مجلة "جدل" تناقش ظاهرة العنف في المجتمع الفلسطيني..

-

مجلة
*تقع يوميا أحداث عنف في قرانا ومدننا العربية والتي باتت تهدد النسيج الاجتماعي؛ فقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا خطيرا في معدل الجريمة في مجتمعنا. مركز مدى الكرمل خصص العدد الحالي من "جدل" لمناقشة هذه الآفة من خلال بحث الأشكال المختلفة للعنف، دوافعه وسبل مكافحته*

تشهد السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في معدلات الجريمة في المجتمع العربي، ففي عام 2009 ارتفع معدل الجريمة بنسبة 8.4% مقارنة بالسنة السابقة؛ تدل المعطيات على أن نحو 50% من السجناء والمعتقلين الجنائيين هم من العرب، اي أكثر من ضعف نسبتهم في المجتمع، وفي نفس العام وقعت 71 حالة قتل في المجتمع العربي، من ضمنها 9 عمليات قتل ضد نساء (في نفس العام قتلت 3 نساء يهوديات). نحو 41% من الملفات الجنائيّة ضدّ قاصرين في العام 2008 كانت ضدّ عرب.

على خلفية هذه المعطيات المقلقة خصص مركز "مدى الكرمل" العدد الحالي من مجلة "جدل" الدورية لمناقشة ظاهرة العنف، الوقوف على أنواعه ودوافعه، وفي محاولة لاقتراح استراتيجيات وخطوات عملية لمعالجة هذه الظاهرة، بدون إغفال تناول العنف المؤسساتي والبنيوي الذي تمارسه الدولة ضد العرب على جميع الأصعدة.

يذكر أن "جدل" هي مجلة الكترونية دورية تصدر عن "مدى الكرمل - المركز العربي للدارسات الاجتماعية التطبيقية"، وتصدر مرة كل شهرين، باللغات الثلاثة: العربية، العبرية والانجليزية.

ويتضمن العدد السادس، والذي صد حديثا، مقالة تحليلية للبروفيسور مروان دويري، ثلاث وجهات نظر تتناول أنماطا مختلفة من العنف؛ هذا بالإضافة إلى مقالة معلوماتية بقلم الناشطة جنان عبده التي توفر معلومات إحصائية عن معدلات الجريمة في المجتمع الفلسطيني في الداخل، ومقارنتها بمعدلات الجريمة في الوسط اليهودي.

يقدم بروفيسور مروان دويري قراءة منظومية للعنف في مجتمعنا، حيث يشير إلى تراجع أنواع معينة من العنف في مجتمعنا، ومقابل ذلك ظهور أنواع جديدة.

يشير دويري إلى تراجع عنف السلطة الاجتماعية التربوية ويعزو ذلك إلى تراجع دور المرجعية التقليدية، مؤكدا أنها لم تتلاش نهائيا. وفي توصيفه للوضع القائم يكتب دويري "إن الحالة اليوم هي حالة انفلات: انخفض فيها عنف السلطة الاجتماعية والتربوية، وارتفع فيها عنف الفئات المحبَطة والضائعة، ولا سيّما عنف الشباب... الأمر الثاني الذي يميّز العنف اليوم هو أنّه عنف مُنْزاحٌ (Displaced) أو "طائش" يخطئ الهدفَ ويكون نوعًا من "التفشيش" (التنفيس) ضدّ "كبش فداء" ليس له حتمًا علاقة بمصدر الإحباط الحقيقي".

وفي بحث أجراه دويري مع آخرين قبل عدة سنوات كان قد أشار إلى أن بعض العنف الذي يمارسه المعلمون ضد طلابهم يتعلق بإحباط المعلمين في حياتهم المهنية أو الشخصية.

كما يؤكد دويري على وجود علاقة وثيقة بين الحالة السياسية والاقتصادية المفروضة علينا وبين العنف المجتمعي، حيث يكتب "استمرار التمييز القوميّ والفقر يجعل حياة العربي في هذه الدولة مشحونة بالإحباط والغضب، ممّا يشكّل أرضا خصبة للعنف والانحراف. ومن جهة أخرى، نحن نتأثّر بقِيَم القوّة والغطرسة وانتهاك الحقوق في إسرائيل، وبالتالي نتشرّب هذه القيم في مواجهتنا مع المجتمع الإسرائيليّ وكذلك في مجتمعنا".

ويحمل دويري، في سياق معالجة ظاهرة العنف، القيادات السياسية والاجتماعية مسؤولية خاصة لمعالجة الظاهرة، ويقول إن هذه المسؤولية لا تقتصر على توجيه الإحباط نحو قنوات نضال بناء، بل تتجاوز ذلك إلى إعطاء "المثال والنموذج الشخصيّ في الحوار واحترام الغير وسَعَة الصدر"، كما يطالب الأهل والمعلمين بتعليم الأبناء والطلاب أنماط تفكير غير عنيفة.

دويري يقول أيضا إنه "لا يمكن لمواجهة العنف إلاّ أن تكون من خلال معركة سياسيّة من أجل "دولة رفاه لجميع المواطنين" التي تُحوِّل طاقات الإحباط نحو مسارات بنّاءة. كما يدعو إلى تبني قيم التعددية التي تحترم الآخر، والحوار دون اللجوء إلى التخوين أو التكفير.

في باب وجهات النظر تتناول مقالة ياسمين ظاهر الوضع في مدينة يافا من خلال تحليل "عنف السوق الحرة" والصلة الوثيقة بين مخططات تهويد "المدن المختلطة" والمشاريع الاستثمارية للسوق الحرة.

وتقول ظاهر إنه وفي التسعينيات بدأت السوق الحرة بلعب دور عنيف في التضييق على السكان الأصليين بهدف ترحيلهم و"تنظيف" المدينة من أجل المستثمرين اليهود. حيث تم استنساخ شكل البناء الچـيتويّ إلى يافا، الذي يقطع استمراريّة الحيّز العامّ، يحجب حَيَوات أناس معيّنين "وراء الجدران" الملونة والجميلة، المرتفعة والمحمية، ويُبقي على حَيَوَات أخرى منتهَكة وَ "مكشوفة" ومصوَّرة خارج الجدران هذه.

وتؤكد ظاهر أنه "لا يمكن فكّ الارتباط الوثيق الصلة بين مشروع التهويد في "المدن المختلطة" جميعها والمشاريع الاستثماريّة للسوق الحرّة. وتؤكد بأن هذه المشاريع تهدف إلى ترحيل العرب من هذه المدن. فهي تكتب "ارتفاع أسعار البيوت والأراضي يعني ارتفاعا معيشيا يتعدى أحيانا الضعْف خلال بضع سنوات، ليفضل سكّان يافا اللجوءَ - مرة أخرى". كما تشير إلى علاقة هذا النوع من العنف وتأثيره المباشر على العنف داخل المجتمع وبين أبنائه.

أما د. نادرة شلهوب-كيفوركيان، مديرة برنامج الدراسات النسوية في مدى الكرمل، فتكتب عن العنف ضد النساء الفلسطينيات وعلاقته بالاستعمار والكولونيالية والسياسات الإسرائيلية.

فهي تكتب "ينبغي بحث العنف الممارس ضد النساء بنظرة تاريخية وآنية تَعتبر نكبة العام 1948 منطلَقا تحليليا. تتيح لنا هذه النظرة على النكبة الكشف عن طرق معاناة الفلسطينيين ثقافيا وماديا من السياسة والتراتُبية الإسرائيليتين العنصريتين وسياسة الغبن الجندرية. ومرد التراتُبية العنصرية في إسرائيل إلى يهوديتها وصهيونيتها، وإلى البنية السياسية الجندرية المنحازة في إطار نظام بنيوي رجولي واستشراقي وكولونيالي وصهيوني. هذا النوع من الغزو الكولونيالي الإثني الإسرائيلي يستغل مسائل خلافيةً في المجتمع والثقافة الفلسطينيين، ويعمل على تعزيز ضررها بالنساء الفلسطينيات وتحويله إلى عنف".

د. خالد أبو عصبة يعالج في مقالته العنف في مدراسنا، ويشير إلى أن الغالبية العظمى من المدارس قد تحولت إلى ساحات للقتال لا يضمن فيها الطلاب سلامتهم. وعلى صعيد الاقتراحات العملية يقول د. أبو عصبة إن العنف هو نتاج لمناخ تعليمي واجتماعي الذي يعزز مثل هذا السلوك، "لذلك على المؤسسة التربوية العمل على خلق مناخ تعليمي داعم يتيح الفرصة أمام جميع الوافدين إليها للشعور بالانتماء إليها. هذا الانتماء لا يكتمل إلاّ من خلال العمل على أن يجد كلّ طالبٍ الرغبةَ في الانتماء".

كما يدعو إلى ضرورة دراسة عوامل الخطورة المنبئة بالعنف، والعمل على إنشاء مراكز متخصصة لدراسة العوامل الأساسية الواقية، ووضع إستراتيجيات فعالة للتدخل العلاجي.

في باب الأوراق المعلوماتية تقدم لنا الناشطة جنان عبده معلومات إحصائية عن معجلات الجريمة في مجتمعنا العربي ومقارنتها بمعدلات العنف في الوسط اليهودي. وإضافة إلى المعلومات الواردة في بداية التقرير، تشير عبده في مقالها إلى أنّ 7.3% من بين الأعمال الإجرامية التي تعرضت لها الأسر الفلسطينية في إسرائيل، خلال العام 2007، جاءت من طرف أفراد الشرطة، وبخاصة في منطقة وسط البلاد (18%). ومن فحص أنواع الاعتداء الإجرامي، يتكشف أن الذين تعرضوا لتحرش واعتداء الشرطة لمرة واحدة بلغ 46.5%، وَ 17.6% لمرتين اثنتين، وَ 18.4 لثلاث مرات، بينما تعرض 17.5% لتحرش واعتداء الشرطة أربع مرات أو أكثر.

التعليقات