08/08/2017 - 21:00

كيف تصبح الدولة دولة؟ وجهة نظر خبير

الاعتراف بدولة جديدة يعني بالدرجة الأولى اعتراف القانوني بنقل السيادة على منطقة ما من سلطة لأخرى. ولا يمكن لجهة دولية – بما فيها الأمم المتحدة – أن تسلب منطقة ما، دون موافقة الدولة الأصلية "المالكة" لها.

كيف تصبح الدولة دولة؟ وجهة نظر خبير

توضيحية (pixabay)

(ترجمة خاصة: عرب 48)

في غضون أسابيع من الخريف القادم، سيُسأل سكان كاتالونيا وكردستان عمَّا إذا كانوا يريدون العيش في دولة مستقلة. إذا أعلنت نتائج الاستفتاء قرار الاستقلال، فما الذي سيحدث بعد ذلك؟ قد يبدو جليًا أن كردستان أو كاتالونيا أو كلتاهما ستصبحان من أحدث الدول في العالم، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة.

يقرر القانون الدولي أن الناس يمتلكون الحق في تحديد مصيرهم الخاص، بما ذلك واقعهم السياسي. فحقُّنا في تحديد المصير منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، وموضَّح في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. يمكن أن يُفهَم هذا باعتباره تأكيدًا على الحق في وجود حدود سيادية مُعتَرف بها من قِبَل المجتمع الدولي، ولكنه يفسَّر عادةً بأنه تأكيد على حق الناس بتحديد شكل الحكم والجهة التي تحكمهم. وبكلمات أخرى، فإن فكرة تحديد المصير في الوقت الحاضر ترتبط عادةً بالتفكير ضمن حدود دولة موجودة لا السير في طريق دولة جديدة.

ويعود ذلك جزئيًا لأن قوانين تحديد المصير تُكتَب عادةً خلال مرحلة الاستقلال من الاستعمار. فلا يمكن تجاهل هذا السياق التاريخي عندما يتم تأويل أهدافهم. فخلال تلك الفترة، كانت تخطوا القوى الاستعمارية نحو تفكيك إمبراطورياتها، فقد أصبح من المكلف الحفاظ عليها بينما تنمو الضغوطات السياسية داخل المستعمرات ذاتها.

صناعة دولة

ثمة عامل آخر يُعقِّد من عملية تكشل دولة ما، وهو أنه لكي تصبح أرضٌ ما دولةً جديدة، فينبغي أن تخسر دولة سيادية قائمة جزءًا من أراضيها، وهو ما يمثِّل انتهاكًا لقوانين ومعايير التكامل المناطقي. فهناك قوانين قديمة وراسخة تدعِّم النظام الدولي.

فالاعتراف بدولة جديدة يعني بالدرجة الأولى اعتراف القانوني بنقل السيادة على منطقة ما من سلطة لأخرى. ولا يمكن لجهة دولية – بما فيها الأمم المتحدة – أن تسلب منطقة ما، دون موافقة الدولة الأصلية "المالكة" لها. وفي حال حصل ذلك فسيمثِّل انتهاكًا لأحد القوانين المحدِّدة لنظام الدول.

فعلى سبيل المثال، أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا في عام 2008، ولكنها لا تمتلك حتى اليوم أي حدود سيادية، وذلك بالرغم من اعتراف أكثر من نصف أعضاء الأمم المتحدة باستقلالها. ويعود ذلك بشكل كبير لاستمرار صربيا بالمطالبة بسيادتها على المنطقة، وذلك بالإضافة للعوامل الأخرى. وفي نفس الطريقة، ينبغي على العراق أن تتخلى عن سيادتها على الأرض كي تصبح كردستان دولة.

ثمة تنافس وتناقض واضح بين المبادئ القانونية هنا. في هذا المثال على الأقل، وهو أن هذه التناقضات تظهر بشكل مشترك ضمن ذات القانون. وبالتأكيد، ما سنجده هو عدم وجود طريق واضح لتحصيل دولة ذات سيادة. كما لا توجد آلية قانونية مؤسِّسة لتحديد ما إذا ستصبح أرضٌ ما دولة ذات سيادة، لذا ينبغي أن ننظر في النماذج السابقة كي نفهم كيف ينجح ذلك.

رئيس كاتالونيا كارلس بيغديمونت، خلال خطابه في حملة للاستقلال

تعد جنوب السودان أحد أحدث الدول من حيث النشأة، حيث تم الاعتراف بها في عام 2011، وتيمور الشرقية التي تم الاعتراف بها في عام 2002. في بداية التسعينات، كانت هناك موجة من الدول الجديدة التي حدثت بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك يوغسلافيا. وفي عام 1993، أصبحت إرتيريا أيضًا دولة بعد عقود طويلة من الحروب مع أثيوبيا، والتي استولت على إرتيريا في عام 1962. وقبل ذلك، برزت دول العالم الجديدة بعد انتقال أو انهيار الإمبراطوريات، خاصة مع نهاية حقبة الاستعمار.

وبالنسبة لتيمور الشرقية وجنوب السودان، وإرتيريا بطريقة ما، كان الاستقلال جزءًا من مساعي لحل مشكلة أخرى، وهي أزمة العنف. ففي الحالات الثلاث، وافقت الدولة الأصلية (إندونيسيا بالنسبة لتيمور الشرقية، والسودان بالنسبة لجنوب السودان، وأثيوبيا بالنسبة لإرتيريا) على التخلي عن سيادتها على الأرض، كجزء من مفاوضات اتفاقيات السلام.

اكتسبت كل هذه الدول الجديدة سيادتها بعد اختفاء سلطاتها السيادية السابقة، أو بموافقة من سلطاتها السيادية السابقة. الأمر مشترك بينهم هو أنهم أصبحوا دولًا من أجل حل بعض المشاكل، بمعنى أنه كان هناك بعض المصالح الدولية وراء الاعتراف بهم. فقد كان الاعتراف بهذه الدول الجديدة تصرفًا سياسيًا أكثر من كونه عملية قانونية محددة.

متى يُعتَرَف باستقلال الدول؟

بالرغم من عدم وضوح ذلك قانونيًا، إلا إن أي أرض تصبح دولة ذات سيادة عندما يتم الاعتراف باستقلالها من قِبَل الأمم المتحدة. فباعتبارها أكبر وأشمل منظمة متعددة الأطراف، فسيكون من المنطقي أن تقدم هي الاعتراف بالسيادة.

ورغم وضوح إجراءات الإقرار بالأعضاء الجدد في الميثاق وفي قوانين الأمم المتحدة، إلا أن هذه القوانين تتعلق بالأعضاء الجدد الذين يمتلكون دولًا ذات سيادة بالأصل. لذا لا بد من الإقرار مرةً أخرى بوجود نوعٍ من الغموض في العملية التي ينبغي أن تمرَّ بها الدولة الطموحة كي تحظى بسيادتها.

فالحصول على الاعتراف الدولي بالسيادة ليس أمرًا واضحًا أو لا يحصل بطريقة واضحة. حيث يتم تحديده بشكل أو بآخر من خلال السلطة والمزاج السياسي الدولي للوقت الحاضر. فهناك عدد كبير من الوحدات القائمة كدولة غير مُعتَرَفٍ بها، وقد أمضت الكثير منها عقودًا دون الحصول على اعتراف بسيادتها.

في حال أعلنت كاتالونيا أو كردتسان استقلالها هذا الخريف، فمن المحتمل أن تحصِّل على استقلالها في حال وافقت الدولة الأصلية على ذلك. وفي حال عدم موافقتها، فقد يفضلون اختيار إعلان استقلالهم، والعيش كدولة غيرِ مُعتَرَفٍ بها إلى أجلٍ غير مسمى.

 

التعليقات