20/07/2022 - 21:52

الواقعيّة الأميركيّة الجديدة في الشرق الأوسط

لا تزال احتمالية اشتعال الصراع على عدة محاور مرتفعة: إيرانية-إسرائيلية، وإيرانية-سعودية، وإسرائيلية-لبنانية، وسورية-تركية، وسعودية-يمنية، من بين محاور أخرى.

الواقعيّة الأميركيّة الجديدة في الشرق الأوسط

خلال القمة في السعودية (Getty Images)

في ما يلي ترجمة بتصرّف، خاصّة بموقع "عرب 48"، لمقالة نُشرت في موقع مجلة "فورين أفيرز"، لكاتبها غريغوري غاوس الثالث، أستاذ الشؤون الدولية ورئيس قسم الشؤون الدولية في كلية بوش للإدارة الحكومية والخدمة العامة في جامعة تكساس "إيه آند إم".

نُشرت المقالة الأصلية في 6 تموز/ يوليو الجاري، أي قبل زيارة الرئيس الأميركيّ، جو بايدن وجولته التي بدأت في إسرائيل. ويأتي نشر ترجمة هذه المقالة، لقيمتها التحليلية للسياسات الأميركية، في أعقاب الحرب الروسية في أوكرانيا[1].


أطلقت زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى السعودية، العنان لسيل من الثرثرة في مجتمع السياسة الخارجية الأميركية، حتّى قبل أن تُجرى. وكانت بعض ردود الفعل بما في ذلك من السياسيين الديمقراطيين المؤثرين، سلبية وبلا تحفُّظ. وقال عضو الكونغرس الديمقراطي، آدم شيف: "إلى أن تُحدِث المملكة العربية السعودية تغييرات جذرية في مجال حقوق الإنسان، لا أريد أن يكون لي أي علاقة به"، في إشارة إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. ولكن المدافعين عن قرار بايدن بالزيارة يحاججون بأن المصالح الأميركية وواقع علاقات القوة في الشرق الأوسط، يتطلب وجود علاقة إستراتيجية مع السعوديين، على الرغم من سجلهم السيئ في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية.

هذا المستوى من الخلاف والجدل، غير عادي، لأن الرؤساء الأميركيين اجتمعوا بالقادة السعوديين بانتظام منذ السبعينيات، وقبلها، إلا أن إدارة بايدن أشارت، بعبارات لا لبس فيها، إلى أنها ستتعامل مع السعودية بشكل مختلف عن الإدارات السابقة.

وقال بايدن خلال الحملة الرئاسية لعام 2020 إنه سيجعل السعوديين "يدفعون الثمن" لمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018، ولمشاركة السعودية في الحرب في اليمن، وإنه سيعاملهم على أنهم "منبوذون، كما هم حقًا". وقد أذِن بايدن بمجرّد وصوله إلى منصبه بإصدار تقرير استخباراتي أميركي، يفيد بأن محمد بن سلمان كان مسؤولا عن مقتل خاشقجي على يد عملاء سعوديين في القنصلية السعودية في إسطنبول.

رفض بايدن التعامل مباشرة مع ولي العهد السعودي، واتخذ خطوات سياسية أدت إلى تفاقم العلاقة مع السعوديين، بما في ذلك إلغاء التصنيف الرسمي للحوثيين (أعداء السعودية في اليمن) كإرهابيين، وإزالة بطاريات الدفاع الجوي الأميركية من السعودية، واستئناف المحادثات النووية مع إيران، وعليهِ فإن الزيارة المرتقبة إلى الرياض، تمثل انعكاسا وتراجعا لرئيس يواجه عددا متزايدا من المشاكل السياسية في الداخل الأميركي.

("أ ب")

أشرت في وقت سابق من هذا العام في مجلة "فورين أفيرز" إلى وجوب تفضيل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط للنظام من بين الأهداف الأخرى، وهذا يعني التعامل مع الأنظمة والقادة الذين تلطخت أيديهم بدماء شعوبهم إذا كانت تخدم المصالح الأميركية، وتتوافق إعادة العلاقات مع السعودية مع هذه الأجندة.

وعلى الرغم من أن زيارة بايدن قد لا تتماشى مع خطاباته السابقة وقيَمِه المعلَنة، إلا أنها ستساعد في تصحيح علاقة يمكن، إذا ما قامت بشكل صحيح، أن تساعد في استقرار أسواق النفط العالمية، وأن تمدد الهدنة في اليمن، وفي احتواء الطموحات الإيرانية.

خارج عن السيطرة

كان بايدن منفتحا منذ توليه منصبه -جزئيا على الأقل- على إعطاء الأولوية للحفاظ على النظام في الشرق الأوسط، مقدِّمًا إياه على أهداف أخرى، مثل حماية حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية، حيث استأنف المحادثات مع إيران (بوساطة أوروبية) حول استعادة "خطة العمل الشاملة المشتركة"[2]، التي نجحت خلال إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما في إيقاف برنامج إيران النووي. وعندما سحب الرئيس السابق، دونالد ترامب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، جددت إيران برنامجها النووي، وصارت إيران منذ ذلك الحين أقرب إلى التسلّح المحتمَل.

كانت إدارة بايدن على استعداد للتغافل عن الكثير من القضايا الشائكة مع طهران بما في ذلك دعمها لمنظمات ترى واشنطن أنها إرهابية، ولنظام بشار الأسد الوحشي في سورية، وترسانتها المتنامية من الصواريخ الباليستية، لمحاولة وقف أو إبطاء تقدم في البرنامج النووي، خصوصًا أنه تطويره لن يساهم في أي شيء أكثر من مفاقمة الصراع، وعدم الاستقرار في المنطقة.

تُعدّ زيارة بايدن إلى السعودية خطوة إيجابية نحو النظام والاستقرار، مع تسبُّب الحرب الروسية على أوكرانيا في زعزعة أسواق الطاقة العالمية، وتكتسب الرياض الآن بوصفها أكبر مصدر للنفط أهمية متجددة. وتتطلب المحافظة على النظام في سوق النفط، من السعوديين، مضاعفة طاقتهم الإنتاجية للتعويض جزئيًا عن بعض الإمدادات الروسية المفقودة بسبب العقوبات.

وبدأت السعودية في التواصل مبدئيا مع إسرائيل، وهو تطور سيساهم في جعل الشرق الأوسط أكثر قابلية للتنبؤ، مدفوعة جزئيا بـ"اتفاقيات أبراهام"، التي أبرمتها إدارة ترامب، والتي توسطت في تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.

بايدن ولبيد (Getty Images)

يبرّر تحقيق هذه المصالح الأميركية الملموسة، عدم التزام بايدن باعتراضاته على انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، خصوصًا لوجود حاجة للحدّ من التوترات في العلاقة الأميركية - السعودية. ويؤتي هذا التحول ثماره بالفعل، إذ مُدِّد وقف إطلاق النار في الحرب الأهلية اليمنية لمدة شهرين آخرين في حزيران/ يونيو كنتيجة جزئية للدبلوماسية الأميركية مع السعودية.

ليست إدارة بايدن وحدها التي تضع تحفظاتها الأيديلوجية جانبًا، سعيًا لتحقيق النظام في الشرق الأوسط، بل سلكت حكومات أخرى في المنطقة، الاتجاه نفسه، إذ أجرت السعودية في الأشهر الأخيرة سلسلة من المحادثات الثنائية مع إيران بوساطة من الحكومة العراقية. كما أعادت الإمارات، الانخراط في محادثات مباشرة مع إيران.

وقد كان موقف الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان في السنوات الأخيرة من محمد بن سلمان موقفًا علنيًا في التوبيخ بسبب مقتل خاشقجي، وسعى على نطاق أوسع إلى تحدي تزعُّم السعودية للدول العربية السنية في الشرق الأوسط، ولكن في نهاية حزيران/ يونيو، استقبل إردوغان ابن سلمان في أنقرة، وفي خطوة أكثر إثارة للجدل -على الأقل من وجهة نظر أميركية- استضافت الحكومة الإماراتية، رئيس النظام السوري في آذار/ مارس، في رحلة هي الأولى للأسد إلى بلد عربي منذ بدء الحرب في سورية في عام 2011.

ولا يعني أي من هذه التطورات أن السلام سيحلّ في المنطقة في أي وقت قريب، إذ لا تزال احتمالية اشتعال الصراع على عدة محاور مرتفعة: إيرانية-إسرائيلية، وإيرانية-سعودية، وإسرائيلية-لبنانية، وسورية-تركية، وسعودية-يمنية، من بين محاور أخرى، ولكن ما نشده من تقاربات يشير بالفعل إلى أن القادة الإقليميين بدؤوا في إعادة النظر في تكاليف عدم الاستقرار وفوائد النظام. على الدبلوماسية الأميركية أن تشجع هذا الاتجاه وأن تشارك فيه.

العودة إلى المسار الصحيح

تآكلت أسس العلاقة الأميركية - السعودية، الصعبة في بعض الأحيان، خلال الرئاسات الأميركية الثلاث الماضية، مع العلم أنها كانت علاقات شَرْطِيّة ونفعية للطرفين. أدى الجمع بين زيادة إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة، وانخفاض أسعار النفط في النصف الثاني من عام 2010، والقلق بشأن تغير المناخ، إلى استنتاج الكثيرين في الولايات المتحدة أن السعودية ونفطها لم يعودا بهذه الأهمية. شن كل من أوباما وترامب وبايدن حملة لإعادة توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعيدًا عن الشرق الأوسط. تخوُّف القيادة السعودية من "الانسحاب" الأميركي من الشرق الأوسط مبالغ فيه، بالنظر إلى استمرار الوجود العسكري والسياسي الأميركي في المنطقة، لكن مخاوفهم ليست مُتخيلة.

وفي الجانب الأميركي، أدى احتضان ترامب العلني الوثيق لمحمد بن سلمان، إلى جر العلاقة إلى سياسات حزبية مستقطبة، ويعتقد الديمقراطيون الآن، أن السعوديين يميلون إلى الجانب الجمهوري في أميركا.

(Getty Images)

كان تورُّط ترامب في السياسة الداخلية السعودية، مشجعا صعود وليّ العهد، غير لائق وغير ضروري. عندما طلب صهر ترامب والمستشار السياسي الرئيسي، جاريد كوشنر، ووزير الخزانة في إدارة ترامب، ستيفن منوشين، استثمارات سعودية في صناديق التحوّط[3] الخاصة بهما بعد فترة وجيزة من تركهما الخدمة العامة، أظهرهما ذلك في مظهر المقايضة بين التطلعات السياسية والفوائد الاقتصادية الشخصية. ويستحق السعوديون اللوم، بجزء كبير على ذلك، ويحتاجون إلى تغيير نهجهم تجاه واشنطن لإعادة العلاقة إلى أساس أكثر صلابة مع الحزبين.

إنّ تحرُّك بايدن لدفن الأحقاد مع ولي العهد السعودي، ردّ فعل ضروري ومفهوم للعالم كما نعيشه اليوم: ليس فقط بسبب السياسة غير المتناسقة في الشرق الأوسط، ولكن أيضا نظرًا للاضطرابات العالمية الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا. وعلينا أن نراه على أنه اعتراف بأن العمل من أجل تحقيق النظام في الشرق الأوسط، يتطلب التعامل مع الحكام الذين يترأسون دولا مستقرة نسبيا، والذين يمارسون نفوذا خارج حدودها. ونقصد بذلك الحكام في مصر وإيران وتركيا وحتى سورية، وبالتأكيد في السعودية.


[1] الهوامش التوضيحية المضافة ليست من المقالة الأصلية، وإنما من المُترجم.

[2] مستند في مراحله الأخير للنقاش مع إيران حول برنامجها النووي مع مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، بالإضافة إلى ألمانيا (مجموعة 5+1)، والتي تتولى المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي.

[3] صندوق التحوط (Hedge Fund): يسمى كذلك بالمحفظة الوقائية، وهو عبارة عن صندوق استثماري يستخدم مجموعة أدوات استثمارية متقدمة لتحقيق عوائد إجمالية تفوق متوسط عائد السوق لعدد محدود من المستثمرين، ويُعد الأكثر نموا في العالم من بين صناديق الاستثمار، ويهدف إلى تحقيق أقصى ربح ممكن مهما كانت الأسواق تتخذ مسارا صاعدا أو هابطا (المصدر: هارفارد بيزنس ريفيو العربي).

التعليقات