21/05/2020 - 23:30

ما قيمة التعليم في ظل كورونا؟

"لنفترض أن سعر الكتاب العادي يساوي 100 دولار هونغ كونغي (نحو نصف شيكل)، فما المبلغ الذي ستكونون مستعدين لإنفاقه على كتاب إلكتروني مكافئ؟".

ما قيمة التعليم في ظل كورونا؟

التعليم عن بُعد في ألمانيا (أ. ب.)

الكاتب: Anirban Mukhopadhyay، رئيس تحرير مجلة "علم نفس المستهلك" العلمية (بالترجمة الحرفية من اللغة الإنجليزية)، وعميد مساعد للدراسات الجامعية، وأستاذ "أنماط الحياة العالمية للأعمال التجارية" في جامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا.


"لنفترض أن سعر الكتاب العادي يساوي 100 دولار هونغ كونغي (نحو نصف شيكل)، فما المبلغ الذي ستكونون مستعدين لإنفاقه على كتاب إلكتروني مكافئ؟".

أوجه هذا السؤال عادة لطلّاب الماجستير في إدارة الأعمال، في الحصص التمهيدية للتسويق، وتحديدا في بداية تناول مسألة تسعير السلع.

وعادة ما تتراوح أجوبة الطلاب على هذه السؤال، ولكنها تقف عند معدّل 20 دولارا هونغ كونغي، أي ما يمُثل 20 بالمئة فقط من المبلغ الأصلي المطروف للكتاب العادي. وعند فحص هذه النتيجة، غالبا ما نجد أن أسبابها الأساسية تتمحور حول تكاليف التصنيع والنقل والتخزين.

ومن ثم أسألهم ما إذا كانوا يفضلون اقتناء كتاب عادي أم إلكتروني، ولماذا. وعادة ما يميل معظم نحو تفضيل الطلاب الكتب الإلكترونية، بسبب الراحة في استخدامها وسهولة تخزينها واستدامتها.

ومن ثم أقول: "إذا كان الكتاب الإلكتروني يقدم جميع هذه المزايا المختلفة، فلماذا أنتم مستعدون لدفع جزء صغير من السعر لقائه فقط (مقارنة مع الكتاب العادي)؟". ويصل الطلاب إلى مرحلة يدركون فيها أن عروض الأسعار التي قدموها لا ترتكز على القيمة الأساسية للكتاب ومحتواه، بل على الفوائد الثانوية المحيطة بالكتاب، وهي ميزات إضافية جذابة.

وأما الطلاب الذين يفضلون الكتب الورقية، فيدركون أيضا، أن أسباب تفضيلهم المذكورة/المعلنة، مثل الإحساس بثقل الكتاب، وبصفحاته ورائحتها، هي أيضا ميزات إضافية. لكن ما من أحد يدرك حقا، كيفية تقديره لجوهر الكتاب.

(أ. ب.)

وتسبب وباء كوفيد-19 (فيروس كورونا)، باضطرار المؤسسات التعليمية حول العالم للانتقال للتعليم عبر الإنترنت. وهناك نقاش دائر حول قيمة التعليم الرقمي، يشابه النقاش الذي أطرحه في دروسي إلى حد كبير. فتماما كما يرى البعض أن الكتب الإلكترونية لا بد أن تكون تكلفتها أقل الكتب العادية، فإن بعض الناس يشعرون أن حضور حصّة عبر الإنترنت يجب أن يكون أقل تكلفة من الدرس العادي. فيما يشعر البعض الآخر أن التعليم عبر الإنترنت غير ملائم بسبب انخفاض التفاعل البشري فيه.

ومع ذلك، فقد سمعت نقيض كُل تعليق ذُكر أعلاه، بل وأكثر من ذلك. في الواقع، أكد طلاب كثر أنهم يتفاعلون في الفصل أكثر من أي وقت مضى.

ولا يقتصر الأمر فقط على أن الطالب المتردد يجد اليوم سهولة أكبر بالتواصل من خلال الكتابة، فجميع طلاب يحظون الآن أيضا، بإمكانية مشاهدة أساتذتهم على مقربة دون البعد الذي تفرضه مدرجات المحضرات، بين المحاضر والطلاب، ناهيك عن أن هذا الجيل يحب التواصل من خلال الشاشات.

لحسن الحظ، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، انتقلت تعليقات زملاء كثر على التعليم عن بعد، بين "كان ذلك أفضل مما كنت أخشى"، في شباط/ فبراير الماضي، إلى "إنه ممتع حقا" في الآونة الأخيرة.

(أ. ب.)

ومع ذلك، رغم أنني شعرت بالاندهاش من تدفق التعاون والدعم المتبادل بين المدرسين في جميع أنحاء العالم، الذي شهدناه مؤخرا، إلا أنه لم تتوصل المؤسسات التعليمية لقرار بعد، بشأن مدى الفاعلية النسبية لتقديم الحصص عبر الإنترنت، وإذا ما كانت تتم على أفضل شكل.

عندما ينجلي غبار هذه الأزمة، علينا أن نحافظ على مكتسبات الصيغة الرقمية للتعليم، بإدراك تام إلى أن طرق التعليم التقليدية المتمثلة بتقديم المحاضرات في صفوف عادية، وإجراء امتحانات مغلقة المصادر، صُممت في لبها، بهدف الكفاءة والتحكم في الطلاب، أكثر مما كانت تتمحور حول الفاعلية التربوية.

وتفوت هذه المقارنات فكرة أعمق، فالتسعير بطبيعته هو عملية غريبة تعتمد على مفهوم المال، والذي يعتمد بدوره على فكرة المنفعة، ولا يدلل أي منهما بشكل موثوق، على أي من المبادئ الأساسية البشرية.

وأظهر علماء السلوك الثلاث دان أريلي، وجورج لوينشتاين، ودرازين بريليك، أنه عندما لا تتوفر أسعار مرجعية للمنتجات، "يؤسس" الناس لأسعار تبدو مناسبة لهم بناء على معلومات أخرى ملقاة أمامهم. ثم، وبالنظر إلى الأسعار التي طرحوها سابقا، فهم يقدمون استنتاجات حول قيمة المنتج، وهي ظاهرة أطلقوا عليها وصف "الاعتباط المتسق".

ويمكننا أن نطرح سؤالا مشابها حول التعليم. لا بد أن تكون تكلفة الشهادة التي يستغرق تحصيلها عامين، أكبر من تكلفة شهادة لا تتطلب سوى عام واحد، ولكن لماذا يحتاج الناس إلى التعليم أصلا؟ هي القيمة الأساسية منه؟

(أ. ب.)

مؤخرا، وفي جلسة أصدقاء عبر تطبيق "زوم"، طرحت فكرة إلغاء العلامات تماما.

وبعد تلعثم الزملاء في البداية، قال أحدهم إن ذلك سيكون مستحيلاً لأن العلامات هي خدمة تقدمها الجامعات للمجتمع. وهذا دفعني للتساؤل؛ هل هذا هو الهدف من الجامعة حقا؟ هل يحتاج المجتمع حقا إلى العلامات كخدمة؟ ما هي تكلفة هذه الخدمة، من حيث الإجهاد، والتضليل المحفز، والتشتيت بنتائج عكسية عن جوهر التعليم؟

تُعد مسألة القيمة الأساسية مهمة للأفراد الذين يختارون الالتحاق بالتعليم الجامعي، لأن الشخص الذي يشتري كتابا إلكترونيا معروضا للبيع بسعر مُخفض، أو الذي يستمتع بعشاء في منزله حصل عليه بخصم 20 بالمئة من سعره من أحد المطاعم بسبب إجراءات الحظر، لم يقم باستثمارات مرتبطة بالسمعة سمعة لقاء هذا الكتاب أو وجبة العشاء تلك. وعلى النقيض من ذلك، فإن الجامعة التي تختار ارتيادها توسمك إلى الأبد.

أنا أستاذ جامعي، لكن هويتي طُبعت من قبل المؤسسات التعليمية التي تلقيت تعليمي منها، وليس من قبل مشغلي اليوم. فسوف أبقى خريج تلك المعاهد مدى الحياة. وحقيقة أن هذه المؤسسات لا تزال تجذب وتخرج طلابا ممتازين، تعود بتأثير إيجابي مستمر على قيمة تعليمي السابق. وإذا ما خفض القائمون عليها، من نفقاتها، وبالتالي من قيمتها، فقد أعاني.

وتترتب آثارا أعمق على المجتمع أيضا. ففي عصر التفكير التصميمي، والمشاكل المعقدة (أي تلك التي يصعب أو يستحيل حلها بسبب العديد من العوامل المترابطة)، لا يتلخص التعليم بشهادة معرفية مكتسبة، بل بكونه رحلة لاستكشاف الذات وإدراك لكيفية الاستمرار في التطور والنمو. وفي سياق اللحظة الراهنة، فإن الذكاء العاطفي لا يقل أهمية عن نسبة الذكاء (آي كيو)، إن لم يكن أهم منه أصلا.

(أ. ب.)

تُبنى المجتمعات الحديثة على الرأي، وسواء كانت هناك خلافات حول موعد إعادة فتح المقاهي أو الحدود أو إعادة تفعيل أي قضايا أخرى ذات أهمية اجتماعية وسياسية، يبقى السؤالان الرئيسيان هما: هل نعرف كيف نتفاعل بشكل بنّاء مع أولئك الذين يختلفون معنا، وهل ندرك متى وكيف تُحدث آرائنا بناءً على الحقائق الطارئة؟

يعملنا التعليم، سواء تمثل ذلك بتذوق الأعمال الأدبية، أو جمال العالم الطبيعي، أو مسار مناقشة حالة في ماجستير إدارة الأعمال، أن نفتح عقولنا وأن نعيد تقييمها، وتغييرها. ومن غير الممكن أن يكون هناك خطاب، ولا تقدم اجتماعي، إلا إذا علم الناس كيف يغيرون أفكارهم.

وفي هذه الأوقات التي نشهد بها ضغوطات مالية عميقة، من المهم أن تقدم الجامعات والحكومات المساعدة المالية على أساس الاحتياجات. وبالمقارنة مع نظيراتها في أميركا الشمالية، فإن الجامعات في هونغ كونغ تملك شبكة أمان لأنها ممولة إلى حد كبير من قبل الحكومة. ولا تحتاج إلى أن توازن مدخولاتها بين سباقات وبرامج الألعاب الرياضية المضخمة (ككرة السل وكرة القدم الأميركية)، وبين إلقاء وزر تكاليفها على مساعدي الأساتذة الذين يحصلون على أجور منخفضة، وتقليل الأنشطة الأساسية.

ومع ذلك، يشير خفض أسعار التعليم إلى خصم محتمل لا رجعة عنه لقيمته، وهذه عملية قد بدأت بالفعل. كمجتمع، يجب علينا دفع جامعاتنا لتعليم أطفالنا كيفية تغيير أفكارهم. لأنه في التحليل النهائي، ما نحصل عليه من تعليم، هو ما ندفع ثمنه.

التعليقات