29/06/2017 - 23:07

لماذا عادت الاشتراكية كقوة سياسية متنامية؟

ما هي الاشتراكية؟ إنها في أبسط التعريفات نظام سياسي واقتصادي تكون فيه وسائل الإنتاج والموارد الأساسية مملوكة للمجتمع، وتأتي الاشتراكية في عدة أشكال كما تمت ممارستها بدرجة عالية من التنوع حول العالم.

لماذا عادت الاشتراكية كقوة سياسية متنامية؟

جيريمي كوربين

ترجمة خاصة: عرب 48

بلغت الاشتراكية ذروتها في القرن العشرين عندما تم تبني أفكارها في عدد من الدول، وبتأويلات متعددة لرسالتها الأصلية. وفي الواقع، سيحاجج البعض بأنه لم تتشكل إلى الآن أي صورةٍ نقية عن الاشتراكية. ولكن عادت الاشتراكية الآن بشكل قوي في القرن الواحد والعشرين لعوامل تعود لازدياد التفاوت الاقتصادي وحالة الغضب من الطبقة السياسية الحاكمة وبروز النخب السياسية الاشتراكية الكبيرة والمؤثرة مثل بيرني ساندرز في الولايات المتحدة وجيريمي كوربين في المملكة المتحدة، والذي يحظى بدعم هائل من الشباب.

كما بدأت تبرز موجةٌ جديدة من المفكرين الاشتراكيين الذي يتتبعون الندوب التاريخية التي أصابت الحركة من أجل صياغة اشتراكية جديدة قادرة على التعامل مع تحديات اليوم.

ما هي الاشتراكية؟ إنها في أبسط التعريفات نظام سياسي واقتصادي تكون فيه وسائل الإنتاج والموارد الأساسية مملوكة للمجتمع، وتأتي الاشتراكية في عدة أشكال كما تمت ممارستها بدرجة عالية من التنوع حول العالم.

نشرت مجلة جاكوبين، وهي مجلةٌ تشتهر بـ"تقديم تصورات اشتراكية" في القضايا السياسية والثقافية، كتيبًا إرشاديًا حول كيفية إعادة تعريف الاشتراكية للعصر الحديث. وفي هذا الكتيب، يصف محرره بسكار سونكارا الاشتراكية بأنها طريقة بناء ذاك النوع من العالم الذي لا يستفيد فيه الناس من الآخرين من أجل مصلحتهم الشخصية بل من أجل تحقيق الفائدة للمجموع. وبالنسبة لسونكارا فالاشتراكية هي "إلغاء الملكية الخاصة للأشياء التي نحتاجها ونستخدمها جميعًا، كالمصانع والبنوك والمكاتب والموارد الطبيعية والوسائل والتواصل والنقل، وتحويلها للملكية المجتمعية، مما يقوِّض من سيطرة النخب على تخزين الثروة والسلطة".

ستزول الملكية الخاصة للأشياء، ولكن ستبقى الملكية الشخصية. حيث يقول سونكارا ساخرًا إن الحكومة لن تسلب منك "تسجيلات المغني كيني لوغينز".

وفي هذا الكتيب، يحاول الكتَّاب والمحررون في مجلة جاكوبين أن يحلوا بعض الالتباسات المرتبطة بالاشتراكية. حيث يحاججون بشكل أساسي بأن الكثير من الناس يحاولون ربط أي نوع من المؤسسات الحكومية بالاشتراكية، ولكن بمجرَّد كون هذه المؤسسات جزءًا من الحكومة لا يعني أنها حكومة اشتراكية بالضرورة. وفي الحقيقة، يعرف الإنسان العادي الذي يفهم في السياسة كثيرًا أن وجود مصالح للشركات ضمن الحكومة ستجعل أي "نشاط تقوم به الدولة نافعًا لمصالح الرأسماليين وعلى نحو غير متلائم، وذلك على حساب أي شيء آخر" وذلك بحسب ما كتبه كري مايسانو في هذا الكتيب.

كما تقدِّم المجلة دفاعًا ضد التهمة القائلة بأن أن المآل الحتمي للاشتراكية هي الحكومات السلطوية. حيث يوضِّح جوزيف سكوارتز كيف أن الماركسيين والاشتراكيين الأوروبيين لا يتوقعون أن الأحزاب الثورية ستحاول صياغة اشتراكية "في مجتمعات زراعية واستبدادية" كروسيا والصين.

وكتب سوارتز "إن دول الحزب الواحد الشيوعية تشبه كثيرًا الدول الرأسمالية الاستبدادية "المطوَّرة" السابقة وفي العديد من الجوانب، مثل بوروسيا واليابان في أواخر القرن التاسع عشر، وكوريا الجنوبية ما بعد الحرب وتايوان أيضًا، أكثر مما تشبه رؤية الديمقراطية الاشتراكية. فهذه الدول تضع أولوية للصناعات التي تقوم عليها الدولة فوق الحقوق الديمقراطية، خاصة فيما يتعلق بالحركات العمالية المستقلة".

والوصفة التي تقدمها مجلة جاكوبين لبناء دولة أكثر اشتراكية هي أن يتم حشد الناس من خلال التعليم والمشاركة المباشرة في الحكومة.

هل يعد بيرني ساندرز اشتراكيًا؟

يعتبر ساندرز من أشهر الناشطين السياسيين في الولايات المتحدة بحسب الاستطلاعات، ولكنه ليس اشتراكيًا بما فيه الكفاية، وذلك بحسب محرري مجلة جاكوبين. يدعوه نعوم تشومسكي بـ"التاجر الجديد الصادق والمحترم". وقد عبَّر ساندرز بنفسه عن العلامة الفارقة، فقد وصف نموذجه السياسي بالديمقراطية الاشتراكية. ويشير عادةً إلى البلاد الاسكندنافية كنموذج لما يريد أن تكون عليه الولايات المتحدة. إن الفكرة الأساسية التي يتبناها ساندرز من أجل تقليص اللامساواة الاقتصادية والحد تأثير السياسة على المال تقوم على المطالبة بتمثيل أوسع للأميركيين من اليسار إلى اليمين.

ولمواجهة الأفكار النمطية السلبية عن الاشتراكية، يستعير ساندرز سياسات "الصفقة الجديدة" التي تبناها فرانكلين روزفلت والتي اعتُبِرَت كسياسات "اشتراكية"، حيث يطالب بمأسسة الأمان الاجتماعي والحد الأدنى للأجور. كما يربط ساندرز رؤيته للعالم بمارتن لوثر كينغ فينادي بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية.

وبالنسبة لساندرز، فإن التعليم وتيسير السكن وتوفير التأمين الصحي الشامل تمثِّل جميعها حقوقًا عامة بدلًا من كونها سلعًا خاصة يتم توظيفها لتحقيق الربح. ولكن لم ينادي بتأميم أي قطاع صناعي، حيث قال "لا أعتقد بضرورة امتلاك الحكومة وسائل الإنتاج".

كما عرَّف "الديمقراطية الاشتراكية" بنفسه في عام 2015 واعتبرها نظام ضروري في مجتمع تتزايد فيه حالة اللا مساواة.

حيث قال ساندرز "تعني الديمقراطية الاشتراكية أننا يجب أن نصوغ اقتصادًا يعمل مع الجميع، لا لصالح الأغنياء فقط. تعني الديمقراطية الاشتراكية أننا يجب أن نصلح النظام السياسي في أميركا اليوم والذي لا يتسم بالظلم الفادح فحسب بل بالفساد أيضًا وفي العديد من الجوانب"، ويضيف قائلًا: "بالنسبة لي، فقد حان وقت تحقيق الديمقراطية الاشتراكية للعائلات العاملة، وليس في وول ستريت وبين المليارديريين والشركت الكبيرة فقط".

هل يعد جيرمي كوربين اشتراكيًا؟

إن زعيم حزب العمال البريطاني، والذي فاز بنتيجة مفاجئة من المقاعد ضد حزب المحافظين الحاكم في الانتخابات الأخيرة، يُعتَبَرُ أيضًا "ديمقراطيًا اشتراكيًا". يتضمن برنامج حزب العمال 2017، والمعنون بـ"للجميع وليس للقلة"، خططًا لإعادة تأميم سكة الحديد وخدمات البريد والمياه، وإلغاء رسوم الدراسة الجامعية، وزيادة الحد الأدنى للأجور والنفقات على العناية الصحية الوطنية، بالإضافة لرفع الضرائب على الأغنياء. وتقترب الكثير من هذه الأفكار لليسار بشكل أكبر مما قدمه ساندرز في الولايات المتحدة.

عملت رسالة كوربين على تحفيز الناخبين الشباب بشكل خاص، حيث كانت نسبة الداعمين لحزب العمال والتي تتراوح أعمارهم بين 18 و24 هي 70%. إلى أي درجة يمكن أن يحظى بها هذا النوع من الأفكار بالدعم؟ تُظهِرُ الاستطلاعات الأخيرة اتساع الدعم الموجه للحزب، حيث يتقدم بفارق 5% عن حزب المحافظين وبقيمة 46%. كما أن قبول شخصية كوربين كبير جدًا، وأكثر من قبول شخصية رئيسة الوزراء تيريزا ماي.

لنفهم أسباب استمرار الدعم للأفكار الاشتراكية في زمننا، يبنغي علينا أن نتوجه لألبرت أينشتاين. فهو أحد أعظم المفكرين في العالم الذين رأوا آثار الاشتراكية في زمنه، حيث كتب أينشتاين مقالة بعنوان "لماذا الاشتراكية" في عام 1949، وما زالت تتردد بعض أصداءها إلى اليوم.

ينتقد أينشتاين الرأسمالية لميلها لأن تصبح شكلًا من أشكال الأوليغارشية (حكم الأقلية) حيث "يميل رأس المال الخاص لأن يتركَّز بين يدي فئة قليلة"، ومن الصعب أن تتم "مراقبتها بفعالية حتى ضمن مجتمع تسوده السياسة الديمقراطية". ويحدث ذلك لأن الرأسماليين يتحكمون بوسائل الإعلام الجماهيرية الأساسية (بما فيها التعليم)، كما يأتي أعضاء الحكومة من الأحزاب السياسية التي تحظى "بتمويل كبير أو بتأثير من ملاك رأس المال الذين يعزلون، لغايات عملية بحتة، جمهور الناخبين عن السلطة التشريعية". وكنتيجة لذلك، بحسب أينشتاين، لا يقوم هؤلاء الممثلين بـ"الحماية الفعالة" لمصالح الناس المحرومين.

هل يبدو هذا الكلام مألوفًا؟ فمع بروز التحديات في الوقت الحاضر والتي تشبه التحديات التي جاءت قبل 70 سنة، فلن يكون من المفاجئ إذًا عودة الحلول مثل الاشتراكية. وبالتأكيد، برزت مع ذلك مخاوف عودة موضة الفاشية.

يرى أينشتاين في المؤسسة القائمة على "الاشتراكية الاقتصادية" والتي تأتي مع نظام تعليمي يتوجه نحو أهداف اجتماعية أنها هي المؤسسة الكفيلة بدفع المجتمع إلى الأمام.

حيث كتب أينشتاين "في مثل هذا الاقتصاد، تكون وسائل الإنتاج مملوكة من قِبَل المجتمع ذاته، ويتم استخدامها ضمن خطط واضحة. فوجود اقتصاد مخطط، والذي يعمل على توجيه عملية الإنتاج لتلبية حاجات المجتمع، سيؤدي إلى توزيع العمل ليتم إنجازه بين أولئك القادرين على العمل وسيضمن سُبُلَ الرزق لجميع الرجال والسناء والأطفال. كما أن تعليم الفرد، وذلك بالإضافة لتعزيز قدراته الفطرية، سيعمل عل تطوير شعوره بالمسؤولية أمام زملاءه في مقابل حالة تمجيد السلطة، وسيؤدي إلى نجاح مجتمعنا الحاضر".

ولكن كان أينشتاين حذرًا بعض الشيء، وقد يعود ذلك ربما إلى وجود الاتحاد السوفيتي، حيث كان يخشى من إمكانية أن يقود الاقتصاد المخطط إلى "استعباد كامل للفرد" عن طريق البيروقراطية، ورأى ضرورة إيجاد الاشتراكية لحل لمسألة حماية حقوق الفرد.

فلنضع دروس التاريخ جانبًا، فالاشتراكية تستعيد قوتها اليوم. حيث أظهرت الاستطلاعات وجود نسب بين 30% وحتى 60% من الناخبين الديمقراطيين الذين يفضلون بعض الأفكار الاشتراكية، كما بينت أيضًا أن 50% من أبناء جيل الألفية يتبنون موقفًا إيجابيًا اتجاه الاشتراكية. ومع استمرار وجود الأتمتة التي باتت تشكل أزمة في العمل حول العالم، فهذا يعني أن القضايا التي تدور حول ملكية الموارد الضرورية وتوزيع الثروة ستبقى حيويةً دائمًا.

اقرأ/ي أيضًا | ترامب التقليدي!

 

التعليقات