"تقرير مدار الاستراتيجي 2005" عن إسرائيل 2004

-

صدر حديثا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" (تقرير "مدار" الاستراتيجي 2005- المشهد الإسرائيلي في العام 2004)، وهو نتاج لعمل عربي غير مسبوق، يتطلع إلى تفحص الوضع الإسرائيلي من عدة جوانب، وعرضه على المهتمين العرب ليتسنى لهم الحصول على صورة دقيقة ومحدَّثة للوضع في إسرائيل، ويقع في حوالي 290 صفحة من القطع الكبير.

أنجز عملية جمع المعلومات والتحليل مجموعة مختصين من الأكاديميين الفلسطينيين المتابعين يومياً لما يحدث في إسرائيل والمتمكنين من اللغة العبرية، حيث رصدوا ما حصل في إسرائيل مباشرة وليس من خلال وكلاء ترجمة.
يوفر التقرير مصدراً لمتابعة التطورات الحاصلة في إسرائيل والمؤثرة بدورها على ما يحدث على مستوى المنطقة. تكمن أهمية التقرير في انه يقدم سرداً مختصراً لما حصل في إسرائيل خلال العام المنصرم، بحيث يتسنى للمهتمين العرب من سياسيين واعلاميين واكاديميين، التعرف على الأحداث الرئيسية والسيرورة الموجهة، بالاضافة إلى تحليل العوامل الرئيسية التي توجه الأحداث في إسرائيل، وهذا يجعل من التقرير أداة عمل يومية لهؤلاء ولغيرهم.
يقدم التقرير شرحاً تفصيلياُ للتطورات التي حصلت في إسرائيل خلال العام المنصرم في مجالات السياسة الإسرائيلية تجاه الشعب العربي الفلسطيني، المشهد السياسي والحزبي، المشهد الاستراتيجي والعسكري، المشهد الاقتصادي، المشهد الاجتماعي، والفلسطينيين في إسرائيل.
على صعيد العلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية، خلص التقرير الذي أعده د. محمود محارب، من جامعة القدس، إلى انه رغم إبداء "مرونة" ما من شارون وحكومته نحو السلطة الفلسطينية بعد رحيل ياسر عرفات، إلا أن هذا لن يكون تغييرا جذريا في سياسته. هذا التغيير الآني في التعامل جاء للتجاوب مع الموقف الدولي والأميركي بأن فرص التوصل إلى السلام ازدادت بعد رحيل عرفات. فلا تستطيع إسرائيل الادعاء بعد اليوم بأنه لا يوجد شريك فلسطيني لعملية السلام، حيث نرى التصريحات "المرنة" للقيادة الإسرائيلية، وإذا كان الموقف والتعامل مع عرفات أصلا موقفًا من الشعب الفلسطيني، فإننا لا نتوقع تغييراً جذرياً يُذكر في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين ما دام شارون رئيسا للوزراء، وستستمر محاولة تنفيذ خطة إخلاء قطاع غزة وتسويقها للعالم كدلالة على برنامج شارون السلامي في حين يستمر تعزيز الاستيطان واستكمال بناء الجدار في الضفة الغربية.
وتعمق التقرير في شرح كون العام 2004 عاماً مهماً ومفصلياً في جملة من المسائل الخاصة بالقضية الفلسطينية. ففيه بلور رئيس الوزراء الإسرائيلي آريئيل شارون "خطة فك الارتباط من جانب واحد". وفيه أيضاً حصلت إسرائيل على إنجاز تاريخي، تمثل في "رسالة الضمانات" الأميركية التي عبرت عن تغيير رسمي وخطير في السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، وخاصة في قضايا الحدود والاستيطان واللاجئين. وفي هذا العام أيضاً توفي الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي قاد النضال الوطني الفلسطيني ما يربو على أربعة عقود، ووضع حركة التحرر الوطني الفلسطيني على عتبة إنشاء الدولة الفلسطينية.

د. محمد أمارة من جامعة بار- ايلان رصد التغيرات والتطورات في الأحزاب والحركات الأساسية غير الممثلة في البرلمان، الحكومة والوزارات، والأمور القضائية التي لها إسقاطات على المشهد السياسي، والحكم المحلي، وحلل أيضا الأحداث المركزية في المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي.
كان لانتخابات 2003 انعكاسات كبيرة على المشهد السياسي الإسرائيلي. فقد مُنيت القاعدة الأساسية لليسار (العمل وميرتس) بهزيمة نكراء. كذلك نرى أن حزب "شينوي"، حزب "الوسط"، احتل موقعا متقدما على الخارطة السياسية متفوقا على غريمه الحزب الحريدي الشرقي، "شاس". وبات اليمين يشكل مركز الثقل والدفع على الساحة السياسية.

الأحداث المركزية في المشهد الحزبي والسياسي لسنة 2004 هي: استمرار وهن معسكر اليسار؛ هيمنة الحزب الحاكم؛ التراجع في الديمقراطية وازدياد العنصرية؛ سياسات الاغتيال والفصل.

على المستوى الاستراتيجي الذي تناوله د. مصطفى كبها من الجامعة المفتوحة في إسرائيل، كان العام 2004، من وجهة النظر العسكريّة والإستراتيجية، عاماً مفصلياً وحاسماً في كل ما يتعلق بالوضع الإستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام ولإسرائيل بشكل خاص. فبعد زوال الخطر الإستراتيجي العراقي (نتيجة الاحتلال الأميركي للعراق) وتضاؤل الخطر الإستراتيجي السوري تبعاً لذلك، شعر مصممو السياسة الإسرائيلية بشيء من الارتياح. فالوجود العسكري الأميركي في العراق منع (وسيمنع في المستقبل الوشيك) تحالفاً إستراتيجياً محتملاً معادياً لإسرائيل يضم سورية ولبنان (حزب الله) والعراق وإيران، بل إن هذا الاحتلال سيضع كل طرف من هذه الأطراف تحت ضغط مستمر يمنعه من التفكير بأيّة مبادأة هجومية ضد إسرائيل ويجعله في موقع دفاعي مفضلاً مبدأ السلامة على إمكانية ضمه إلى قائمة أهداف "الحرب ضد الإرهاب" التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية.

د. حسام جريس من جامعة بن غوريون في بئر السبع، تناول المشهد الاقتصادي عبر تفصيل مميزات الاقتصاد الإسرائيلي والتطورات المساعدة لفهم كل المستجدات الحاصلة خلال سنة 2004، وطرح المشاكل الاقتصادية الجمة التي تعاني منها اسرائيل المتمثلة من كبر القطاع العام والعجز الحكومي والدين القومي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية مثل انتشار البطالة واتساعها لتصل إلى حوالي 11%، وارتفاع نسبة العائلات الفقيرة، وصولا الى وضع الأسس لتصميم خطة اقتصادية جديدة تخرج إسرائيل من المأزق الاقتصادي.
المشهد الاجتماعي تناولته د. خولة أبو بكر، من كلية "عيمق يزراعيل"، حيث تم التطرق إلى تراجع كبير في مواصفات دولة الرفاه لصالح رؤية نتنياهو التي تلحق أضرارا كبيرة بالشرائح الضعيفة.
انخفضت ميزانية التعليم بين سنوات 2001-2004 في بند ملكات التعليم بنسبة 15% بالرغم عن ارتفاع عدد الأولاد في الفترة نفسها بنسبة 7%. يعني هذا أنه طُلب من أولياء الأمور تمويل باقي الميزانية المطلوبة على حسابهم. يؤدي هذا الوضع إلى زيادة الفجوة بين التعليم في المجتمع اليهودي والعربي وبين المدارس الغنية والمدارس في المناطق الفقيرة، كما أدى ويؤدي التقليص في الملكات لإقالة معلمات من جهاز التعليم.

ويتعرض التقرير، الذي اعده الدكتور اسعد غانم والأستاذ امطانس شحادة، إلى أبرز تجليات الوضعية الخانقة للأقلية العربية في إسرائيل، مشيرا إلى أن واقع الأحزاب العربية في إسرائيل عام 2004، تأثر، فيما تأثر، بالمتغيرات وتراكم التحولات السياسية العامة الحاصلة في إسرائيل منذ اتفاقيات أوسلو في العام 1993، وبشكل خاص المتغيرات والتحولات الداخلية في المجتمع العربي في إسرائيل، وبروز تيارات فكرية- حزبية جديدة.

فيما يتعلق بالتمييز ضد المواطنين العرب يحاول التقرير رصد أنماط التمييز التي يواجهها المواطنون العرب داخل إسرائيل، وتجلياتها في العام 2004.

التعليقات