18/10/2019 - 22:45

إسرائيل و"بوليوود"... قصّة فشل غير معلن

إلى أين وصلت "العلاقة الثقافيّة" بين إسرائيل وبين الهند؟ ما وراء السعي الـ"بوليوودي" للتصوير في إسرائيل؟ وما مآلات ذلك؟

إسرائيل و

نتنياهو ونجوم "بوليوود" عام 2018 (رويترز)

في ما يلي ترجمةٌ خاصّة بـ"عرب ٤٨"، بتصرُّف:


همّ نجوم أكبر مصّنعي الأفلام الهندية، "بوليوود"، المشاركة في "المهرجان الهندي في تل أبيب"، الذي كان من المقرّر عقده خلال الأيام القليلة الماضية، ليكون بمثابة "عرض ثقافي"، يوصف بأنه الحدث الأكبر في تاريخ العلاقات الثقافية بين الهند وإسرائيل.

ويسعى المهرجان، الذي يستضيف الممثلين الشهيرين، أنيل كابور وأميشا باتيل، وثمانية نجوم آخرين على الأقل من السينما الهندية، إلى أن يكون بمثابة عمل ثقافي خارج عن المألوف، يهدف إلى تقريب العلاقات الإسرائيلية الهندية، حيث كان من المتوقع أن يشارك نحو 30 ألف هندي في عدد كبير من نشاطات المهرجان في تل أبيب.

لكن المهرجان غرق في الجدل والارتباك حتى قبل أن يبدأ. ففي الأسبوع الماضي، حث ناشطون من حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) مؤيدي الحركة على ممارسة الضغط على ممثلي "بوليوود" لإلغاء زيارتهم واحترام المقاطعة الثقافية لإسرائيل.

ويوم الثلاثاء الماضي، أخبرت صوفي شودري، إحدى الممثلات الهنديات في برنامج المهرجان، موقع "ميدل إيست آي"، أن الحدث أُلغي مع أن التذاكر لا تزال معروضة للبيع حتى اليوم، وليس هناك أي تصريح رسمي حتى الآن يؤكد ادعاءات شودري. ووفقًا لحركة المقاطعة، فقد أُجل حدث مماثل، العام الماضي، إلى أجل غير مسمى، بعد أن مورس ضغط كبير على الممثلين لسحب مشاركتهم.

لكن بوجود المهرجان أو بعدمه، فإن عدوانية إسرائيل "الساحرة" في "بوليوود"، لا تزال مستمرة.

وقال منسق جنوب آسيا لحملة المقاطعة، أبورفا بي جي، لموقع "ميدل إيست آي"، إن "التودّد لـ’بوليوود’ من أجل تبييض انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني، هو جزء من البصمة الإستراتيجية (الخارجية) الإسرائيلية".

ومن المتوقع أن يتوسّع هذا "التودّد" ويصل إلى آفاق جديدة في المستقبل القريب.

ومن المقرر إطلاق أول فيلم هندي صُوّرت بعض أجزائه في إسرائيل، في الأول من تشرين ثانٍ/ نوفمبر المقبل، على منصة بث المحتوى الترفيهي "نتفليكس". والفيلم من بطولة سوشانت سينغ راجبوت، وجاكلين فرنانديز، وهو عبارة عن النسخة الهندية للفيلم الهوليوودي "السرعة والغضب"، بمشاهد صُورت "في شوارع تل أبيب وفي الأزقة الخلابة لمدينة يافا القديمة".

وعلى حد تعبير موقع "جيروزاليم أونلاين" الإخباري، فإن "الفيلم يتمحور حول سائقين مَهَرةٍ يتحولون إلى سائقي تهريب، يستخدمون الأموال المسروقة في عملية سطو عالية الخطورة للقيام برحلة إلى تل أبيب، المدينة التي لا تنام أبدًا وتشتهر بحياتها الليلية وشواطئها وحفلاتها".

وعلى صُعُدٍ عدّة، فإن فيلم "درايف (سياقة)"، سيكون أول عائد للاستثمار الإسرائيلي في زيادة قوة "بوليوود" الناعمة لمعالجة صورة إسرائيل المتدهورة في العالم الغربي.

وفي رهانها على إمكانية دخول أسواق جديدة وجذب سياح جُدد، ضخت إسرائيل استثماراتها في الأفلام والحوافز الضريبية، أيضًا. ومُوّل "درايف" على سبيل المثال، بشكل جزئي، من وزارة السياحة الإسرائيلية ومكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو.

نتنياهو ومودي... متطرفان وطّدا علاقات الهند بإسرائيل (مكتب الصحافة الحكومي)
نتنياهو ومودي... متطرفان وطّدا علاقات الهند بإسرائيل (مكتب الصحافة الحكومي)

وقال العضو في مبادرة جنوب آسيا للتضامن (SASI)، روبيندرا ديب، إن العلاقات المتنامية بين إسرائيل و"بوليوود"، تُعد "علامة مقلقة على تنامي العلاقات بين الهند وإسرائيل ودعمها لاحتلال فلسطين".

وبالفعل، فقد وجد المشروع الإسرائيلي لتبييض احتلال فلسطين، جمهورا محبا بين وسائل الإعلام الهندية التي تبث باستمرار أفكارا معادية للمسلمين، وسرديات قومية مُحَرَّفة خاصة بها. وعلى سبيل المثال، زعمت مقدمة برنامج تلفزيوني هندي يركز على تاريخ "بوليوود" اليهودي خلال عصر السينما الصامتة أن "التواصل بين إسرائيل والسينما الهندية يعود إلى أوائل القرن العشرين"، مع أنها اعترفت بأن الممثلين الأوائل كانوا "يهودا من بغداد".

كما أنها تجاهلت التطرق لحقيقة أن إسرائيل لم تكن قائمة في تلك الفترة بعد، ناهيك عن أنها أُقيمت بعد مرور فترة طويلة على انتهاء حقبة الأفلام الصامتة.

وقالت مديرة "بوليس بروجكت"، وهي مؤسسة بحثية وإعلامية تقدمية تتخذ من نيويورك مقرا لها، سوشيترا فيجايان، إن رغبة "بوليوود" في المشاركة في مشروع الاستحواذ الثقافي الإسرائيلي، ليست مفاجئة.

وأضافت أن "إسرائيل تستعمر الفن، إنها تستعمر الثقافة. و’بوليوود’ لا تتعدّى كونها المثال الأكثر وضوحًا على هذه الطريقة. وحظيت فلسطين بعلاقة أطول مع شبه القارة الهندية، وتحاول إسرائيل محو تلك العلاقات، أيضًا".

ووفقًا للحكومة الهندية، يعيش في إسرائيل اليوم 85 ألف يهودي من أصول هندية، كما يعيش 12500 مواطن هندي فيها، ويعملون في مجموعة متنوعة من الوظائف، بما في ذلك الرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات وتجارة الماس.

علاقات تتمتن

وقالت فيجايان إنه بالنظر إلى أن هجرة العمالة الماهرة في الهند لا تزال محصورة في المقام الأول على الطبقات الأكثر تهميشا، فهي على يقين من "أنهم يأخذون معهم الإحساس المسعور بالقومية والسياسة الطائفية، وهو ما يفسر التقدم الذي حققته ’بوليوود’. أما الطرف الثاني لذلك، فهو أن الهند تُعد سوقا ضخما لإسرائيل".

تحسنت العلاقات الهندية والإسرائيلية بشكل هائل منذ أوائل التسعينيّات، ولكن منذ تولي نارندرا مودي منصب رئيس الوزراء عام 2014، بلغت الشراكات بين البلدين، مستويات غير مسبوقة.

وفي عام 2017، أصبح مودي أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل، مؤكدا التحول الهائل في السياسة الخارجية الهندية (بعد عقود من "الانحياز" للموقف الفلسطيني)، لتتحول الهند اليوم إلى أكبر مشترٍ للأسلحة الإسرائيلية، منفقة نحو مليار دولار سنويا.

وأصر نتنياهو، خلال زيارته التي استغرقت ستة أيام إلى الهند في كانون الثاني/ يناير 2018، على لقاء الممثلين والمنتجين الهنود في مومباي، لمناقشة والاتفاق على التعاون مع "بوليوود".

ومنذ ذلك الحين، لم يفوت ممثلو إسرائيل في الهند أي فرصة للتفاخر بالروابط بين البلدين، سواء كان ذلك على صعيد التبادل التكنولوجي أو المخاوف الأمنية المشتركة، أو مجرد التباهي بأن "بوليوود" باتت تعمل مع جهات إسرائيلية.

داعمون لإسرائيل.؟ مؤيدون لحصار كشمير (أ ب)
داعمون لإسرائيل؟ مؤيدون لحصار كشمير (أ ب)

وفي الثالث من آب/ أغسطس الماضي، وهو اليوم المعروف باسم "يوم الصداقة" لدى البعض، أصدرت السفارة الإسرائيلية في نيودلهي، فيديوهات مجمعة، تحتفي بـ"الحب المتبادل" بين نتنياهو ومودي.

وأُرفق إلى خلفية الفيديو، أيضًا، ألحان أغنية "لن نكسر هذه الصداقة أبدًا"، وهي أغنية من أحد أفلام "بوليوود" الأكثر شهرة في الهند.

وعلى النمط ذاته، فعندما فاز باتشان بأهم جائزة هندية في مجال السينما في أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، كان السفير الإسرائيلي في الهند، رون مالكا، من أول المهنئين على "تويتر".

وكان من المتوقع، أيضًا، أن يسافر نجم أفلام الحركة (أكشن)، تايغر شروف، في وقت لاحق من هذا العام إلى تل أبيب، بهدف تعلم فنون القتال الخاصة بالجيش الإسرائيلي، أي "الكراف مغاع"، من أجل فيلمه الجديد. وأُلغيت الرحلة فقط عندما شعر صناع الأفلام بأن تسلسل الأحداث سيكون تكرارا لأحداث أفلام سابقة.

وقال أبورفا بي جي إن السلطات الإسرائيلية لم تخف أن محاولة جذب "بوليوود" تنطلق من مساعيها لتفكيك حركة المقاطعة، وتحسين صورة إسرائيل في الهند، مضيفا أن "إسرائيل تقدم منافع للمنتجين الهنود حتى يأتوا لتصوير أفلامهم في إسرائيل".

البروباغندا في "بوليوود"

من المعروف أن بعضا من كبار نجوم "بوليوود" يحاول الترويج للوضع الراهن سياسيا، ونادرا ما يعارضه. وتزخر "بوليوود" بأمثلة كثيرة لأفلام تقلّل من شأن الأقليات وتنظر إليها بصورة نمطية، أو تلك التي تروّج للخطاب الحكومي.

وقالت فيجايان إن بوليوود "عملت دائمًا على تطبيع الأمور الأكثر إشكالية التي تتعلق بالهند. ووجدت ’بوليوود’ دائمًا طريقة لتقديم الهند على أنها 'خيّرة' و كريمة'".

وأوضحت أن الهند تعمل من خلال "بوليوود" على "تطبيع وتعميم المجمع الصناعي العسكري" النامي بشكل يومي.

وفي وقت سابق من هذا العام، شجعت الممثلة وسفيرة السلام في اليونيسف، بريانكا شوبرا، الحرب بين الهند وباكستان في أعقاب هجوم على القوات الهندية في كشمير المتنازع عليها. وعندما فرضت الهند حظر الاتصالات عن كشمير في الخامس من آب/ أغسطس الماضي، كتب الممثل الهندي المخضرم، والمؤمن بفوقية الهندوس العرقية، أنوبام خير، أن "حل كشمير" قد بدأ.

وقالت فيجايان إنه "عندما أرادت بريانكا شوبرا الانتقال من ’بوليوود’ إلى هوليوود، اختارت أن تلعب دور عميلة في مكتب التحقيقات الفيدرالي في برنامج تلفزيوني Quantico، وأن تصبح الصوت الفصيح والمثير للإمبراطورية (الأميركية)، متجهة لقتل أبناء جلدتها من ذوي البشرة البنية، باسم الأمن القومي".

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أصدر نجم "بوليوود"، شاه روخ خان، مسلسلا على "نتفليكس"، بعنوان "سراج الدم"، يركز على التمرد في ولاية بلوشستان الباكستانية. وللوهلة الأولى، قد تبدو الرواية آسرة، بشكل متجرد، لكن لطالما استخدمت حكومة مودي بلوشستان كحجة لإبعاد النقد عن احتلالها في كشمير.

وكتُبت في إحدى المراجعات النقدية للمسلسل "يصور 'سراج الدم'، معظم شخصياته الباكستانية والأفغانية على أنها تفتقر إلى أي قيمة أخلاقية، حيث أنه يعرضهم إما كزناة أو مشتهي أطفال، أو كمتعصبين يقطعون رؤوس كل شخص في لحظة غضب. وفي الوقت ذاته، فإن معظم الشخصيات الهندية تُصور على أنها تمثل مواطنين مستقيمين يحاولون فعل الشيء الصحيح".

بالنظر إلى تاريخها كحامية حماة الوضع الراهن، فإنه إذا ما كان هناك خلاف داخلي متزايد داخل "بوليوود"، فمن غير المرجح أن يراه الجمهور.

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، كتب 49 فنانًا مسرحيًا، بعضهم مرتبط بـ"بوليوود"، خطابا مفتوحا إلى مودي يدعونه إلى وضع حد لعمليات القتل الجماعية في الهند، ليتم اتهامهم على الفور بالفتنة.

وقال أبروفا بي جي إن "الحملات المتعلقة بـ’بوليوود’ والمجال الثقافي بشكل عام مهمة للغاية بالنسبة لنا (كحركة مقاطعة)، إنهم لا يعكسون فقط إستراتيجيّة إسرائيل الثابتة والمثيرة للسخرية، المتمثلة في استخدام الفن لصرف الانتباه عن الاحتلال والفصل العنصري، والأهم من ذلك أنها تعكس تزايد شعبية حركة المقاطعة".

واختتم بقوله "في النهاية، نطلب من ’بوليوود’ الوقوف ضد الفصل العنصري وألا تكون أداة لاستخدام إسرائيل المتهكم لموهبتها وشعبيتها".

التعليقات