15/10/2017 - 22:29

"اللغة الوحيدة التي يفهمونها": الضغط من أجل السلام

اليوم، يعتقد الكثيرون أن النافذة تُغلق بسرعة أمام مثل هذه التسويات. ولكن يحاجج المسؤولون الأميركيون تحديدًا أن الضغط على إسرائيل للقبول بتوسية من أي نوع سيزيد الأمر سوءًا.

(توضيحية)

(مقابلة مع الكاتب ناثان ثرال، قابله إلي ماسي. ترجمة خاصة: عرب 48)

خلال العقود الماضية، كانت ملامح ما يسمى دوليًا بحل "الصراع" الإسرائيلي الفلسطيني معروفة بالنسبة للكثير من الناس ومقبولة بالنسبة للممثلين الفلسطينيين والمجتمع الدولي، ألا وهو حل الدولتين المبني على حدود ما قبل حزيران/ يونيو ١٩٦٧، مع تبادل الأراضي، وتنصيب القدس كعاصمة.

واليوم، يعتقد الكثيرون أن النافذة تُغلق بسرعة أمام مثل هذه التسويات. ولكن يحاجج المسؤولون الأميركيون تحديدًا أن الضغط على إسرائيل للقبول بتوسية من أي نوع سيزيد الأمر سوءًا.

في كتابه الجديد، "اللغة الوحيدة التي يفهمونها: فرض التسوية في إسرائيل وفلسطين"، يقول ناثان ثرال، إن هذا كله كلام خاطئ. حيث يحاجج ثرال، المحرر السابق في موقع "نيويورك" لمراجعات الكتب، أن الضغوطات بمختلف أنواعها – الضعط الدبلوماسي والعصيان المدني والمقاومة المسلحة – قد أفلحت في تحقيق بعض التغييرات في "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

في مقابلة مع إلي ماسي، من مجلة جاكوبين، ناقش ثرال الأوضاع في غزة، ومدى فاعلية المقاومة المسلحة، وسياسات إدراة ترامب نحو إسرائيل، وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS).

يعمل ثرال كمحلل في القدس مع مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة تهدف لوقف الصراعات وتنشر دراسات متاحة موجهة لصناع السياسات والصحفيين ومؤسسات المجتمع المدني.

________________

تنبأت الأمم المتحدة بأن غزة ستصبح منطقة غير صالحة للسكن بحلول عام ٢٠٢٠، ولكن منسق المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة قال، إنه لا يمكن العيش في غزة حتى في هذه الأيام. فلا يحظى الغزيون إلا بساعتين لأربع ساعات من الكهرباء كل يوم، إذا ما كانوا محظوظين، وأكثر من ٩٠٪ من مياه غزة غير صالحة للشرب.

هل يمكن أن تناقش واقع الحياة في غزة؟

الأمر الأساسي هو أن الناس لا يدركون الآثار العديدة الناتجة عن غياب الكهرباء في غزة وكيف أدى ذلك إلى مشاكل صحية عويصة.

فآثار ذلك لا تنحصر على عدم قدرة الأشخاص في قسم علاج غسيل الكلى على الاعتماد على التيار الكهربائي. بل تتعدى لتعني فشل مياه المجاري، وهو ما يؤدي إلى زيادة الأمراض وارتفاع معدل وفيات المواليد الجدد. كما أن النظام الذي ينقل الماء إلى الشقق السكنية في المباني العالية يعتمد على الكهرباء، لذا فإن الناس غير قادرين حتى على تحصيل الماء في شققهم.

والمياه أصبحت مالحة عندما تريد أن تدخل للاستحمام، أو أنك لن تكون على دراية ما إذا ستكون المياه نظيفة أم لا إذا ما أردت تنظيف أسنانك. يشتري الناس مياه الشرب، ولكنك لا تضمن أن تكون المياه التي تستخدمها في منزلك نظيفة وغير عكرة.

يعيش الناس في مبانىٍ عالية، لا يريدون الذهاب للتبضع، ولا يريدون حفظ هذه الأطعمة في مكان سكنهم. ولا يجتمع الناس لأنه من الصعب جدًا أن تنتقل من مكان لآخر من دون كهرباء. وعندما تعمل الكهرباء، فإنها تعمل بطريقة يصعب التنبؤ بها، ومع الاندفاعات الكهربائية التي تدمر الأجهزة، أصبحت جميع آلات الغسيل والجلي وغيرها معطلة وغير صالحة للعمل.

فأثر ذلك على الحياة اليومية، هو أن الناس تعاني في كل لحظة، نتيجة لأزمة الكهرباء.

________________

من أجل الوصول إلى الحل، تبدو خريطة الضفة الغربية مثقوبة بشكل عشوائي هذه الأيام. ويشعر الكثير من الناس أن هذا يقتل أي فرصة لحل الدولتين.

ولكن هل يمكن الرضا بحل الدولة الواحدة؟ لقد غاب الدعم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولن يرضى معظم اليهود الإسرائيليون بدعم قيام دولتين وطنيتين بحقوق متساوية للجميع لأنهم يعتقدون أن هذا سيعني نهاية الدولة اليهودية.

أتفق مع الفرضية. فبشكل عام، ثمة ميل لاعتبار خيار الدولة أو الدولتين أنهما خياران متناقضان لإسرائيل وفلسطين، وما هي إلا مسألة وقت، في المستقبل القريب، كي يتم حسم الخيار، والتي يبدو أننا وصلنا إلى نقطة بين كلا الخيارين.

يهمل هذا التحليل مدى الاستقرار والديمومة التي حصل عليها هذا الاحتلال خلال الخمسين عامًا الماضية، وكيف سيستمر في ذلك. وهذا هو الخيار الثالث، ويبدو أنه الخيار الأرجح.

جزءٌ كبير من جهدي في هذا الكتاب هو أن أبين كيف أن هذا الخيار الثالث هو الأكثر واقعية، فهو لا يكلف إسرائيل أي شيء. ولكن بالنسبة لصناع القرار الإسرائيلي، فإن تكاليف هذا الخيار لا تستحق الاهتمام.

________________

أحد داعمي حل الدولة الواحدة هو سفير ترامب في إسرائيل، ديفيد فريدمان، الذي يمتلك خلفية قوية داعمة للاستيطان. وبالرغم من كون الولايات المتحدة بشكل عام داعمة وقحة لإسرائيل، إلا أنه ثمة ملامح للاتزان في خطابها. هنا أستذكر العبارة التي أصبحت تتكرر مؤخرًا: "المستوطنات عقبة أمام السلام".

هل يعني خطاب فريدمان الداعم للاستيطان أنه يغير سياسات الولايات المتحدة أم أنه يسير إلى جانب الممارسات الأميركية؟

لا أستطيع أن أرى أي تحول في السياسات التي تخص "الصراع" لدى إدارة ترامب.

ترامب يريد تحقيق حل الدولتين، وهذه أولوية كبيرة بالنسبة له. وقد كلَّف خبراء في محاولة تحقيق ذلك، وقد بدأوا بالتحرك لمحاولة الكشف عن نقطة بداية العملية. لا تبذل الولايات المتحدة أي شيء يذكر بخصوص بناء المستوطنات، وهو ما ينطبق أيضًا على الإدارات السابقة. خلاصة ما أقول هو إنني لا أرى تغيرًا ملحوظًا حتى الآن.

يرى الفلسطينيون، أنه ليس هناك أي فارق إذا كان نمو المستوطنات في ازدياد خلال غضب إدارة أوباما بشكل خاص من ذلك، أو ما إذا تقدَّم بناء المستوطنات وسط استهجان إدارة ترامب. فكلا الأمرين لا يمثلان أي اختلاف بالنسبة للفلسطينيين.

لم أسمع أي شخص قام بالتباحث مع إدارة ترامب، وقال إنهم يستكشفون أي نوع من السيناريوهات البديلة، مثل محاولة فرض السيادة الأردنية على المدن الفلسطينية في الضفة الغربية أو شكل ما من التوافق المشترك بين إسرائيل والأردن على التحكم بالضفة الغربية.

كل ما تسمعه هو أنهم يخوضون في ذات النقاشات حول حل الدولتين ويتلقون ذات المقترحات من نفس الشخصيات الفاعلة.

لكن فريدمان تحديدًا، يمتلك رؤيةً مختلفة للضفة الغربية بالمقارنة مع معظم أسلافه. ولكن هل يُترجم ذلك إلى إدارة ترامب لتسعى نحو خيار آخر غير خيار الدولتين؟

________________

صحيح، فمن غير الواضح مدى قوة فريدمان في التأثير على الإدارة فيما يتعلق بصياغة السياسة الأميركية الإسرائيلية، حيث يبدو أن كوشنر هو من يمسك الدفة.

نعم، تقول فرضيتي إن كوشنر هو من سيحظى بتأثير أكبر على هذه القضية أكثر من السفير الأميركي. وهذا ما كان يحدث مع الإدارات السابقة، حيث لم يكن السفير الأميركي في إسرائيل هو المؤثر الفعلي في صياغة السياسات الأميركية.

يعتبر السفراء الأميركيون أنهم متحدثون باسم السياسات الأميركية ويقومون بتوضيح هذه السياسات، ولكنهم لا يصوغونها في معظم الحالات. ولكن قد تكون صداقة فريدمان مع ترامب عاملًا في إحداث تغيير في هذه الإدارة، ولكننا لا نستطيع الجزم بذلك بعد.

________________

عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وفلسطين، يقوم المعلقون وصناع السياسات الأميركيون باستمرار بتصوير العنف كوسيلة غير فعالة في تحقيق العدالة. ولكنك تشير في كتابك إلى أن العنف عبر تاريخ الصراع قد نجح لدى كلا الطرفين في سحب التنازلات من الآخر.

هل يمكن اعتبار المقاومة المسلحة تكتيكًا فعَّالًا بالنسبة للفلسطينيين أم أن لها نتائج عكسية؟

إذا عدنا للوراء، فلا يمكن إنكار فعالية المقاومة المسلحة. فقد أدت على سبيل المثال إلى الانسحاب من غزة وأدت بشكل مباشر إلى انسحاب جزئي من الخليل. كما كانت هناك حالة من المقاومة المسلحة في نهاية الانتفاضة الأولى في بداية التسعينات، عندما كان المفاوضون يلتقون في أوسلو ويطالبون بإنهاء حالة العنف وتحقيق تنازلات نحو تحديد المصير بالنسبة للفلسطينيين. وهناك العديد من الأمثلة بعد ذلك، بما فيها انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان.

هذا ينفصل عن التساؤل عما إذا كان ذلك خيارًا إستراتيجيًا وطنيًا ذكيًا، لأن اللاعنف كان فعَّالًا أيضًا، ولا يعد العنف هو الشكل الوحيد للضغط. كما كلَّف العنف الفلسطينيين تكلفة باهظة جدًا، فحيثما كانت هناك مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كان عدد الضحايا الفلسطينيين أكبر بكثير، وكانت مختلف أشكال معاناة الفلسطينيين من الصراع أكثر تكلفة في العادة.

لا تقوم أطروحة كتابي على كون المقاومة المسلحة هو الطريقة الوحيدة لسحب التنازلات، بل أن الضغط هو الطريقة الوحيدة لتحفيز التغيير في الوضع الراهن. ولكن يمكن أن يتحقق هذا الضغط بطرقٍ مختلفة. فإذا تطلعنا إلى سياقات الأحدث، سنجد أن المقاومة السلمية، وذلك إذا ما كانت خيارًا ممكنًا، يمكن أن تصبح خيارًا إستراتيجيًا أكثر قوة.

ولكن ثمة شيء آخر وثقته في الكتاب، وهو أنه بعد اتفاقيات أوسلو، أصبح الانخراط في المقاومة الشعبية السلمية خيارًا صعبًا جدًا بالنسبة للفلسطينيين. وبطريقة ما، حصَّنت اتفاقيات أوسلو إسرائيل من الروافع السلمية التي كان يمتلكها الفلسطينيون.

فعلى سبيل المثال، خلال الانتفاضة الأولى في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، كانت إضرابات العمل من أكثر الأدوات قوةً. ولكن شرَّعت أوسلو الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين بحيث أصبحت تعتمد إسرائيل أكثر على العمالة الأجنبية وقل اعتمادها على العمّال الفلسطينيين، لذا قلت فعالية محاولات مستقبلية لإضرابات العمال من قِبَل الفلسطينيين. وهناك تغييرات أخرى قللت من فعالية إضرابات العمل، فقد أصبح الاقتصاد الإسرائيلي الآن أكثر اعتمادًا على رأس المال مقابل العمل.

________________

ذكرت التكتيكات السلمية. يأمل الكثيرون أن تتمكن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، BDS، من الضغط على إسرائيل للتغيير. ولكنك أشرت في كتابك إلى أنه "في البلاد التي حققت فيها حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات مكاسب كبيرة – جنوب أفريقيا والمملكة المتحدة – صعدت الصادرات الإسرائيلية بشكل كبير".

هل هذا يعني أن آفاق نجاح حركة BDS مبالغٌ فيها؟

إذا نظرت إلى الأثر الاقتصادي الفعلي لحركة BDS على إسرائيل حتى الآن، ستجد ضئيلًا جدًا. فبحسب المعايير المادية والملموسة والكمية، فإن نجاحها حتى الآن مبالغٌ فيه.

ولكن إذا نظرت من زاوية مدى نجاح حركة BDS في خلق شعورٍ من الخوف بين داعمي إسرائيل وضمن النخب الإسرائيلية، فسيكون لديك وجهة نظر قوية بالقول إنها حركة ناجحة. نحن بعيدون جدًا عن رؤية تغييرات في السياسية في إسرائيل بناءً على تهديدات حركة BDS، ولكن من الممكن أن يتغير ذلك.

________________

حدثت مؤخرًا مساعيٍ جديدة للتصالح بين فتح وحماس، الفصيلين السياسيين الفلسطينيين الأساسيين. كانت آخر هذه المساعي في عام ٢٠١٤ بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي ادعت إسرائيل أنها قامت بها بسبب اختطاف وقتل ثلاثة مستوطنين، حيث تبعتها سلسلة من الصواريخ التي انهالت على قطاع غزة.

أشرت في كتابك إلى أنه "لم تسعى لا إسرائيل ولا حماس إلى حرب غزة في صيف ٢٠١٤". في ضوء ذلك كيف ترد على الحجة القائلة بأن إسرائيل وظفت حادثة قتل المراهقين الإسرائيليين كذريعة لشن اعتداءات ٢٠١٤، وذلك ضمن سعيها إلى تقويض القوة التساومية للحكومة الموحدة؟

سأقول إن مواضع ضعف هذه الحجة تكمن في أن "حكومة الإجماع الوطني"، كما كانت تدعى، والتي تشكلت في حزيران/ يونيو ٢٠١٤، أي قبل شهر من اندلاع الحرب، كانت حكومة فاشلة منذ البداية. فقد فشلت في السيطرة على غزة. حيث قام وزارء حماس بجمع موظفيهم وقالوا: "والآن سيكون عليكم أن تُعلِموا كل شيء للوزراء الجدد في رام الله".

ولكن لم تتمكن رام الله من السيطرة. حيث لم تدفع الرواتب، ولم يتم تطبيق أي عنصر من العناصر الرئيسية للاتفاقية في غزة. لذا لم يكن هناك أي سبب بالنسبة إسرائيل للخوف من أن تقوم حكومة الإجماع الوطني هذه بإحداث تغيير حقيقي في الضفة الغربية أو غزة.

________________

لنفترض جدلًا أن كل ما قيل صحيح. ألن يكون تقويض هذه الحكومة الموحدة المهترئة دافعًا كافيًا بالنسبة لإسرائيل؟ ما الذي سيخسره الإسرائيليون من هجومهم على غزة؟

ما أتحدث عنه فعليًا هو درجة التهديد الذي يشكله وجود حكومة وطنية موحدة باعتباره دافعًا بالنسبة لإسرائيل لشن هذه الحرب وجعلها تستمر لمدة خمسين يومًا. أنا على قناعة بأن إسرائيل تريد تقويض هذه الحكومة بلا شك، وأنها لم تكن تريد أن تتمكن هذه الحكومة من حل أزمة الرواتب في غزة على سبيل المثال. لقد تغيرت هذه المواقف خلال الحرب، ومع نهاية الحرب قالت إسرائيل إنها تريد من الحكومة أن تتحرك في غزة وتريد أن تُحل أزمة الرواتب أيضًا.

ولكني لا أعتقد أن هذا هو السبب الذي أدى للحرب. أعتقد أن ما أدى لنشوبها هو أنه بعد مقتل المستوطنين الثلاثة في حزيران/ يونيو، أطلقت إسرائيل حملة اعتقالات واسعة في الضفة الغربية، واعتقلت العديد من السجناء الذين تم إطلاق سراحهم في صفقة جلعاد شاليط، والذي كان جنديًا إسرائيليًا مختطفًا من حماس، وبقي لديها لمدة خمس سنوات، وتم إطلاق سراحه في عملية تبادل مقابل ١٠٢٧ أسيرًا فلسطينيًا. كانت حملة واسعة جدًا، واعتقلت إسرائيل العديد من الناس الذين لم تكن لهم علاقة فيما يحصل، والذين لم يرتكبوا أي مخالفةٍ تذكر.

كان هناك العديد من الاحتجاجات في الضفة الغربية، والتي أدت فيما بعد لاحتجاجات تضامينة في غزة وتم إطلاق صواريخ التضامن من غزة. لقد كان المشهد مشتعلًا في كل من الضفة الغربية وغزة.

وبالإضافة إلى ذلك، أنت تعلم أن حكومة الإجماع قد تشكلت وفشلت في تحقيق أبسط عناصرها التي ينبغي أن تقدمها، ألا وهي تجاوز وحل أزمة الرواتب.

كل ذلك أدى إلى وضع رجَّح من إمكانية نشوب الحرب. ولكني لا أعتقد أن تشكل حكومة الإجماع كان عاملًا وحيدًا كافيًا لإعلان الحرب على غزة.

 

التعليقات