي "أنّ الفائدة التي يجنيها أمن الطيران من التفتيش مهمة جداً، لأن المفتشين الأميركيين الرسميين يُقابلون المسافرين قبل ركوب الطائرة، وهذه الخطوة الأمنية الإضافيّة تقدِّم فرصة أكبر للكشف عن التهديدات المحتملة وإيقافها مبكراً قدر الإمكان".

وإذا أشار جهاز الأمن القومي إلى أن الإجراءات الأمنية في مطار أبو ظبي إجراءاتُ ضعيفة، فإنه لذلك يتَّهم نفسه.

لا يشير جهاز الأمن القومي الأميركي إلى طبيعة التهديدات التي أدّت لقرار الحظر الجديد، وهو ما يجعل الأمر غير واضح بما فيه الكفاية. فهذا لا يفسر لماذا يُمكن أن تنفجر قنبلة على متن الطائرة لا في صندوق الأمتعة، ولا لماذا اشتمل القرار على المسافرين فقط وليس على موظفي الطائرة. وفي حين يُقدّم جهاز الأمن القومي إجابات عن 30 سؤالاً متكرراً عن قرار الحظر، فإن الكلمات المُستعملة في الإجابات كلمات مراوغة؛ لا تعزز إلا مقولة "ثق بنا". ولكن كلما فكر المرء أكثر في أي جانب من جوانب قرار الحظر، فإنّه سيُدرك أنه لا معنى له من الناحية الأمنية.

وهناك جانب آخر، فحين تُوضع الأجهزة التي تحمل بطارية ليثيوم في صناديق الأمتعة؛ فإن إدارة المطار تخلي مسؤوليتها عن أي ضرر يمكن أن يحدث لأجهزة اللابتوب والكاميرات الموضوعة في صندوق الأمتعة. وهو ما يعني أن أي شخص يتنقل عبر المطارات التي اشتملها القرار فهو معرَّض لخسارة آلاف الدولارات جرَّاء إمكانية تضرر الإلكترونيات التي بحوزته. لذا فمن الجائز القول بأن المسافرين لأميركا لن يعودوا لاستخدام تلك المسارات في غالب الأحيان.

لا بد لي أن أفكر بتفسير آخر لما يحدث هنا. مفاجأة: هناك تفسير آخر!

منذ أعوام عديدة، كانت الخطوط الجوية الثلاث الأساسية للولايات المتحدة (American وDelta  وUnited) تخوض حرباً ضد طيران الإمارات (القائم مقرُّه في دبي) وطيران الاتحاد (القائم في أبو ظبي) والخطوط الجوية القطرية (في الدوحة) ضمن معركة غير منتهية  سميت بـ US3 vs. ME3 (الخطوط الجوية الثلاث للولايات المتحدة US3  ضد الخطوط الجوية الثلاث للشرق الأوسط الثلاث ME3).

تقول الخطوط الجوية الأميركية بأن الخطوط الجوية الشرق أوسطيّة تتلقى معونات مالية هائلة من الحكومة بحيث تمكِّنها من توفير خدمات بجودة عالية ولكن غير مربحة لرحلاتها للولايات المتحدة، وهو ما يُضر بشركات الطيران الأميركية. وتقول أيضاً أنّ مطارات الخطوط الجويّة الشرق أوسطيّة تتواطأ مع بعضها البعض ومع إدارة المطارات والحكومات لتدعم عملياتها بطريقة لا تُمكّن أنظمة الطيران التجارية البحتة – في البلدان ذات النظام الاقتصادي المفتوح - من منافستها. في حين تقول مطارات الخطوط الجويّة الشرق الأوسطيّة بأن مطارات الأميركية لا تقوم سوى بحسد الآخرين على ما لديهم، بدلاً من الاستثمار في منتجاتها.

ليست النقطة المحورية هنا متعلقة بالرحلات من الولايات المتحدة إلى بلدان الشرق الأوسط، بل ما حصل في عام 2013، عندما بدأ طيران الإمارات بعمل رحلات بين الولايات المتحدة وأوروبا (عن طريق خطوطه)، لتقف في وجه مسارات الخطوط الجوية التابعة للولايات المتحدة، الأكثر ربحية.

وهنا يأتي المغزى من اشتمال الحظر على الرحلات التي تمر بالخطوط الجوية التابعة للدول المشمولة بالقرار، لأن معظم نشاط طيران الخطوط الجويّة الشرق أوسطيّة هي في الرحلات المتصلة (الترانزيت). (لا أحد يود الذهاب للدوحة)، وهذا يؤدي إلى ضعف جاذبيّة الخطوط الجوية الشرق أوسطيّة، للمسافرين الراغبين بالذهاب إلى الولايات المتحدة.

هناك أكثر من طرفين في هذه المعركة، شركة الخطوط الجوية جيت بلو JetBlue تصطف مع شركات النقل في الشرق الأوسط بسبب الاتفاقايات المشتركة، كما تقف شركة فيديكس مع الخطوط الجوية الشرق أوسطيّة، لأنها لا تريد انتهاك شبكة الاتفاقات التي تمكِّنها من نقل البضائع حول العالم. في حين تقف اتحادات العمل في الولايات المتحدة إلى جانب شركات الطيران الأميركية.

كما إنّ إضعاف الخطوط السعودية والكويتية والملكية الأردنية يخدم هدفاً ثانوياً بالنسبة للإدارة الأميركية، والتي كانت تحاول منذ عدة أشهر تصعيب رحلات سكَّان الشرق الأوسط للولايات المتحدة. عملت المحاكم على إيقاف القيود المتزايدة التي تفرضها إدارة ترامب على الهجرة، ولكنّ هذه القوانين الأمنية لا تأتي ضمن نفس مستوى المرافعة القضائية.

حسناً، فلنعد للتكنولوجيا

أظهر قرار الحظر تحوّلاً كبيراً في طريقة استعمال المسافرين للتكنولوجيا خلال السنوات الخمس الماضية، وهو ما كنت أسمعه من الفنادق وشركات الطيران.

لقد أصبحت شاشات التلفاز مغلقة في غالب الوقت في غرف الفنادق، بحكم توجه المسافرين نحو استخدام أجهزتهم الخاصة. وقد أصبحت الفنادق تفكِّر مالياً في إمكانيات استعمال أجهزة التلفاز كشاشات للأشياء التي يُحب الزوّار مشاهدتها فعلاً؛ سواء من خلال تزويد أجهزة التلفاز في الفندق بخدمة Netflix كما في فندق الماريوت في نيويورك، أو وصل التلفاز لاسلكياً بالهاتف كما في فندق الدلتا في تورنتو.

كما أصبحت الشاشات المثبَّتة على الكراسي في الطائرات غير ذات مغزى مع توجّه الناس أكثر نحو أجهزة التابلت واللابتوب وهواتفهم الخاصة ليشاهدوا الفيديوهات من خلالها. وقد طوَّرت شركة Gogo – وهي الشركة التي صنعت نظام الإنترنت اللاسلكي في الطائرات – منتجاً لبث الأفلام على جهازك الخاص بدلاً من مجرَّد مشاهدتها على الشاشة المثبَّتة.

إذا أردت أن تستمتع خلال رحلةٍ مدتها 10 ساعات بدلاً من ملأ وقتك بالإنتاجية، فإنّ الهاتف سيكون كفيلاً بذلك، هكذا أمضيتُ رحلة من 14 ساعة من مدينة سول: أقوم بتحميل مجموعة من الفيديوهات على بطاقة الذاكرة، ثم أضع سماعات الأذن العازلة للأصوات الخارجية، لأشاهدها على جهازي سامسونج جلاجسي S7، وهو أمر سهل، خاصة مع إمكانية تشغيل الفيديوهات من Netflix وAmazon من دون إنتنرنت.

ولكن المسافرين من رجال الأعمال يعملون على استعمال أجهزة اللابتوب خلال الرحلة. ورحلة من دون تكنولوجيا أو مع بعض القيود لن تكون رحلة مناسبةً بالنسبة لعام 2017. ومن خلال استهداف أجهزتنا، ستتمكن الحكومة من هزيمة شركة خطوطٍ جويةٍ بأكلمها، وأنا على قناعة بأنّ هذا هو ما يفسِّر ما يحاولون فعله الآن.

التعليقات