صدر حديثا: العرب في مواجهة العدوان

صدر حديثا: العرب في مواجهة العدوان
تأليف :طارق البشري



مؤلف هذا الكتاب المستشار طارق البشري، وهو واحد من أبرز المفكرين في العالمين العربي والإسلامي. شغل المستشار البشري منصب النائب الأول لرئيس مجلس الدولة المصري، وتتنوع كتاباته بين الفكر والقانون والتاريخ، وهو في هذه الكتابات كلها ينطلق من حياد المؤرخ وثقافة الكاتب الموسوعية واتزان القاضي الذي لا يصدر أحكامه إلا بعد استيفاء كل ما يلزم لها من حيثيات وأسانيد.


ومن أهم كتبه: الحركة السياسية في مصر 1945- 1952، والديمقراطية والناصرية، والإسلام والعروبة، وشخصيات تاريخية. يناقش كتاب «العرب في مواجهة العدوان» عددا من القضايا تشكل في مجموعها أهم ما يفرض نفسه على المفكرين العرب في المرحلة الدقيقة التي يمر بها العالم العربي، منها العلاقة بين الدولة والأمة، أي بين مؤسسة الحكم والجماعة السياسية.


ويشير إلى أن نشوء الدولة المركزية كان على حساب أوجه النشاط الشعبي المختلفة، وأن تشكيلها اليوم تشكيل هرمي مهني لاتنفتح على ما في خارجه من خبرات إلا في النادر، مما جعله أسير القصور الطبقي أو الطائفي أو الحزبي أو الاقتصادي، وأكسبه الشكل الإستبدادي الذي تنبع منه ظاهرة «شخصنة القيادة» باعتبارها مصدر الشرعية في المجتمع. وهنا تصطدم الدولة بفكرة الديمقراطية وتداول السلطة.


وأيا كان ما يمكن أن تعاني منه الجماعة في مواجهة استبداد الدولة، فإن أسمى مهامها تبقى الحفاظ على أمن الجماعة من المخاطر الخارجية وصيانة قوى التماسك في الجماعة السياسية بما يحفظ لها وحدتها وترابطها من الداخل. ويشير إلى أنه حينما تنهزم الدولة في معارك حفظ الأمن فإنها إما أن تترك للجماعة الداخلية مهمة الدفاع، أو تعيد تنظيم نفسها، أو تقوم بالأمرين معا.


ومن خلال تلك المقدمة ينفذ الكاتب مباشرة للشأن الفلسطيني الذي يعتبره وضعا غير مألوف، وكذلك موقف دولنا ومجتمعاتنا منه من حيث النظرة القطرية وحدود السيادة الإقليمية في إطار القانون الدولي. ويختلف الكاتب مع هذه الرؤية الضيقة على اعتبار أن الشأن الفلسطيني يتقاطع تماما مع مفهوم الأمن القومي لمعظم الدول العربية، مشيرا إلى القدرات النووية الإسرائيلية التي تهدد كل الدول العربية.


وانطلاقا من دور الدولة في حماية الجماعة يتعين عليها إتاحة الحرية للحركات الشعبية في الدول العربية لدعم المقاومة الفلسطينية التي أثبتت التجربة أهميتها كعنصر فعال لتحريك القضية سياسيا.


وتحت عنوان قراءة على هوامش الحدث الأفغاني يشير الكاتب إلى ثلاثة أحداث دولية كبيرة، هي انهيار الإتحاد السوفيبتي، وحرب الخليج الأولى، والحرب على أفغانستان 2001. ويشدد على أن العرب كان لهم دور مؤثر وحاسم، مباشر أو غير مباشر، في تلك الأحداث.


ويتوصل الكاتب إلى أن الدول الأكثر مقاومة للاحتلال «أفغانستان ولبنان» اعتمدت على الجماعات الشعبية في وجود دولة مركزية ضعيفة، ويشير إلى التناسب العكسي بين سلطة الدولة المركزية والمقاومة الشعبية، والتناسب الطردي بين وحدة الانتماء المحلي والمقاومة الشعبية «الجزائر وفيتنام والصين».


وتحت عنوان «العنف من نيويورك إلى كابول» يستعرض الكاتب الموقف الأميركي تجاه العرب حسبما وعته أجيال ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو وقوف أميركا بصراحة وإصرار مع إسرائيل ضد العرب على طول الخط، ويستثني من ذلك حرب عام 1956 التي تمت تنفيذا لاتفاق سري أبرم بعيدا عنها.


وكان العقاب فوريا. وبشكل عام ليس هناك سياسة أكثر ثباتا للولايات المتحدة من سياستها الداعمة لإسرائيل على حساب العرب، بالرغم من أن العرب لم يخوضوا أي عراك مع أميركا في هذا الصدد.


ويؤكد الكاتب أن العنف كمفهوم ليس مقبولا أو مرفوضا لذاته، وهو وسيلة من وسائل حل الصراع، ومدى صوابه أو خطئه يتعلق بالجدوى منه، أي بكون المصالح المطلوب تحقيقها بالعنف بالغة الحيوية لاستمرار الجماعة ووجودها، وفي الوقت ذاته انعدام الوسائل الأخرى لاسترداد هذا الحق بغير طريق العنف.


ومن هذا المنطلق يندد الكاتب بهجمات سبتمبر، التي تنطوي إلى ذلك على توفير الذريعة للمعتدي ليمارس القمع والعدوان فيما يظهره بمظهر المدافع عن نفسه.


وفي حديثه عن المردود السريع لهجمات سبتمبر يقول إنها أشعرت الأميركيين بعدم الأمان وانهيار نظرية الموقع الجغرافي العازل تاريخيا بعد أن وصلت الحرب لأول مرة إلى قلب الأراضي الأميركية.


ويرصد الكاتب أوجها للضعف في السياسة الأميركية، منها نقص نظريتها عن الأمن حيث أتاها الخطر من الداخل، وأنها تحارب معتمدة على قوة غيرها ودعمه لها. كذلك يشير الكاتب إلى زيادة أهمية موقع وسط آسيا، حيث أصبح بؤرة اهتمام ونقطة من نقط الصراع في المرحلة المقبلة.


وتحت عنوان «من أيام العرب 11 سبتمبر 2001 و 28 سبتمبر 2000» يشير الكاتب إلى أن هجمات سبتمبر 2001 حدث أميركي، وأنه من منطلق أن البلد المتبوع يميل لأن تكون وقائع تاريخه وحاضره هي وقائع البلاد التابعة فإن عالمية الحدث أحدثتها ورسختها الآلة الأميركية الإعلامية والعسكرية.


وهنا قامت الولايات المتحدة بتحميل العرب والمسلمين عبء الأزمة من حيث المسئولية والحل، وأقنع الأميركيون العالم بأن الأمن الداخلي الأميركي تجري صيانته من أفغانستان، وصارت الكرة الأرضية كلها ضامنة له ومسئولة عنه. ويؤكد الكاتب أن الأهداف التي حققتها أميركا من وراء الحدث سابقة على وجوده،


حيث أنشأت قواعد في آسيا والبلقان ورسخت وجودها في الخليج العربي وحطمت بعض التحالفات الاستراتيجية، وأصبحت في تماس مع إيران والجمهوريات السوفييتية السابقة. وفي المقابل فإن انتفاضة 28 سبتمبر2000، التي اندلعت حين حينما اقتحم أرييل شارون وجنوده المسجد الأقصى في عنجهية وتحد لمشاعر المسلمين، هذه الانتفاضة حدث عربي وإسلامي، وتسليط الضوء عليه قد تم في هذا الإطار فقط.


ومرة أخرى يثير الكاتب العلاقة بين الموقف الرسمي والموقف الشعبي، خاصة بعد إنعقاد مؤتمر القمة الطارئ والمؤتمر الإسلامي بعد إنتفاضة الأقصى، حيث كان الفرق بين الموقفين كما الفرق بين عزة الإرادة المستقلة وارتعاشة التبعية المتوارية.


ويناشد الكاتب الدول العربية أن تحاسب نفسها على تفريطها في الدفاع عن أمنها القومي الذي يتهددها من خارج حدودها الإقلمية، وألا تعتبر هذه الحدود آخر واجبات الدفاع الملقاة على عاتقها على اعتبار الانتماء للجماعة الأشمل والمصير السياسي الواحد.


ويتطرق الكاتب إلى كون فلسطين ذات أثر حاكم لبعض دول الجوار، حيث كانت سببا رئيسيا لسقوط الملكية في مصر بعد هزيمة 1948، وكذلك تقويض النظام السياسي السوري، وهذا درس من دروس علم السياسة، حيث تسقط الدولة إذا فشلت في الحفاظ على الأمن القومي أو الأمن الداخلي والتوازن الإجتماعي، وهذا ما حدث لمصر بعد الهزيمة 1967، حيث تغيرت صيغة معادلة الحكم ورموزه وتوجهاته وأولوياته.


وفي إطار الأنشطة السلمية المشروعة فإن على الدول العربية التحرك في الميدان الدولي والتكثيف الإعلامي ومحاولة إشاعة جو من الوعي مع عدم الاعتماد على الخصم كحكم «حال أميركا معنا منذ نصف قرن».


وتتضح نتائج ذلك ـ كمثال ـ في توصيات ميتشيل وتينت وزيني - مبعوثي أميركا إلى الشرق الأوسط - والتي طالبت المضروب بإلقاء السلاح حتى يتأكد الضارب من نواياه في السلام ويتوقف عن ضربه.


وفي هذا الإطار المحدود من الحركة وانخفاض سقف المطالب، على دولنا أن توجه قدراتها لنصرة شعبها وحماية مقدراته وإن كلفها ذلك قدرا محسوبا من المخاطر.


وتحت عنوان «ممن نتلقى دروسا في هذا الامتحان الفلسطيني؟» يشير الكاتب إلى أن إسرائيل في حروبها السابقة كانت تحارب خارج أراضيها، أما الإنتفاضة الحالية فهي في عقر دار إسرائيل وشاملة لكل عناصر الوجود الإسرائيلي. وكما قال «شواين لاي» واصفا المأزق الأميركي في فيتنام: «إن لحم المعتدي قد اقترب من أفواه المعتدى عليهم، وآن لهم أن يتذوقوا طعمه».


ويختتم الكاتب بالحديث عن انتهاك الولايات المتحدة لمفهوم الشرعية الدولية في العقد الأخير، خاصة عام 2002، حيث لم تعد تهتم بوجود أي غطاء دولي يستر تصرفاتها ولا تقيم أي وزن للرأي العام العالمي مثلما كان يحدث أثناء الحرب الباردة.


ويطرح الكاتب سؤالا: ألم نلاحظ أن التجبر والشراسة كانت في الغالب من ملامح نهاية العصور ومظاهر أفول وإنحدار الدول العدوانية؟ والإجابة: بلى. لنا في الممالك والأمبراطوريات التي اختفت من خارطة العالم كل العظة.

الكتاب: العرب في مواجهة العدوان

الناشر: دار الشروق ـ القاهرة 2003

الصفحات:120 صفحة من القطع الكبير
(محمد جمعة- "البيان")

التعليقات