07/07/2017 - 17:43

مباحثات ترامب وبوتين... إلى أين؟

يثير لقاء دونالد ترامب مع الزعيم الروسي بوتين حالة من القلق بين نخبة من الدبلوماسيين والمحليين الأمريكان بسبب عدم التوازن القائم بين رئيس الولايات المتحدة المستجد على القضايا الدولية وبين مسؤول مراوغ سابق لعمليات التجسس ومتمرِّس في لعبة الإستراتيجية وإدارة

 مباحثات ترامب وبوتين... إلى أين؟

(ترجمة خاصة: عرب 48)

يثير لقاء دونالد ترامب مع الزعيم الروسي بوتين حالة من القلق بين نخبة من الدبلوماسيين والمحليين الأمريكان بسبب عدم التوازن القائم بين رئيس الولايات المتحدة المستجد على القضايا الدولية وبين مسؤول مراوغ سابق لعمليات التجسس ومتمرِّس في لعبة الإستراتيجية وإدارة الدول.

فاللقاء الذي تم في قمة مجموعة العشرين تعِدُ بصياغة طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا خلال الأربع سنوات القادمة. عمِلَ بوتين – وهو الرئيس أو رئيس الوزراء في روسيا منذ عام ١٩٩٩ – على إجراء لقاءات شخصية مع الرؤساء السابقين كي يحاول أن تكون له اليد العليا عليهم.

ثمة مجموعة واسعة من القضايا العالقة والحرجة، بما فيها استمرارية العقوبات المفروضة على روسيا، ومراقبة السياسات التوسعية لبوتين في أوكرانيا، وإعاقة برنامج الأسلحة النووية الخاص بكوريا الشمالية، وإدارة الصراعات على سوريا وإيران، ومنع التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية والأوروبية.

سيُبرِز أي لقاءٍ بين الرئيسين درجة الاختلافات القائمة بينهما في التوجهات الدبلوماسية، فقد أظهر بوتين نفسه كرجل خبير وتكتيكي يفكر ملياً قبل أن يتحرك، ويصعب تحييده عن تحقيق أهدافه. في حين يُعرَف ترامب بتجنبه للتحضيرات المسبقة ويتحرك بدلاً من ذلك بناءً على ما يشعر به، حيث يضع الكثير من الثقة على ما يعتبره قدرةً على قراءة الأوضاع المحيطة به. لكن في حالة بوتين، وهو شخص متدرب على الخداع، فسيكون من الصعب فعل ذلك، خاصة إذا ما حاول الرئيس الروسي أن يعطِّل فاعلية ترامب من خلال المديح والإشادة الشخصية.

يقول وليام بيرنز، السفير الأمريكي السابق في روسيا خلال فترة الرئيس الجمهوري جورج بوش ورئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن بوتين "يحترف محاولات التلاعب بالناس"، ويضيف قائلاً: "سيكون مسلحاً بشكل جيد، ومن الضروري أن نكون نحن كذلك أيضاً".

اجتماع عادي

أكَّد البيت الأبيض الثلاثاء الماضي على أن الاجتماع سيكون عصر يوم الجمعة وأنه سيكون "اجتماعاً ثنائياً عادياً"، ولم يضيفوا أي تعليقٍ إضافي. من المتوقع أن يتباحث الزعيمان في مجموعة من القضايا خلال الاجتماع، والذي من المتوقع أن يستمر لـ ٣٠ دقيقة. غادر ترامب واشنطن يوم الأربعاء إلى مدينة وارسو، حيث سيلتقي بدول أوروبا الشرقية الذين يسعون لإعاقة استخدام روسيا لصادرتها من الطاقة على حسابهم.

لم ينه ترامب حالة القلق المتزايدة من أمن الإنترنت والتدخل الروسي في الانتخابات، وهو ما عزز من توتر العلاقات، وذلك بحسب ما أورده مسؤول أمريكي قريب من التحضيرات.

ويضيف المسؤول أن الولايات المتحدة تنظر إلى القرصنة والتدخل من ناحية دفاعية، أي ما الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله كي تحمي نفسها، ومن ناحية عدوانية، أي هل ينبغي للولايات المتحدة أن ترد وما طريقة الرد التي يمكن أن تمنع أي تدخل مستقبلي. ويقول المسؤول أن ترامب لن يفصِّل في هذه الاعتبارات خلال الاجتماع الثنائي.

وتشارك فيونا هيل، مستشارة الشؤون الأوروبية والروسية في مجلس الأمن القومي، مع ترامب في هامبورغ، وذلك بحسب مسؤول آخر في البيت الأبيض. وقد كتبت هيل كتاباً عن بوتين وتُعتَبرُ واحدةً من أبرز خبراء الغرب في الرئيس الروسي.

بلا أجندة محددة

لا يضع كلا الطرفين الكثير من التوقعات حول الخروج بإنجازات حقيقية، مصوِّرين الاجتماع كفرصة لأن يعي كلا الطرفين بعضهما البعض. قال مستشار ترامب للأمن القومي هربرت ماكماستر في بيان موجز في ٢٩ حزيران/ يونيو أن الولايات المتحدة تتوجه نحو الاجتماع "بلا أجندة محددة" في حين قال المسؤولون الروس أن الزعماء سيركزون على الأزمات في سوريا وأوكرانيا، والحرب على الإرهاب وعلى الطلبات الروسية لإستعادة الممتلكات الدبلوماسية التي صادرها الرئيس باراك أوباما كرد على التدخل في الانتخابات.

وبالنسبة لبوتين، يمثل الاجتماع سعياً لإعادة مجرى العلاقات مع الولايات المتحدة بعد انحدارها في المسار الحرج التي سارت نحوه الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٦ مع فريق ترامب بالإضافة للأمريكيين وأعضاء الكونغروس المحمَّلين بالعداء لروسيا.

يقول نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الاتحاد الروسي فرانس كلينتسيفيتش: "أنا أعوِّل على خبرة بوتين الهائلة في العلاقات الدولية وفي بناء العلاقات الشخصية مع زعماء العالم، وهو شيءٌ نجح به باستمرار".

مجلس بوتين

قد يحصل ترامب أيضاً على بعض النصائح من بوتين حول كيفية الوقوف في وجه المسؤولين والبيروقراطيين الذين يحاولون كبح جماحه وأفكاره، وهو موضوع استعد له الرئيس الروسي خلال الأسابيع الماضية. فخلال حديثه لمجموعة صغيرة من الصحفيين في سان بطرسبورغ في الشهر الماضي، قال بوتين أن "المتخصصين والمحللين" سيستمرون في إخبار الزعماء بأن الأشياء الصعبة لا يمكن إنجازها.

وقال بوتين أيضاً: "ولكن لكي تمتلك القدرة على قول 'لا، لست موافقاً، هذا خطأ، سوف أنجح بلا شك'، فيبنغي أن تتحصَّل على شجاعة داخلية كبيرة".

من وجهة نظر الروس، فهناك توقعات منخفضة، ولكن ينبغي أن يتم هذا الاجتماع، وذلك بحسب ما يقوله أندري كورتونوف، مدير مجلس العلاقات الدولية الروسية، وهي مجموعة بحثية أسسها الكرملين.

ويقول كورتونوف: "إن أي شيءٍ يمكن أن يحصل ما عدا الفشل الكامل فسيعتبر نجاحاً بالنسبة لنا، لأنه من الضروري بالنسبة لروسيا أن تُظهر للناخبين المحليين، بل للعالم الخارجي أيضاً، أننا تمكنَّا من تحقيق شيء، أننا حققنا جزءاً مما نريد"، وبالتالي يمكن العودة إلى علاقاتٍ "أكثر استقراراً".

أمتعة روسية

تعثر ترامب في الفترة الماضية بسلسلة من التحقيقات حول التدخل الروسي في الانتخابات، وطبيعة العلاقات بين روسيا وحملة ترامب الانتخابية، وطرده لمدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي. لم تُرجِع الولايات المتحدة المجمَّعات الدبلوماسية التي استولت عليها إدارة ترامب بعد الانتخابات. كما يسعى الكونغرس للدفع بتشريعات تعزز من العقوبات المفروضة على روسيا بالرغم من معارضة ترامب لذلك.

يمتلك رئيس أميركا أوراقاً أكثر وهو يتوجه نحو روسيا، كما تمتلك الولايات المتحدة اقتصاداً وجهازاً عسكرياً أكبر وحلفاءً أكثر. ولكن بوتين رجل خبير بالجغرافيا السياسية وصاحب تجربة غنية في التعامل مع نظراءه الدوليين. لقد نظر بوش في عيني بوتين وشعر بأنه رأى "شيئاً من روحه"، بينما ذمه أوباما واصفاً إياه بالولد الكسول في آخر غرفة الصف. وقد كان كلاهما مخطأً.

قالت إيفيلين فاركاس، نائب مساعد وزيد الدفاع الأمريكي للشؤون الروسية والأوكرانية سابقاً خلال إدارة أوباما والمساعدة في المجلس الأتلانتي حالياً: "أنا قلقةٌ جداً من أن يتم استغلال الولايات المتحدة". وأضافت قائلةً بأن ترامب "يبدو شخصاً سريع التأثر بالمديح والإطراء، ويبدو أن بوتين يدرك الطبيعة النفسية الخاصة برئيسنا".

إعادة بناء العلاقات

وخلال كل ذلك، يبدو أن التفاؤل المبكر لترامب حول إعادة بناء العلاقات مع زعماء العالم الآخرين قد اصطدم بحائط الواقعية السياسية. فبعد تحجيمه للتعريفات الجمركية التجارية على الصين معتقداً بأن الرئيس شي جين بينغ سيضغط على كوريا الشمالية بعكس ما حصل في فترة أوباما، عبَّر ترامب في الأسابيع الماضية عن خيبة أمله من شي وأعلن عن مجيء وقت التهديد بالمزيد من الضغوطات المالية. كما أُعجِب ترامب بسلمان ملك المملكة العربية السعودية ليتفاجئ بأن علاقاتهم قد استغلتها السعودية ضد قطر.

يقلل رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي ديفين نونيس – وهو جمهوري من كاليفورنيا – من مخاطر التلاعب بترامب، قائلاً بأن "أوباما وبوش وكلينتون جميعهم قد وقعوا في نفس الخطأ، لذا من الصعب أن تزداد الأمور سوءاً. إن بوتين شخص سيء، ونحن نعرف ألاعيب بوتين الآن، فنحن ندرك تماماً ما الذي يريده".

يقول كورتونوف أنه من غير المرجح أن يطلب بوتين الكثير من التنازلات من ترامب، ولكن ستبقى هناك بعض الفرص طالما حافظت الولايات المتحدة على مرونتها وأدركت أن المباحثات تمثل طريقين مختلفين. وفيما يتعلق بسوريا، يقول بأن الأسد "ليس بقرةً مقدسة" بالنسبة لروسيا ولكن يريد بوتين من الولايات المتحدة أن تتخذ توجهاً أكثر توازناً مع إيران. وبالنسبة لكوريا الشمالية، فإن روسيا تريد من الولايات المتحدة تجنُّب التدابير أحادية الجانب، خاصة العسكرية منها، والتي يمكن أن تقود إلى نشوب الأزمات.

سمعة سامة

يقول كورتونوف بأن حكومة بوتين تدرك أن "روسيا تبقى دولة سامة وسوف يتم استخدامها ضد الرئيس ترامب من قِبَل خصومه السياسيين في الولايات المتحدة. وبالتالي فإن أي تقدُّم لا بد من أن يكون بطيئاً جداً وانتقائياً جداً".

ولكن ستحدد كيفية تعامل ترامب مع التدخل الروسي في انتخابات الولايات المتحدة لعام ٢٠١٦ صورة علاقات كلا الزعيمين في الولايات المتحدة وأوروبا. حيث ينبغي على رئيس الولايات المتحدة أن يقدم حملة شعبية ضد الاستجابة الفيدرالية العنيفة ضد التدخل الروسي في الانتخابات، وسيكون متحسساً من أي فكرة تقوِّض من شرعية فوزه في الانتخابات.

فيما يعبِّر آدم تشيف، الممثل عن كاليفورنيا وكبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي، عن أن تعامل ترامب مع القضية خلال الاجتماع سيكون اختباراً لمزاجه.

ويقول تشيف: "يحتاج الرئيس أن يواجه بوتين بمسألة التدخل الروسي في انتخاباتنا، ولن نقبل بأي حال إذا ما تغافل عن ذلك"، ويضيف قائلاً: "أخشى أن تكون الرسالة التي ستصل لبوتين هي أن ترامب لا يمتلك الشجاعة الكافية للوقوف في وجهه".

وتعد الجهود الروسية للتلاعب في الانتخابات أمراً مقلقاً أيضاً بالنسبة لأوروبا، حيث تريد الحكومات هناك من ترامب أن يكون صريحاً مع بوتين ويؤكد بأن أي تدخل في أي مكان هو أمر غير مقبول، وذلك بحسب ما يقوله أحد المسؤولين في أوروبا الغربية.

ولكن أقصى ما يمكن لبوتين وترامب أن يقروه هو أجندة لكلا البلدين يسعون لتحقيقها خلال الأشهر القادمة، بالإضافة لتحديد اجتماع آخر قد يتم عقده على هامش قمة زعماء آسيا والمحيط الهادئ في تشرين الثاني/ نوفمبر، وذلك بحسب ما يقوله توماس غراهام، مساعد سابق في البيت الأبيض خلال فترة بوش.

يقول نونيس أنه ينبغي لهذا الاجتماع الأول أن يكون قصيراً ويتضمن خطة لاجتماعات مستقبلية.

ويقول أيضاً: "ستكون أمراً مضيعاً للوقت أن تجلس هناك لتستمع لدروس بوتين لأربعة ساعات متواصلة، ولا أعتقد بأن ترامب سيجلس هناك ويحستى الفودكا معه. فالرئيس يحتاج أن يضع قضايانا الرئيسية على الطاولة".

التعليقات