18/06/2013 - 21:12

عن الكربون والمشهد الأعظم: حين تزاحم الكواليس خشبة المسرح / لمى دلبح

كمتابعة لجميع أعمال أيمن بدر، لمسته في هذا العمل دونًا عن بقية أعماله، التي لا تقل عنها جمالاً، صاحب رؤيةٍ مستنيرة، يمد لأقرانه من خلالها حبلَ أملٍ واعٍ ملمٍّ بالمستحيل، وقادرًا عليه، فلنعتصم به؛ ننزف، ولا نستسلم.

عن الكربون والمشهد الأعظم: حين تزاحم الكواليس خشبة المسرح / لمى دلبح

للاستماع إلى المقطع مدار حديث المقالة اضغط هنا.

أوركسترا الحياة تبدأ، موسيقى، صوت بشري، ودم. وكما في كل أوركسترا وفي كل عرض، للكواليس أهمية تتراوح ما بين الوجودية والاحترازية.

في مقطع "كربون"، من إعداد أيمن بدر، سنسلم أن المهم هو الكواليس، أصوات الخلفية، ونتساءل: هل تبقى أصوات الخلفية كواليسًا إذا كانت أمم كاملة تقطنها؟ وكأن المقطع يجاوب بنعم، فحيث يعلو الصوت، ولو دفاعًا عن سكان الخلفيات، يحضر الظلم بشكل أو بآخر، وأن العدل الأسمى هو تساوي كل هذه الأصوات في علو واحد، في تساوي فرصة الظهور ودرجتها، ولكل مقاله حينها، ولكل موقفه كما يشاء.

وكاد هذا التساوي يتحقق في جزئية وحيدة على طول المقطع، عندما "توحدت" الحناجر (دقيقة 5:05) في هتاف الشعب يريد، ونافست الصوت المفرد، وقد كان هذا التوحد هو السبب المؤدي لصقل صوت المواطن وإبرازه بصورة أوضح (5:33).

وجدتُ في طغيان الصوت، بغض النظر عن مضمونه، بشاعةَ في خطاب المحامي الفاسد (5:57)، يزاحم الصورة الواقعية، صوت الطفل "عدي" في الخلفية (6:26). ثم تتسلسل في خضم الكلام، أغنية ترثي البلاد، ثم وعي شعري (دنقل- علي طالباب)، فيه الحديثُ يستكملُ القديمَ، يتبعه الشيخ إمام في تنسيق بين الماضي والحاضر: على صوت إمام الذي مضى، جاحدًا "اللي خانوا العهد بيننا/ واستباحوا كل حاجة/ واستهانوا بالعروبة/ واستكانوا للخواجة/ مستحيل حيكونوا منا/ إحنا حاجة  وهم حاجة"، تأتي هذه الحاجة من واقعنا القريب التي تفصل بين إحنا وهم في شكلها الخام والفاصِل: طلقات رصاص، ضرب الغاز، سيارات إسعاف، صوت الضرب.

ولماذا يكون كل هذا؟

هنا تأتي عبقرية المشهدين الأخيرين من المقطع، الأول يطرح دوافع هذه الحركات الإنسانية التي هدفها الحرية، الحب، والسلام.

والمقطع الثاني يطرح النتيجة / الجواب في الموسيقى، التي بعد المعاناة القاتلة – مجازًا وحرفيًّا - جسديًّا ومعنويًّا، تداهمك فجأة على مدى خمس ثوانٍ (17:18) بصوت أم كلثوم "بألف ليلة وليلة" لتجمد المشهد،  لتعيد صياغة المفاهيم، لترعب كل زيف، وتمحو كل طيف، فلا يبقى سوى الأصيل الراسخ، ولا يدوم سوى ما يستحق الدوام، وهذا الذي جُلِدَ وهو ينادي باسم الحب تحت السوط، وجد الحب الذي يعادل "ألف ليلة وليلة"، وذاك الذي آثر البقاء في بلده، وجد الرضى الذي يعادل "ألف ليلة وليلة". وهذه الصحوة العنيفة في صوت أم كلثوم هي باقية باقية باقية، إلى آخر المقطع، وإلى آخر عمر الأوفياء.

كمتابعة لجميع أعمال أيمن بدر، لمسته في هذا العمل دونًا عن بقية أعماله، التي لا تقل عنها جمالاً، صاحب رؤيةٍ مستنيرة، يمد لأقرانه من خلالها حبلَ أملٍ واعٍ ملمٍّ بالمستحيل، وقادرًا عليه، فلنعتصم به؛ ننزف، ولا نستسلم.

التعليقات