10/06/2017 - 12:49

"يبدو وجهك مألوفًا": علماء يكتشفون آلية نظام التعرف على الوجوه

يمتلك الدماغ مساحة واسعة لتذكر الوجوه، فبإمكانه التعرف على أي وجه في غضون آلاف الأجزاء من الثانية، من لحظة أخذ الانطباع عن صاحبها وحتى استعادة ذكراه، بغض النظر عن قدمها.

"يبدو وجهك مألوفًا": علماء يكتشفون آلية نظام التعرف على الوجوه

(pixabay)

ترجمة خاصة: عرب ٤٨

يمتلك الدماغ مساحة واسعة لتذكر الوجوه، فبإمكانه التعرف على أي وجه في غضون آلاف الأجزاء من الثانية، من لحظة أخذ الانطباع عن صاحبها وحتى استعادة ذكراه، بغض النظر عن قدمها.

ما زالت عملية التذكر هذه أحجية معقدة، أي كيفية انطباع صورة الوجوه في الدماغ. وفي هذا السياق أعلنت الباحثتان البيولوجياتن في 'معهد كاليفورنيا للتكنولجيا' لي تشان ودوريس تساو، في العدد الثالث من مجلة Cell أنهم تمكنوا من فك شيفرة عملية إدراك الوجوه هذه.

واستندت تجاربهم على تسجيلات كهربائية من 'خلايا الوجه'، وهو اسم يُطلق على الخلايا العصبية التي تستجيب بإرسال إشارات كهربائية عندما يُعرض وجه أمام شبكية العين.

ومن خلال تسجيل استجابات خلايا الوجه الخاصة بقرد 'المكاك' لمجموعة من صور وجوه 2000 شخص، حيث اكتشف فريق معهد كاليفورنيا ماهية الجوانب المحددة في الوجوه التي تثير الخلايا وكيف يتم انطباع تفاصيل الوجه. ويظهر أن نظام التعرُّف على الوجوه عند القردة يشبه النظام الموجود عند الإنسان بشكل كبير.

قرد المكاك

يقول علماء الأحياء أن عملية التعرف على الوجوه تتطلب 200 خلية من خلايا الوجه فقط. فبعد اكتشاف آلية فك التشفير، تمكَّن علماء الأحياء، من إعادة بناء الوجوه التي كان ينظر إليها القرد من خلال مراقبة النمط التي تُثار فيه خلايا الوجه.

لا بدَّ من التأكيد على هذه النتائج مع المختبرات الأخرى، ولكن إذا كان هذا صحيحاً، فإنه سيساعدنا على فهم آلية فك تشفير الدماغ للأشياء التي يراها، كما سيساهم في فتح آفاق جديدة في الرؤية الصناعية.

يقول براد دوتشين، الخبير في تعرُّف الوجوه في كلية دارتموث أن 'إدراك فك شيفرة الوجوه ستكون لها نتائج مهمة'.

ويضيف أنه لتقدُّم بارز أن نتمكن من التعرُّف على الأبعاد التي توظِّفها أدمغة الكائنات الرئيسية لفك شيفرة الوجوه، كما يؤكد أنه لأمر مثير أن يتمكن الباحثون من تفكيك الوجوه التي ينظر إليها القرد عن طريق الإشارات العصبية.

طوَّرت أدمغة البشر والقرود أنظمة متخصصة بالتعرف على الوجوه، وقد يعود ذلك إلى أن بقاءها – باعتبارها حيوانات اجتماعية – يعتمد على التعرف على أعضاء الجماعة التي ينتمي إليها الفرد وتمييزها عن الغرباء.

ففي كلا الكائنين، يتألَّف نظام التعرُّف على الوجوه من خلايا الوجه التي تتجمع في بُقَع تضم ما لا يقل عن 10000 خلية في كل بقعة. هناك ست بقع في كل جانب من جوانب الدماغ، تقع في قشرة الدماغ أو على السطح أو خلف الأذن.

عندما تنعكس صورة الوجه على شبكية العين، تتحول إلى إشارات كهربائية. وتنتقل هذه الإشارات عبر خمس أو ست مجموعات من الخلايا العصبية وتتم معالجتها في كل مرحلة قبل أن تصل إلى خلايا الوجه. وكنتيجة لذلك، تستقبل هذه الخلايا معلومات متقدِّمة حول شكل وتفاصيل الوجه.

أحد الطرق التي يمكن أن يتعرف بها الدماغ على الوجوه هي أن يقوم ببساطة بتخصيص خلية واحدة لكل وجه. وبالتأكيد، هناك خلايا في جوانب أخرى من الدماغ تقوم بالاستجابة لصور أشخاص معينين.

تُعرف هذه الخلايا بالنسبة لعلماء الأعصاب بخلايا جينيفر أنيستون، وذلك بعد أن استجابت خلية خلال عملية جراحية لمريض بالصرع في عام 2005 عندما شاهد المريض صوراً للممثلة، حيث تجاهلت الخلية جميع الصور الأخرى، بما فيها صورتها مع الممثل براد بيت.

جينيفير أنستون وبراد بيت

ولكن لا يمكن أن تكون هذه هي الطريقة التي يتعرَّف بها الدماغ على الوجوه، لأننا نستطيع إدراك وجه لم يسبق أن رأيناه من قبل. وبدلاً من ذلك، اكتشف فريق معهد كاليفورنيا أن خلايا الوجه الخاصة بالدماغ تستجيب للأبعاد والتفاصيل لوجه معين بطريقة بسيطة وتجريدية.

قام علماء الأحياء من خلال تجاربهم بتحديد مجموعة من خلايا الوجه في دماغ قرد المكاك، من خلال التصوير الرنيني المغناطيسي، ومن ثمَّ تفحُّص خلايا الوجه منفردة من خلال شحنات كهربائية بسيطة تقوم بتسجيل إشاراتهم.

عُرِضَ على القرود صور لوجوه بشرية تم تعديلها بشكل ممنهج لتُبرِزَ الاختلافات في الحجم والمظهر وتفاصيل الوجه.

تستجيب الخلايا في المستويات العليا من الدماغ عادةً لمزيج من الأشياء، مما يجعل تحديد وظيفة الخلية أمرا صعبا. ولكن تمكَّن فريق معهد كاليفورنيا من تصميم وجوه تحدد الإشارة التي تنضبطُ عليها كل خلية من خلايا الوجه.

حيث تنضبط كل خلية للوجه على مزيج من أبعاد الوجوه، وهو نظام شامل يفسِّر لنا لمَ قد يتأخر الأصدقاء في إدراك شارب صديقهم المحلوق. ويشير الفريق أن التعرُّف على وجه يتطلب 50 بعداً.

تخلق هذه الأبعاد 'فضاء وجوه' ذهني يتيح إمكانية التعرُّف على عدد لا نهائي من الوجوه. يمكن أن نقول إن هناك شكلاً معيارياً للوجه، أو شيء من هذا القبيل، يشكِّل نقطة ارتكاز، ليقوم الدماغ بقياس الانحرافات عن تلك النقطة.

يقف أي وجه جديد على بُعد خمس وحدات عن الوجه المعياري في بعد واحد، وسبع وحدات عن البعد الآخر، وهكذا. وتقوم كل خلية وجه بقراءة مزيج المتجهات لحوالي ستة أبعاد، ومن ثم تعمل الإشارات القادمة من الـ 200 خلية وجه مجتمعة على التعرُّف على الوجه المطلوب.

قالت د. تساو إنها انبهرت من جزئية محددة، وهي أنها اكتشفت قدرتها على تصميم سلسلة من الوجوه لا تقدر خلايا وجه معينة على التعرف عليها، لأنها تفتقد لمزيج الأبعاد الخاص بها. وهذا يشير إلى وجود نظرية بديلة ممكنة لطريقة التعرف على الوجوه، وهي أن خلايا الوجه تقوم بمقارنة الصور المنعكسة مع مجموعة من الوجوه المرجعية المعيارية لتبحث بعدها عن الاختلافات.

قالت نانسي كانويشر، عالمة الأعصاب من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنه كان تقدماً أساسياً أن نصِفَ ما تقوم به خلية الوجه وتوقع طريقة استجابتها للمثيرات الجديدة. ولكنها تقترح أن الأمر يحتاج لأكثر من 50 بُعدا لالتقاط المنظور البشري الغني والمتكامل وإدراك فرادة كل وجه على حدة.

وتتساءل 'هل نحتاج بعداً خاصاً بحاجبي جاك نيكلسون؟'.

جاك نيكلسون في دور "الجوكر"

تعمل د. تساو في مجال خلايا الوجه منذ 15 عاماً واعتبرت تقريرها الجديد برفقة د. تشانغ كـ 'تتويج لجميع الجهود السابقة'. وتقول إنها تأمل أن تعمل اكتشافاتها الجديدة على استعادة الشعور بالتفاؤل في العلوم العصبية.  

تم تحقيق التقدم في التعليم عبر الآلات بفضل التدريب على يد محاكيات مُبرمَجة لشبكة عصبية تتضمن مهامٍ محددة. وبالرغم من نجاح الشبكات، إلا أنها لا زالت صندوقاً أسود بسبب صعوبة فك شيفرة الكيفية التي حققوا بها نتائجهم.

وقالت: 'وقد أعطى ذلك العلوم العصبية شعوراً بالتشاؤم بأن الدماغ يشبه الصندوق الأسود، ولكن تقدِّم ورقتنا نموذجاً مقابلاً لذلك، فنحن نسجِّلُ من الأعصاب ضمن أعلى مستويات أنظمة الإدراك وبإمكاننا أن نرى أنه ليس ثمة صندوق أسود. وأراهن أن هذا ينطبقُ على مستوى الدماغ بأكمله'.

التعليقات