24/02/2019 - 23:59

كيف "أخفت" الولايات المتحدة إمبراطوريتها؟

ليست هناك محطات تاريخية مطبوعة بالشكل المتأصل التي طُبع فيه الهجوم على بيرل هاربر في السابع من كانون الأول/ ديسمبر 1941، في الوعي القومي الأميركي. فهو واحد من الأحداث القليلة التي يستطيع الأميركيون تذكر التاريخ العين لوقعوها

كيف

الهجوم على "بيرل هاربر" (pixabay)

ترجمة خاصة بتصرف لـ"عرب 48": 


ليست هناك محطات تاريخية مطبوعة بالشكل المتأصل التي طُبع فيه الهجوم على "بيرل هاربر" في السابع من كانون الأول/ ديسمبر 1941، في الوعي القومي الأميركي. فهو واحد من الأحداث القليلة التي يستطيع الأميركيون أن يتذكروا التاريخ العيني لوقعوه.

وصدرت مئات الكتب عن أحداث "بيرل هاربر"، وأنتجت هوليوود أفلاما كثيرة حولها أيضا، لكن هذه الأفلام لا تعرض ما حصل بعد الهجوم، فبعد 9 ساعات من هجوم اليابان على منطقة هاواي، شوهدت طيارات يابانية أخرى في سماء منطقة تحت السيطرة الأميركية في الفلبين. وكما في "بيرل هاربر"، قصفت هذه الطائرات عدّة قواعد جوية أميركية.

وفيما اقتصر الهجوم على "بيرل هاربر"، على قصف المنطقة لمرّة واحدة، كان القصف على القواعد الأميركية بالفلبين متواصلا، وأُلحق باجتياح ياباني كامل للأرض، ومن ثم احتلال المنطقة. ووقع 16 مليون فلبيني أميركي، تحت سيطرة قوة أجنبية.

وفي الواقع، فإنه خلافا للذاكرة الشهيرة، فإن الحدث المعروف باسم "بيرل هاربر"، هو ضربة يابانية شاملة للمواقع الأميركية والبريطانية في المحيط الهادي. ففي يوم واحد هاجم اليابانيون، الأراضي الأميركية في هاواي والفلبين وغوام وجزيرتي ميدواي وويك. كما هاجموا المستعمرات البريطانية في ملايا وسنغافورة وهونغ كونغ واجتاحوا تايلاند.

وفي البداية لم تتناسق الصيغة التي تناولتها وسائل الإعلام الأميركية حول مجريات هذا اليوم، فمنها من ذكر الفلبين ومنها من اكتفى بذكر هاواي أو مناطق أخرى، إلا أن الرئيس الأميركي، فرانكلين ديلانو روزفلت، قرر بمرحلة ما، وقبل إلقاء خطابه الشهير حول الموضوع، شطب اسم الفلبين. 

معركة الفلبين الأميركية ضد اليابان

ولا تزال الأسباب التي دفعت روزفلت إلى استثناء الفلبين في خطابه غير واضحةٍ، لكن من السهل تكهنها، فقد حاول الرئيس الأميركي سرد قصة واضحة ومفادها أن اليابان هاجمت الولايات المتحدة. لكنه واجه مشكلة في دقة اعتبار المواقع التي هاجمتها اليابان في الفلبين "أميركية". فمن حيث وضعها القانوني، كانت هذه المناطق تُعتبر أميركية بشكل مُطلق، إلا أن المسألة كانت تكمن في ما إذا كان الشعب الأميركي يراها كذلك.

ماذا كان ليحصل لو لم يهتم جمهور روزفلت بهجوم اليابان على الفلبين أو غوام؟ ففي تلك الفترة، أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل وقت قصير من الهجوم، أن قلة من بين الأميركيين يؤيدون الدفاع العسكري عن تلك المناطق النائية. 

لا شك أن روزفلت لاحظ أن معظم الأميركيين يعتبرون الفلبين وغوام منطقتين أجنبيتين، رغم أنهما تابعتان، من الناحية العملية، للولايات المتحدة. لكن على النقيض من ذلك، كان تعريف هاواي، أنها "أميركية" أكثر منطقيا. فرغم أنها كانت إقليمًا وليست ولاية، فإنها كانت أقرب إلى أميركا الشمالية وأكثر بياضا من غيرها (من حيث لون بشرة السكان).

وحتى عندما أراد روزفلت التركيز على هاواي فقط، فقد احتاج إلى إضافة تعديل بسيط بهدف جذب تأييد الجمهور، فبدل أن يقول خلال خطابه، إن الطائرات اليابانية قصفت "جزيرة أواهو"، قال إنها قصفت "جزيرة أواهو الأميركية"، ومن ثم ذكر أن "أرواحا أميركية كثيرة فُقدت". 

وصف أحد الصحافيين في الفلبين المشهد في مانيلا، حيث استمعت الحشود إلى خطاب روزفلت في الإذاعة، قائلا: "تحدث الرئيس عن هاواي والكثير من الأرواح التي فقدت هناك. لكنه أشار إلى الفلبين على الهامش، فقد جعل روزفلت الحرب تبدو وكأنها قريبة من واشنطن وبعيدة عن مانيلا".

لكن سكان الفلبين لم يروا الحرب بهذه الطريقة، حيث واصلت الصافرات إطلاق إنذاراتها مع كل غارة جوية. وكتب المراسل أنه "بالنسبة لسكان مانيلا، كانت الحرب هنا... ولم تكن لدينا ملاجئ من الغارات الجوية".

النظرة للمستعمرات

لم تكن من السهل معرفة الطريقة التي يجب رؤية أماكن مثل هاواي والفلبين وغوام من خلالها، أو حتى طريقة تسميتها. ففي مطلع القرن العشرين، عندما استولت الولايات المتحدة على مناطق مثل بورتوريكو والفلبين وغوام وساموا الأميركية وهاواي وويك، كان وضعها القانوني واضحا، وكما أطلق عليها تيودور روزفلت، ووودرو ويلسون، "مستعمرات".

لكن التوجه الاستعماري الصريح هذا لم يدم، فخلال عقدين منذ بداية القرن، أصبحت كلمة "مستعمرة" من المحرمات السياسية، وحذر مسؤول أميركي من استخدام المصطلح قائلا "لا يجب استخدام كلمة مستعمرة لوصف العلاقة القائمة بين حكومتنا والشعوب المعتمدة"، أي أنه من المفضل استخدام "تعبير ألطف"، مثل مناطق أو ربما أقاليم.

ومع ذلك، فإن السمة اللافتة لـ"أقاليم ما وراء البحار"، كانت نُدرة النقاش حولها. فلم تتضمن خريطة البلاد المطبوعة في أذهن معظم الناس، أماكن مثل الفلبين. فقد صوّرت تلك الخرائط "الذهنية" الولايات المتحدة على أنها مجموعة ولايات متجاورة، أي اتحاد ولايات يحدها المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ والمكسيك وكندا.

هذا هو تصور معظم الناس للولايات المتحدة اليوم، ربما مع إضافة ألاسكا وهاواي. وهو تصور وصفه الباحث في العلوم السياسية، بينيديكت أندرسون، بـ"خريطة الرمز" ، بمعنى أنه إذا كان للولايات المتحدة رمز شكلي، فسوف يكون على النحو التالي:

خريطة "البر الرئيسي" (ذي غارديان)

مشكلة خريطة الرمز، أنها غير صحيحة ببساطة. فلا يتطابق شكلها مع الحدود القانونية للبلاد. فإنها تستثني هاواي وألاسكا على سبيل المثال، اللتين أصبحتا ولايتين عام 1959، وتظهر هذه الولايات الآن في جميع الخرائط الرسمية للبلاد. ولكنها أيضًا تستثني بورتوريكو، التي رغم أنها ليست ولاية، فقد كانت جزءًا من البلاد منذ عام 1899. 

وكانت خريطة الولايات المتحدة الفعلية أثناء هجوم اليابان عام 1941، تبدو على النحو التالي:

خريطة "الولايات المتحدة الكبرى" عام 1941 (ذي غارديان)

وخلال تلك المرحلة من التاريخ، كانت هذه الخريطة تعبر عن "الولايات المتحدة الكبرى"، كما أطلق عليها البعض في بدايات القرن الـ20. وبذلك كانت خريطة الرمز، المعروفة حتى يومنا هذا، تمثل جزءا من الولايات المتحدة فقط، وهو الجزء الذي يسكنه "ذوو الامتيازات"، وكان سكان الأقاليم الأخرى يصفون هذا الجزء بـ"البر الرئيسي".

وخلال نحو قرن من الزمن قبل عام 1940، احتلت الولايات المتحدة نحو 100 جزيرة "غير مأهولة" في البحر الكاريبي والمحيط الهادئ. وبعضها تم نسيانه مع مرور الزمن.

إن التضليل في خريطة الرمز، لا ينحصر فقط باستثنائها للمستعمرات الكبيرة والجزر الصغيرة، بل أيضا لكونها تزعم أن الولايات المتحدة هي مساحة موحدة سياسيا، بمعنى أنها اتحاد، دخلت إليه ولايات متساوية من حيث القيمة والقوة، بشكل طوعي. لكن هذا ليس صحيحًا، ولم يكن صحيحًا أبدًا. فمنذ تأسيسها وحتى يومنا هذا، احتوت الولايات المتحدة على اتحاد من الولايات الأميركية، كما يوحي اسمها. لكنها احتوت أيضًا على جزء آخر، وهو ليس اتحادا، ولم يشمل ولايات، وليست في الأميركيتين، وهي الأقاليم.

وعلاوة على ذلك، فقد عاش أناس كثر في الجزء الآخر. ووفقا للمعطيات الإحصائية للأراضي المحتلة عام 1940، أي قبل عام من "بيرل هاربر"، عاش نحو 19 مليون شخص في المستعمرات، معظمهم في الفلبين. وهذا يعني أن أكثر من ثُمن الأميركيين عاشوا خارج الولايات.

ومن أجل وضع هذا الرقم في سياقه الصحيح، فيجب الأخذ بعين الاعتبار أن 1 من بين كل 12 أميركيا، كان أفريقي الأصل. أي أن عدد المستعمَرين كان أكبر من عدد السود في الولايات المتحدة عشية الحرب العالمية الثانية.

ولا أهدف بهذه المعلومة إلى وضع أشكال القمع في مواجهة بعضها البعض، فعلى أرض الواقع، يرتبط تاريخ الأميركيين من أصل أفريقي بأولئك الذين استعمرتهم الولايات المتحدة بشكل وثيق (بل متداخل أحيانا، كما هو الحال بالنسبة للكاربيين الأفارقة في بورتوريكو وجزر فيرجن الأميركية).

والعنصرية التي كانت تسود البلاد منذ العبودية، اجتاحت الأقاليم المستعمرة أيضا. وحُرم المُستَعمرون من حق التصويت مثل نظرائهم الأميركيين من أصل أفريقي، ومن حقوق المواطنة الكاملة أيضا، وأُطلقت عليهم نعوت عنصرية، وخضعوا لتجارب طبية خطيرة، واستُخدِموا كأدوات للتضحية في الحرب. وكان عليهم أيضا أن يشقوا طريقهم في دولة تحترم حق الحياة للبعض، ولا تأخذ هذا الحق بعين الاعتبار للبعض الآخر.

من انتهاكات الجيش الأميركي للسكان الأصلانيين في بورتو ريكو في الخمسينيات

وعند النظر إلى فكرة "الولايات المتحدة الكبرى"، يتّضح أن العرق كان لاعبا مركزيا في تاريخ هذا البلد أكثر مما يُظن اليوم. فإن المشكلة العرقية لم تكن تتعلق بتمييز البيض ضد السود فقط، بل ضد الفلبينيين، وسكان هاواي، وسكان ساموا، وسكان غوام أيضا، بالإضافة إلى هويات عرقية مختلفة أخرى.

وبالتالي، فإن العرق لم يقم بصياغة أرواح الناس فحسب، بل الدولة بحد ذاتها، وبمن اعتُبر "أميركيًا". وبمجرد النظر إلى ما وراء خريطة الرمز، نجد مجموعة جديدة كاملة من الصراعات حول ما يعنيه أن تسكن في الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة الكبرى

كان من الصعب على الأميركيين من سكان مناطق الخريطة الرمز، معرفة ما يجري في "أجزاء بلادهم" الأخرى، حيث كانت معظم الخرائط الرسمية تستثنيها، حتى أن "أطلس العالم" الذي كتبه رام مكانلي، خلال الحرب العالمية الثانية، كان غير واضح في هذا الصدد، فقد تم إدراج كل من هاواي، وألاسكا، وبروتو ريكو، والفلبين، مناطق "أجنبية".

وانتهجت الحكومة الأميركية خطا مضللا في التعامل مع هذه المناطق، فقد عوملت الأقاليم خارج الأميركيتين، في موضوع التعداد السكاني، بطريقة مختلفة. فتم تدوين تعدادها السكاني، لكن سكانها اسُتبعدوا من الحسابات الديموغرافية. وحُصرت حقائق وإحصائيات أساسية عن المدة التي عاش فيها الناس، وعدد الأطفال الذين أُنجبوا، وأعراقهم، لسكان "البر الرئيسي" فقط. 

وذكر أحد التقارير الحكومية في تلك الفترة، أن "معظم الناس في الولايات المتحدة، بما في ذلك المتعلمون منهم، لا يعرفون إلا القليل أو لا يعرفون شيئا عن ممتلكاتنا في الخارج. وفي واقع الأمر، لا يعرف الكثير من الناس أن لدينا ممتلكات في الخارج. فهم مقتنعون بأن 'الأجانب' فقط، مثل البريطانيين، لديهم ‘إمبراطورية‘. وفي بعض الأحيان، يشعر الأميركيون بالدهشة عندما يسمعوا أن لدينا 'إمبراطورية' أيضا".

الإمبراطورية

تُثير فكرة إمبراطورية الولايات المتحدة، أقل جدلا اليوم مما فعلته في السابق. وذلك يعود لعدّة عوامل، فتجريد الأميركيين الأصلانيين من أراضيهم وإقصاء الكثير منهم إلى المحميات الطبيعية، كان فعلا استعماريا بالغ الوضوح. ومن ثم شنت الولايات المتحدة حربا على المكسيك عام 1840، واحتلت ثلثها. وبعد ذلك بخمسين عاما، حاربت إسبانيا واحتلت الجزء الأكبر من أراضيها في ما وراء البحار.

مع ذلك، فإن الإمبراطورية ليست مجرد السيطرة على الأراضي، فبحسب هذا التعريف ما هو تعريف الحالة التي خضع لها الأميركيون الأفارقة؟ ابتداءً من فترة ما بين الحربين العالميتين، قال المفكر الأميركي الشهير دبليو بي دو بوا، إن حياة السود في الولايات المتحدة تشبه حياة المُستعمَرين أكثر مما تُشبه تلك التي يتمتع بها المواطنون. وقد وافق العديد من المفكرين السود الآخرين مثل مالكولم إكس وقادة حركة "الفهود السود" على هذا التعريف.

وماذا عن انتشار القوة الاقتصادية الأميركية في الخارج؟ ربما لم تغزُ الولايات المتحدة أوروبا الغربية فعليًا بعد الحرب العالمية الثانية، لكن ذلك لم يمنع الفرنسيين من الشكوى من "استعمار الكوكا". فقد شعر النقاد هناك بإغراق بلادهم بالبضائع الأميركية. واليوم، مع سيطرة الدولار على التجارة العالمية، ووجود ماكدونالدز في أكثر من 100 دولة حول العالم، يمكن القول إن ادعائهم لم يكن خاطئا.

وتنضاف إلى ذلك التدخلات العسكرية الأميركية. فمنذ الحرب العالمية الثانية، تدخل الجيش الأميركي بشؤون الدول واحدة بعد الأخرى. هناك بعض الحروب الكبيرة المعروفة مثل كوريا، وفيتنام، والعراق، وأفغانستان. لكن هناك أيضًا تدفق مستمر من التدخلات الصغيرة. منذ عام 1954، نُشِر الجيش الأميركي 211 مرة في 67 دولة، للتدخل في صراعات أو صراعات محتملة. لـ"نشر السلام" أو للاستعمار.

ومع ذلك، فإنه في خضم الحديث عن الإمبراطورية الأميركية، يغيب أمر واحد في كثير من الأحيان عن الأذهان، وهو المناطق الفعلية التي تخضع للسيطرة الأميركية. نعم، قد يتفق الكثيرون على أن الولايات المتحدة إمبراطورية، أو كانت كذلك في وقت ما على الأقل، لجميع الأسباب المذكورة أعلاه. لكن ما هو المقدار الذي يعرفه معظم الناس عن المستعمرات؟ ليس الكثير. 

وذلك ليس لعدم توفر المعلومات عن الموضوع، فقد بحث علماء كثر، ومنهم من عمل في أقاليم الإمبراطورية، بشكل دقيق في هذا الموضوع على مدار عقود. لكن المشكلة أن أعمالهم هُمشت. حتى مع وجودها على الرفوف، ما دامت خريطة الرمز عالقة في الأذهان، فإنها ستبدو "غير موضوعية". وستبدو وكأنها تبحث في الدول الأجنبية.

تهميش الأقاليم الأميركية

أعترف بأنني ارتكبت خطأ في هذا التصور رغم أنني درست العلاقات الخارجية الأميركية خلال تقديمي لأطروحة الدكتوراه، وقرأت كتبًا لا تعد ولا تحصى عن "الإمبراطورية الأميركية"، بما في ذلك الحروب والانقلابات والتدخل في الشؤون الخارجية، لكن أحدا لم يتوقع مني أن أعرف حتى حقائق أولية عن الأقاليم. وكأنها ليست مهمة.

ولم أتمكن من معرفة ذلك إلا بعد أن سافرت إلى مانيلا لأغراض بحثية مختلفة تماما عن موضوع الأقاليم، فقد وجدت هناك شوارع سُميت تيمنا بشخصيات أميركية معروفة، وأسماء جامعات وولايات ومدن. وعندما وصلت إلى جامعة أتينيو دو مانيلا، وهي إحدى أعرق الكليات في البلاد، سمعت طلابا يتحدثون بلغة إنجليزية مكسرة.

قد يكون اكتشاف امتداد الإمبراطورية، أمرا صعبا من "البر الرئيسي"، لكن لا يمكن استثنائه من مواقع المناطق التي خضعت للاستعمار الأميركي.

لم تعد الفلبين إقليما أميركيا، فقد حصلت على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية. لكن الأقاليم الأخرى التي لم تمنح الاستقلال، حصلت على أوضاع جديدة. فقد تحولت بورتو ريكو إلى "كومنولث" يتم تناوله ظاهريا على أنه علاقة توافقية إلا أنه بجوهره علاقة إكراهية. وأصبحت كل من هاواي وألاسكا، ولايات، إثر القليل من التأخير والتغلب على عقود من الإصرار العنصري على إبقائهم خارج الاتحاد.

ولا زالت الولايات المتحدة تحتفظ اليوم بأراضي ما وراء البحار. مثل غوام، وساموا الأميركية، وجزر ماريانا الشمالية، وبورتوريكو، وجزر فيرجين الأميركية وحفنة من الجزر الصغيرة، وتحتوي الولايات المتحدة اليوم، على نحو 800 قاعدة عسكرية في جميع أنحاء العالم.

تكمن إحدى السمات المميزة حقا لإمبراطورية الولايات المتحدة في كيفية تجاهل وجودها باستمرار، وهذا أمر فريد من نوعه، فلم يُضلل البريطانيون مثلا، حول وجود إمبراطورية بريطانية، بل كان لديهم يوم عطلة للاحتفاء بكونها إمبراطورية. ولم تنس فرنسا أن الجزائر كانت فرنسية. لكن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي تعاني من الارتباك المزمن حول حدودها.

ليس من الصعب تخمين سبب هذه "الظاهرة"، فتعرف الولايات المتحدة نفسها على أنها جمهورية وليست إمبراطورية، فقد ولدت وسط ثورة معادية للاستعمار، وحاربت الإمبراطوريات منذ قيامها، من ألمانيا النازية وإمبراطورية اليابان وصولا إلى "الإمبراطورية الاتحاد السوفييتي الشريرة". 

إن هذا التصور الذاتي للولايات المتحدة على أنها جمهورية، هو بمثابة مواساة لكنها مكلفة. ودُفعت هذه التكلفة بشكل أساسي على حساب هؤلاء الذين يعيشون في المستعمرات وحول القواعد العسكرية. فقد منحتهم خريطة الرمز مكانة الظل، وهو مكان خطير للعيش فيه. ففي الكثير من الأحيان، أُطلق النار على سكان مستعمرات الولايات المتحدة، وتم تجويعهم واعتقالهم وتعذيبهم وإجراء التجارب عليهم. لكنهم لم يكونوا أبدا مرأيين.

وتٌشوه خريطة الرمز نظرة سكان "البر الرئيسي" إلى تاريخهم الخاص، حيث تستثني جزءًا من بلدهم. إنه جزء مهم. لقد تسببت أجزاء ما وراء البحار في الولايات المتحدة في نشوب حروب، والتوصل إلى الاختراعات، ورفعت من شأن رؤساء، وساعدت في تحديد معنى أن تكون "أميركية". فقط من خلال تضمينها في الصورة، نرى صورة كاملة للبلد - ليس كما تظهر في الخيال، لكن كما هي في الواقع.
 

التعليقات