27/11/2017 - 20:29

إستراتيجية السيسي في سيناء... لماذا تفشل؟

عد مجزرة مسلحة أودت بحياة 305 أشخاص في مسجد مكتظ يوم الجمعة، ضمن هجوم مروع على مكان مقدس، وجه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ردًا على ما حصل.

إستراتيجية السيسي في سيناء... لماذا تفشل؟

 

(ترجمة: عرب 48)

عد مجزرة مسلحة أودت بحياة 305 أشخاص في مسجد مكتظ يوم الجمعة، ضمن هجوم مروع على مكان مقدس، وجه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ردًا على ما حصل.

حيث تعهد السيسي على التلفزيون بـ"الانتقام" والرد بـ"قبضة من حديد". بعد ذلك بلحظات، انقضت الطائرات الحربية على الصحاري الواسعة في شبه جزيرة سيناء، وأسطقت قنابل تسحق المركبات التي استُخدِمّت في الهجوم، وانتشر الجنود في أرجاء المنطقة.

ولكن هذا الانتقام الغاضب، والذي يأتي بعد سنوات من المعارك في سيناء ضد قوات وحشية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، والتي أسقطت طائرة روسية في عام 2015 وكانت تهاجم القوات الأمنية المصرية بشكل مستمر، يعيد إحياء أكثر سؤال إشكالي حول استراتيجية السيسي في شبه الجزيرة الصحراوية: لماذا تفشل؟

أحد أهم وأغرب الجوانب في المذبحة التي حصلت يوم الجمعة هو كيف تمكن المسلحون من ارتكاب أعنف هجوم أرهابي في تاريخ مصر الحديث.

في تصريح نُشِر يوم السبت، وصف النائب العام المصري، نبيل صادق، المشهد المروع بتفاصيل مخيفة.

حيث قام بين 25 و 30 مسلحًا، يتنقلون في خمسة مركبات ويحملون رايات داعش، بتحويط مسجد صوفي من كافة جوانبه في بئر العبد، وهي مدينة ترابية تقع على طريق يلتف حول السطح الرملي لشمالي سيناء.

وبعد حدوث التفجير، تموقعوا خارج المدخل الرئيسي من المسجد ونوافذه الإثنا عشر، ليرشوا المصلين بالعيارات النارية. تم إيقاف سبعة سيارات مشتعلة على الأبواب كي تمنع الضحايا من الهرب، كان هناك 27 طفلًا من بين القتلى.

وبالنسبة لمواطني سيناء، عمق الهجوم من المشهد المستمر للفزع في نمط حياتهم ضمن جزء من مصر يشعر فيه الكثير أنهم عالقون بين مسلحين بربريين وجيش لا يرحم. في مشفى بالقرب من الإسماعيلية، روى الناجون كيف قفزوا من النوافذ بينما كان المسلحون يمشِّطونهم بالنار، بينما هم يرون أصدقاءهم وأقاربهم يموتون.

قال محمد عبد السلام، 22: "إذا تم استهداف المساجد، فما هو المكان الذي سنحصل فيه على الأمن؟".

بالنسبة لخبراء سيناء، زاد الهجوم من حدة التكتيكات المصرية في مكافحة التمرد ضد متمردين إسلاميين عنيدين صعدت قوتهم منذ عام 2013، وذلك بعد أن استولى السيسي على السلطة في انقلاب عسكري.

لقد رسموا صورة عن توجه عنيد ومتحجر لا يتلاءم مع القتال، والذي يديم أخطاء الزعماء المصريين السابقين.

لطالما كانت ترى مصر سيناء من منظور عسكري، حيث تتبنى توجهًا عنيفًا لمجموعة سكانية محلية مهمشة. انخرط الجيش في عمليات إعدام وتهديم لقرى بأكملها، بينما لم يقدم أي حل للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، بما فيها أزمة البطالة المزمنة والأمية وفقر المنافذ نحو العناية الصحية.

يحتمي الجنود والمجندين المصريين داخل قواعد محمية، ولا يخرجون إلا بمواكب مدرعة تتنقل عبر الطرق الطويلة والواسعة.

تمتلئ هذه الطرق بنقاط تفتيش تعج بالجنود المتوترين، ومعظمهم من المجندين. بينما يتنقل الإرهابيون عبر الصحراء، وبعضهم يمتلكون جذورًا من التقليد السيناوي الطويل في التهريب.

قال أندرو ميلر، الخبير في الشأن المصري في مجلس الأمن القومي، والذي يعمل الآن في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط في واشنطن: "لقد فشلت مصر بإدراك أن تنظيم الدولة لا يشكل تهديدًا إرهابيًا فقط". وأضاف: "إن قتل الإرهابيين لا يجدي نفعًا. لا بد لهم أن يمنعوا تنظيم الدولة من الدعم المحلي، والذي يتجذر في الإهمال التاريخي الذي تمارسه القاهرة على سيناء".

ولكن تآكل هذا الدعم مع العديد من ممارسات التعذيب والإعدامات غير القضائية من قِبَل الجيش، بالإضافة لتكتيكات الجيش العشوائية التي توقع ضحايا من المدنيين عادةً وتزرع استياءً واسعًا.

قال مهند صبري، وهو مؤلف لكتاب عن سيناء: "لم يهتم الجيش بالخسائر المدنية مطلقًا". وأضاف: "فقد أدى استخدام القوة المفرطة والمتهورة لقتل عائلات بأكملها. لقد شهدنا ضربات جوية تفجر الناس في مساكنهم. وشهدنا كيف أزيلت قرى بأكملها عن وجه الأرض. هذا يشير إلى طبيعة رؤيتهم للمجتمع السيناوي".

خلال العام الماضي، رحب السيسي بسطر من الزعماء الأجانب القادمين للقاهرة، حيث وقَّع صفقات بمليارات الدولارات لمعدات عسكرية متطورة: غواصات ألمانية، مروحيات روسية، حاملة طائرات فرنسية وقمر صناعي عسكري. حاول المسؤولون العسكريون الأمريكان بصمت إقناعه بتخصيص موارده، بما فيها 1.3 مليار دولار من المساعدات الأمريكية السنوية، لأدوات ومهارات تتلائم بشكل أفضل مع قتال الإرهابيين في سيناء، مثل معدات وتدريبات لجمع المعلومات الاستخباراتية.

ولكنهم يقولون إنّ السيسي لا يستمع، وأن الجنرالات يفضلون شراء الدبابات والطائرات والأسلحة الثقيلة الأخرى لأجل قواعدهم القائمة حول النيل.

قال ستيفين سيمون، الأستاذ في كلية أمهيرست والمدير السابق لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي: "إنهم يدركون وجود مشكلة في سيناء، ولكنهم لم يكونوا متجهزين للاستثمار في الإمكانيات للتعامل معها".

أحد الأشخاص الذين يمتلكون تأثيرًا على السيسي كان مسؤول الدفاع في مصر، وهو محمد حجازي، يعتبره المسؤولون الأميركان الشخص الوحيد داخل دائرة السيسي الذي يمتلك شرعية معارضته، وذلك بحسب ما يقوله مسؤول أميركي سابق. كما تجمعهم رابطة شخصية، فابنة الجنرال هي زوجة ابن السيسي.

ولكن قام السيسي قبل شهر بطرد الجنرال حجازي، كاحتجاج على الهجوم العسكري المدمر لموكب عسكري جنوبي القاهرة والذي أودى بحياة ١٦ شرطيًا وربما أكثر.

أصابت هذه الخطوة المسؤولين الكبار في وزارة الدفاع بالفزع بعد أن شاهدوا ما حصل بالجنرال حجازي وكيف باتت دائرة مستشاري السيسي أقل حجمًا وأكثر تملقًا وذلًا، وذلك بحسب مسؤول سابق، والذي طلب عدم ذكر اسمه لحماية المداولات الداخلية حول حليف مهم من النادر أن يرضى باستقبال النقد الشعبي.

تمثل سيناء حلبة كبيرة وصعبة لمكافحة التمرد والتي تتحدى قدرات الجيش، فهي أرض صحراوية وجبلية واسعة، بشواطئ عريضة ومداخل خلفية يسهل اختراقها على حدود غزة، والتي كانت تحت سيطرة حماس.

ضَمِن انهيار ليبيا في عام ٢٠١١ وصول الأسلحة بشكل مستمر، بعضها جاء من مستودعات الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي. وفي السنة الماضي، ومع انهيار رؤية تنظيم الدولة حول خلافة في العراق والشام، كان يخشى الخبراء من تدفق وعودة الجهاديين المصريين، العازمين على استكمال معركتهم في موطنهم.

حتى الآن، يقول مسؤولون أمريكيين أن هناك عددًا قليلًا نسبيًا قد عاد من هناك. ولكن عجَّل انهيار الرقة والموصل من حدوث تحول بارز في تكتيكات تنظيم الدولة في سيناء، مع تأكيد أكبر على الهجمات ضد الأهداف الضعيفة، مثل المسيحيين الأقباط والصوفيين، كمحاولة لتقويض السيسي عبر غرس الكراهية الطائفية في المجتمع المصري.

هناك مجموعة قليلة من معارك مصر ضد داعش في سيناء المرئية بالنسبة للعالم الخارجي، أو حتى بالنسبة لمعظم المصريين. كما لا يسمح للصحفيين الأجانب ومعظم الصحفيين المصريين بالدخول إلى سيناء. لذا يصعب تحصيل معلومات صلبة حول ما يحدث: ففي صفحتهم الشخصية، يدعي الجيش المصري أن قتل 3000 داعشي على الأقل، وهو أعلى بكثير من المئات التي تم تقدير عددهم ذات مرة.

صوَّر فيديو مسرب في شهر نيسان/ أبريل الماضي هذه الادعاءات من زاوية مختلفة تمامًا. حيث أظهر وحدة عسكرية، مشكَّلة من سيناويين محليين وبرفقة مسؤولين عسكريين كبار، وهم يُعدمون محتجزين – كانوا رجالًا يرتدون بنطال الجينز – في رقعة مقفرة على أرض سيناء. وقبل ذلك، ادعى الجيش على صفحته الشخصية أن الرجال قُتلوا في عمليات إطلاق نار.

قالت منظمة العفو الدولي، والتي أكدت صحة الفيديو، أنه تم توثيق وجود نمط من الانتهاكات العسكرية في سيناء.

بينما حاجج مسؤولو السيسي بشكل سري أنهم لا يحتاجون لأخذ دروس عن الأميركان. حيث يشيرون لما سموه بفشل مشاريع مكافحة التمرد في العراق وأفغانستان. وأضافوا أن منهجيتهم نجحت في التسعينات وبداية الألفية، على الأقل بشكل مؤقت وفي المناطق الأخرى من مصر، وذلك عندما شرع حسني مبارك بتدابير وحشية لتجريد المسلحين الذي هاجموا سياحًا أجانب في مواقع تاريخية.

قال زاك غولد، خبير في سيناء في مركز الحريري في المجلس الأطلسي."إنهم ينظرون للوراء ويقولون: هكذا فعلناها، وقد نجحت". ولكن يضيف غولد أن الظروف الآن مختلفةً جدًا في شمالي سيناء، حيث يعاني السكان منذ سنوات من الإهمال وسوء المعاملة من العاصمة المصرية.

يشتكي سكان سيناء من الشعور بالعزلة والبعد الثقافي عن وادي النيل حيث تعيش الغالبية العظمى من المصريين.

تحولت مناطق جنوب سيناء، الواقعة حول شرم الشيخ، وجبل سيناء إلى مواقع سياحية. ولكن بقي الشمال محكومًا بشكل ضعيف ولا زالت بعض القبائل تصارع عن حقها في العيش، وتعبر عن استياء من تقييد القاهرة لهم.

قال المحلل السيد ميلر:"إن الكثير من المصريين الذين يعيشون غربي السويس لا يعتبرون البدو كمصريين حقيقيين". وأضاف: "إنهم يمتلكون تعليمًا وفرص عمل أفقر، كما أنهم محجوبون عن وظائف الدولة والخدمات الأمنية".

كانت السخرية من الحكومة المركزية ظاهرة خارج مستشفى الإسماعيلية يوم الجمعة، حيث جلست امرأة بدوية مسنة برداء أسود على الحديقة الموحلة، وهي متدثرة بلحاف لتشعر بالدفء. وقد رفضت أن تعطي اسمها، مشيرةً إلى الخوف من انتقام الجيش أو تنظيم الدولة. وقالت: "إذا شاهد أي من الطرفين أسامينا، فسوف يقتلوننا. كلاهما أسوأ من الآخر".

وأضافت: "سيستمر الجيش بحبس وقتل الشباب المحليين. وسيستمر الإرهابيون الذين يكرهوننا والمسحيين باستخدام ذلك كحجة لقتلنا. ما من جدوى للحديث عن أي شيء".

التعليقات