جديد "مدار"- الورقة الإسرائيلية 23 : الاستخبارات العسكرية تنغمس في التزييف السياسي

جديد
رام الله - صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" الورقة 23 من سلسلة "أوراق إسرائيلية"، بعنوان "التزييف كأداة استخبارية: الإنتفاضة، العملية السلمية وتقديرات الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية". وتقع الورقة في 82 صفحة.

ترصد هذه الورقة الجدل الدائر منذ حزيران 2004، بين عدد من القادة السابقين والحاليين في شعبة الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" المتعلقة بوجهة القيادة الفلسطينية وفي طليعتها الرئيس ياسر عرفات، من ناحية نواياها ورغباتها الدفينة، عشية انتفاضة الأقصى وفي خضمها وفي مجمل ما يتعلق بالعملية السلمية.

الجدل لم يحسم (وفق محتويات الورقة) لكن خروجه غير المسبوق للعلن يكشف الآليات التي التجأت إليها آلة الإفتراء والتزييف الإسرائيلية في الحقلين السياسي والعسكري لتبرير القمع الوحشي للإنتفاضة.
يذكر أن مطلق شرارة الجدل الأولى هو عاموس مالكا، الرئيس السابق لشعبة "أمان"، حول دور اللواء في الإحتياط عاموس جلعاد، الذي سرعان ما حظي بدعم وتغطية من وزير الدفاع شاؤول موفاز. ووفق التعبيرات في الأوساط الإسرائيلية الأمنية يعتبر جلعاد "السيد استخبارات" في إشارة لمكانته الإعتبارية، وأثناء فترة موضوع الجدل أشغل مهمة رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الإستخبارات، وحالياً يتولى منصب رئيس الطاقم السياسي - الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية.
في الورقة مقالات ومقابلات لكل من: عكيفا إلدار، عاموس ملكا، يؤاف شتيرن، داني روبنشتاين، يوئيل أسترون، ب. ميخائيل، شلومو غزيت، زئيف شيف، رؤوبين بدهتسور، عوفر شيلح، أرنون سوفير، د. أوري بار يوسف، داني رابينوفيتش، بن كسبيت، وأمير دروري.

قدم للورقة محرر السلسلة أنطوان شلحت. ومن مقدمته نختار:
أولاً: أي حكم يستنتج من هذه الوقائع أن المستوى العسكري الإسرائيلي يتحمل بمفرده وزر العنف الدموي الأخير ضد الفلسطينيين، يبقى حكماً تبسيطياً. ففي التحصيل الأخير كانت تلك حكومة إسرائيل "التي بدورها تبنت وجهة نظر عاموس جلعاد وأخفت تقدير عاموس ملكا"، كما يشير عالم الإجتماع د. داني رابينوفيتش. ويعزو "رابينوفيتش" الخلل إلى غياب "ثقافة جدل تعددية حول القرارات المصيرية"، مؤكداً أن "السياسيين، الذين يصلون إلى مراتب عليا بسبب الأيديولوجيا وبسبب نجاحهم في إنتاج صورة تتحلى بالمثابرة وتدعي العلم بكل شيء، ليسوا شركاء في بلورة ثقافة جدل كهذه. وفقط إعلام يتحلى بالمسؤولية ومثقفون لا يتوقفون عن التفكير بصورة مستقلة عندما تنغلق الصفوف في لحظات الأزمة - نخبة من الطراز الذي تفتقده إسرائيل والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة - هم الذين في مقدورهم أن يفعلوا ذلك".

ثانياً: اتهم "ملكا" مرؤوسه "جلعاد" بتهم مؤداها الرئيسي هو "محاولة تجيير التقديرات الإستخباراتية لما يتلاءم مع مواقفه". على صلة بهذا المؤدى يتساءل عوفر شيلح: ألم تتصرّف أغلبية الجمهور الإسرائيلي، طوال ما يقارب السنوات الأربع المنصرمة، على هذا النحو وخلقت لها عالماً يلائم مواقفها؟. وهذا ما يؤكده، بوضوح أكبر، رؤوبين بدهتسور بقوله: بعد حوالي أربع سنوات من القتال يمكن القول بصورة مؤكدة أن الجيش الإسرائيلي قد نجح في "كيّ الوعي"، ولكن ليس وعي الفلسطينيين وإنما وعي الجمهور الإسرائيلي تحديداً الذي تبنى دون استئناف وجهة النظر التي تحرك قادة الجيش في سياستهم المتبعة في المناطق المحتلة.
لقد رأى بعض المعلقين أنه أيا يكن الحال، فإن القضية التي أظهرتها الخلافات بين "ملكا" و "جلعاد" سوف تترك، على المدى البعيد، أثراً بالغاً ليس فقط في إحتمال تغيير البنية المؤسساتية لجهات التقدير الإستخبارية أو خلافها، وإنما في نظرة الشارع الإسرائيلي إلى كبار الضباط. ولفت هؤلاء إلى أن "صورة الضابط" قد تراجعت بشكل كبير في الذهنية العامة الإسرائيلية، خاصة إن لم يبرر هذا الضابط موقفه في كل لحظة. أما "صورة السياسي" فيظل تراجعها في رأينا معوّلاً، قبل أي شيء، على ما تكتسبه تلك الذهنية العامة من مقدرة التفوّق على نفسها، وهي مقدرة لا تزال إلى الآن في حدودها الدنيا.

التعليقات