15/03/2019 - 21:40

التيار الإصلاحي الإيراني: الانكفاء على الذّات

يعاني معسكر الإصلاح الإيراني من أزمة عميقة في أهميّته وشرعيّته. ويبدو أن العديد من المؤيدين الذين آمنوا في السابق بوعود هذا المعسكر بإحلال "الديمقراطية الدينية"، والذين خاضوا حملات انتخابية لسياسيين إصلاحيين خلال الدورات الانتخابية المختلفة.

التيار الإصلاحي الإيراني: الانكفاء على الذّات

من تظاهرات التيّار الإصلاحي عام 2009 (رويترز)

في ما يلي ترجمة خاصّة بـ"عرب ٤٨" بتصرّف:


يعاني معسكر الإصلاح الإيراني من أزمة عميقة في أهميّته وشرعيّته. ويبدو أن العديد من المؤيدين الذين آمنوا في السابق بوعود هذا المعسكر بإحلال "الديمقراطية الدينية"، والذين خاضوا حملات انتخابية لسياسيين إصلاحيين خلال الدورات الانتخابية المختلفة، فقدوا إيمانهم بقدرة الحركة على الوفاء بوعودها.

إن النفور المتسارع من المشروع الإصلاحي، يترك آثارًا بنيويّة على التوجه الذي تتخذه إيران في مجالات السياسة الداخلية والخارجية، ويعزى ذلك جزئيا إلى المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، الطاعن في السنّ (79 عامًا) والذي تجري، بهدوء، الاستعدادات لخلافته في أعلى منصب في الجمهوريّة الإسلامية.

هذا الزوال التدريجي للإصلاح، يعني، أيضًا، أن السياسية الإيرانية تذهب باتجاه تجانس أكبر مع التشدد والمحافظة. وقد يؤدي هذا إلى تجريد المؤسسات الديمقراطية للحكم أو العنصر "الجمهوري" في الدولة، كالانتخابات الدورية التي روّج لها الإصلاحيون دائما، من أي مضمون أو معنى.

الشعبية المتناقصة

سُئل الرئيس الأسبق محمد خاتمي، والذي يعتبره كثيرون القائد الروحاني للحركة الإصلاحية، في لقاء نادر من نوعه أجراه مع مجموعة من البرلمانيين الإصلاحيين في السادس من آذار/ مارس الجاري "هل تظن أن الناس ستشارك في الانتخابات المقبلة؟"، فأجاب بدوره "أظن أن ذلك مستبعد، ما لم نشهد تطورا في العام المقبل".

ومن المزمع إجراء الانتخابات البرلمانية الإيرانية القادمة في ربيع العام 2020.

لا يُرجع تناقص شعبية الإصلاحيين إلى الجهود الدؤوبة لخصومهم المتشددين الأقوياء في إعاقة الخطط الإصلاحية (يسيطر الأصوليّون بدورهم على المؤسسات غير المنتخبة في الدولة، كالقيادة العليا، والحرس الثوري، والقضاء، ومجلس صيانة الدستور)، بل إنه ينبع بشكل أساسي من أداء الإصلاحيين الفاتر والمنافق.

خامنئي، المعركة على خلافته محتدمة  (رويترز)
خامنئي، المعركة على خلافته محتدمة  (رويترز)

وفي حين ينتقد المعسكر الإصلاحي بشكل عام، خصومه "الأصوليين" لدورهم الريادي في الفساد الممنهج وسوء الإدارة الاقتصادية في إيران، فإن بعض الشخصيات الإصلاحية المعروفة، تورطت بشكل مباشر أو غير مباشر، في قضايا اختلاس كبيرة، وأخرى ريعية أوفي المحسوبيات.

وأُطلق على أحدث مثال لهذا النوع من القضايا، لقب "أعظم عملية احتيال في التاريخ الإيراني"، حيث شملت نحو 6.6 مليار يورو من الأموال العامة، والتي ارتبطت بمرجان شيخ الإسلام الآغا، وهو صحافي إصلاحي محافظ ترشح في السابق للبرلمان لينوب عن الحزب الإيراني الإصلاحي الأكثر تأثيرا، "جبهة المشاركة الإسلامية"، وتم تعليق عمل الحزب ومن ثم حظره عام 2010، في أعقاب احتجاجات "الحركة الخضراء" في تموز/ يوليو عام 2009. 

وشملت قضايا تورط الإصلاحيين الإيرانيين في ملفات فساد وعمليات نصب كبرى، شقيق الرئيس، حسن روحاني، والشقيق الأصغر للرئيس الأسبق، إسحاق جهانغيري، وابنة وزير الصناعة السابق، وغيرهم. 

نفاق وغطرسة

ووصف صحافي إيراني في مقابلة اشترط عدم الكشف عن هويته فيها، معسكر الإصلاح في بلاده على أنه "متجر ذو واجهة جميلة، لكن لا شيء في داخله باستثناء الشعارات. فقد تحولت معظم الشخصيات الإصلاحية إلى تجار وسماسرة. والنفاق والغطرسة أسوأ ميزتين للإصلاحيين".

مع ذلك، يبدو أن ابتعاد الإصلاحيين عن الفضيلة، مرتبط بعوامل سياسية عميقة، أكثر من ارتباطه بالاقتصاد.

في أعقاب القمع الوحشي لـ"الحركة الخضراء" عام 2009، والتي أدت إلى تهميش الإصلاحيين، حاولت جماعات إصلاحية كثيرة، أن تقرب صفوفها مع أعدائها التقليديين، بهدف استعادة القوة والتأثير في سياسة الدولة. وغيّر الإصلاحيون هويتهم الأصلية كقوة معارضة شرعية، وتبنوا ميلا إلى الوضع الراهن للحفاظ على أهميتهم السياسية. 

إستراتيجيّة التسوية

كانت أولى مؤشرات اتّباع الإصلاحيين لإستراتيجيّة التسوية، عندما قام بعضهم بدعم عدد من المرشحين المحافظين سيّئي السمعة، مثل زعيم صلاة الجمعة المؤقتة في طهران، محمد إمام كاشاني، ووزير الاستخبارات السابق، محمد ريشاهري، في انتخابات مجلس خبراء القيادة عام 2016. وخلال ذلك، لم يتخذ لا الإصلاحيين ولا حلفاءهم "المعتدلون" خطوات لضمان الإفراج عن قيادات "الحركة الخضراء". 

ومع انتهاء عام 2017، كانت التسوية مع المتشددين قد مهدّت الطريق للتهدئة. وجاءت لحظة الحقيقة عندما هتف المتظاهرون الذين جابوا الشوارع في أوائل عام 2018، احتجاجا على الظروف المعيشية السيئة، شعار "اللعبة انتهت" ضد الإصلاحيين و"الأصوليين"، ما أبرز حجم الإحباط والغضب الذي يشعره الناس تجاه النخبة الحاكمة، بغض النظر عن ميلوهم السياسية.

وفي خطوة جدلية من الطراز الأول، أدان معظم السياسيين الداعمين للإصلاح، بما في ذلك الرئيس الأسبق خاتمي، المظاهرات المنتشرة في أنحاء البلاد، باعتبارها مؤامرة تخريبية دبرها أعداء إيران الأجانب وجماعات مناهضة للنظام عازمة على الإطاحة بالجمهورية الإسلامية.

خاتمي ورفسنجاني... أبرز معارضي خامنئي (رويترز)
خاتمي ورفسنجاني... أبرز معارضي خامنئي (رويترز)

لكن بعض الشخصيات الإصلاحية اعترضت على هذا التوصيف للأحداث، فقد قال رئيس جناح الشباب في "حركة الحرية" الإيرانية المؤيدة للإصلاح، عماد بهافار، في مقابلة مع موقع "ميدل إيست آي"، إن "الإصلاحيين لم يتخذوا موقفا معاديا لاحتجاجات كانون الثاني/ يناير 2018. وقد رُسمت هذه الصورة الخاطئة من قبل الإعلام المعادي للنظام".

كان بهافار قد اعتُقل عام 2009، كجزء من حملة القمع التي قامت بها السلطات ضد محتجي "الحركة الخضراء" وأُطلق سراحه بعد قضاء خمس سنوات في السجن.

وقال باهافار إن ما أثار حفيظة بعض الإصلاحيين تجاه الحركة الاحتجاجية "هي الجهود التي بذلتها الجماعات الراديكالية والتخريبية للاستفادة من مشاكل الناس الاقتصادية وتوجيه [شكاويهم] إلى أعمال شغب عنيفة وعمياء، بهدف الإطاحة بالنظام في النهاية".

التوتر المتصاعد

ومع ذلك، ساد شعور عام بأن رفض "احتجاجات المعيشة"، كان بمثابة محاولة سياسية للإصلاحيين لإثبات ولائهم للدولة وكسب رضا القيادة المتشددة. وعبر اتباعهم هذا النهج، نأى الإصلاحيون بأنفسهم عن قاعدة الدعم التقليدية الخاصة بهم في الطبقة الوسطى والطبقة العاملة، وبالتالي فقدوا مصدرا رئيسيا للضغط على المتشددين.   

وقال عبد الله المومني، وهو شخصية إصلاحية بارزة وسجين سياسي سابق، لـ"ميدل إيست آي"، إن "الإصلاحيين تعاملوا مع الاحتجاجات الشعبية في كانون الثاني/ يناير عام 2018، بطريقة مخادعة وأداتيّة، حيث ظنوا خطأ أن المظاهرات نظمها المتشددون [لإسقاط حكومة روحاني] أو جماعات معادية للنظام مثل مجاهدي خلق وداعمي الملكية". 

وأضاف أن "هذا العلاج غير المبدئي والمعادي للإصلاح خلق الانطباع بأن الإصلاحيين كانوا يحاولون، بمساعدة الأصوليين، ترسيخ الاستبداد. ما كلفهم خسارة مصداقيتهم في المجتمع".

وفي الوقت ذاته، فإن التوترات المتزايدة مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين أحدثت ضررًا أكبر، فقوض انسحاب إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الصفقة النووية في أيّار/ مايو الماضي وإعادة فرض العقوبات على طهران، "مشروع الاعتدال" الخاص بحكومة روحاني في الداخل.

ومع تزايد الضغوط الدولية على إيران وتكثيف الاستقطاب في نقاشها حول السياسة الخارجية، استولى المتشددون على الخطاب القومي، وأجبروا خصومهم الإصلاحيين على تبني مواقف مماثلة حتى لا يظهروا أنهم متراخونأو ضعفاء، أو حتى أسوأ من ذلك، خونة.

مرفوضون من الدولة

ليس هناك شك بأن السنوات الأخيرة، أظهرت تحولا سياسيا يمينيا على مستوى الدولة في إيران، والذي نتج جزئيا من تقلص أهمية الإصلاحيين وشرعيتهم.

وفي أواخر العام الماضي، عين خامنئي، السياسي المتشدد والرئيس السابق للقضاء، صادق أمولي لاريجاني، رئيسا جديدا لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وهي هيئة مكلفة بحل الجمود والنزاعات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور.

ولتعزيز قبضة معسكره السياسي المفضل على مؤسسات الدولة، عين خامنئي رجل الدين المحافظ إبراهيم الريسي، رئيسا جديدا للهيئة القضائية في السابع من آذار/ مارس الحالي، على الرغم من، أو ربما بسبب، دوره المشهور في الإشراف على الإعدام الجماعي للسجناء السياسيين في الثمانينيات.

وذكر المومني خلال المقابلة، أيضًا، أن هذه التعيينات تُظهر "ميل الدولة (المستمر) إلى القوى المتشددة والمعادية للإصلاح. وبكلمات أخرى، أصبح الإصلاحيون الخاسرين الأكبر، فقد نبذتهم الدولة ورفضهم المجتمع".

التعليقات