"عروبة القدس- بين الأوطان البديلة وطرق العودة "


ضمن جهود مواجهة المساعي الإسرائيلية لتهويد القدس، والتأكيد على عروبة المدينة صدر مؤخرا عن مركز الحضارة العربية كتاب جديد تحت عنوان «عروبة القدس .. بين الأوطان البديلة وطرق العودة» للزميل رمضان العباسي في أول إصدار له. ويتمثل جديد الكتاب في العمل على تقديم شهادات يهودية تؤكد على عروبة القدس.


ومن خلال نهج موسوعي يعتمد على السرد التاريخي يعبر عن دأب في السعي وراء المعلومة يحاول صاحب الكتاب استعراض مختلف المراحل التي مرت بها المدينة بدءا من المراحل الأولى لبناء المدينة من اليبوسيين وبداية دخول اليهود المدينة والغزو الاشوري لها.


وفي سياق استعراضه للشهادات العلمية التي تشير الى عروبة القدس يقدم الكاتب شهادة الكاتب الاميركي وليام بيكر الذي قضى نحو عشر سنوات من عمره في البحث والتنقيب عن الحقائق داخل فلسطين ليصل الى الحقيقة التي تؤكد ان اليهود ليسوا أول من استوطن فلسطين العربية وأن اسرائيليي اليوم ليسوا من نسل اليهود القدامى الذين تشتتوا في جميع أنحاء العالم مثبتا ذلك بالشواهد التاريخية والتوراتية مستقرئا المكتشفات الأثرية وصولا الى الحقيقة التي أكدت أن القدس عربية خالصة وأن ما يزعمه اليهود لا يمت الى الحقيقة بصلة وبذلك أسست الهجرات العربية القادمة من شبه الجزيرة العربية مدينة القدس وأصبح لها شأن عظيم ومحط أطماع الجميع.


وضمن استشهاداته يتطرق المؤلف الى ما طرحه البروفيسور توماس طومسون الأستاذ الجامعي المتخصص في علم آثار التوراة من أن نظرية خروج العبرانيين من مصر وغزوهم لفلسطين غير صحيحة حيث تؤكد الدراسات أن السكان الأصليين في فلسطين لم يتغيروا كثيرا منذ القرن السادس وحتى الرابع قبل الميلاد حيث استمرت خصائص الأنماط الإستيطانية والإقتصادية التي أقيمت في فلسطين خلال العصر البرونزي وحتى حكم الآشوريين دون تغير مما يدل على عدم قدوم اليهود اليها في تلك الحقبة.


كما يتطرق الكتاب الى الفتح الإسلامي للقدس مشيرا الى أنه على الرغم من أن المدينة لم تفتح إلا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب إلا أنها لم تكن بمنأى عن اهتمام وتوجه المسلمين اليها منذ البدايات الأولى لنشر الدعوة الإسلامية فكان النبي أول من أمر بإعداد جيش قوى وإرساله الى بيت المقدس لتطهيرها من الرومان.


ثم ينتقل الى وضع المدينة في عهد عبد الملك بن مروان حيث تم في عهده بناء قبة الصخرة المشرفة في بيت المقدس الأمر الذي كان يعد من أهم الإنجازات التي قامت بها الدولة الأموية في القدس ثم يتطرق الى مراحل إقامة المسجد الأقصى مفندا في هذا الإطار الدعاوى اليهودية بشأن وجود إرث تاريخي لهم في هذا البناء حيث أن المسجد بني على أرض إسلامية ولم يكن هناك أي آثار للهيكل كما أنه بني بأموال إسلامية وهو ما يدحض محاولات التهويد المستمرة لبضع أجزاء المسجد وأن الكنعانيين هم أصحاب الأرض والمعبد وليس المحتلين من اليهود أو النصارى.


وفي تغليب للجانب التاريخي في استعراضه لموضوع الكتاب يستطرد الكاتب في استعراض قضية سقوط القدس في أيدي الصليبيين وأسباب هذا السقوط وحكم الصليبيين للمدينة. ثم ينتقل الكاتب في تناوله لموضوعه الى استعراض مساعي المسلمين لإسترداد المدينة وهو الأمر الذي تم على يد صلاح الدين الأيوبي من خلال إعلان الجهاد لتحرير المدينة مقدما ردود الفعل حول فتح صلاح الدين للمدينة ثم حالتها في عهد ولاة صلاح الدين وحكم المماليك لها.


وهنا يحاول المؤلف استنتاج الدرس التاريخي من هذه الأحداث موضحا أن الملاحظ أن الفترات التي سقطت فيها القدس في يد الأعداء إنما تمثل أكثر فترات الأمة الإسلامية ضعفا وإنهيارا مما يؤكد أن ضياع المدينة دليل على ضعف المسلمين على كافة المستويات، كما يؤكد حدث استردادها هذه الحقيقة أيضا حيث أنها لم تعد الى المسلمين الا عندما تحقق أكبر قدر من الوحدة بينهم تحت قيادة زعيم سيظل التاريخ يذكر له شرف وفضل استعادة المدينة من أيدي الصليبيين.


بعد ذلك يستعرض العباسي وضع القدس في ظل الحكم العثماني والذي تم خلاله التمهيد للتغلغل اليهودي من خلال السماح لليهود بشراء الأراضي العربية وإقامة المستعمرات اليهودية. وقد بدأ الأمر بزيارة قام بها اليهودي البريطاني موشيه منتيوفري الى القدس لدراسة اوضاعها ومعرفة ثرواتها إلا أنه انتهز الفرصة وعمل على إقامة أول مدرسة يهودية في المدينة ثم تقدم وكيل طائفة السكناج (اليهود الغربيين) بعد ذلك الى مجلس الشورى المحلي في القدس بطلب لشراء بعض الأملاك والأراضي الزراعية وممارسة عدد من الأعمال التجارية والصناعية مقابل دفع مبالغ مالية للحكومة ولكن المجلس رفض هذا الطلب وأيد هذا الرفض محمد علي معلنا أن عملية البيع لليهود غير شرعية، غير أن ذلك لم يمنع من تواصل المحاولات اليهودية حتى كانت البذرة الحقيقية لتوطينهم هناك وهو الأمر الذي تطور فيما بعد الى مستوى طرح فكرة إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.


ثم يقدم الكتاب صورة كاملة عن وضع القدس في قرارات التقسيم وفي معاهدات السلام والتي أسقطت المدينة من حساباتها وفي هذا السياق يوضح الكتاب منهج اليهود في تحريك وجدان أبناء جلدتهم لتحقيق هدف السيطرة على القدس من خلال اعتماد الجانب الديني كوسيلة اساسية في هذا الصدد وفي ذلك يشير الى ان زعماء الحركة الصهيونية عمدوا الى استخدام كل الوسائل اللازمة لتحقيق أهدافهم وعلى رأسها الدين وهنا بدأت الدعوات لحث اليهود على القدوم الى فلسطين تأخذ طابعا دينيا منذ البداية ويدلل على ذلك بأنه رغم الطابع العلماني الذي اتصف به تيودور هرتزل إلا أنه وجد نفسه مضطرا الى أن ينطلق من البعد الديني لتنفيذ خططه الصهيونية لحث اليهود على الذهاب الى فلسطين.


وبعد أن استتب لها الأمر عمدت الحكومة الإسرائيلية الى اتخاذ عدة خطوات لفرض الأمر الواقع بعد الاحتلال الكامل لمدينة القدس فأصدرت مجموعة من القرارات والقوانين لتثبيت وجودها وفرض سيادتها وأوقفت العمل بموجب القوانين الأردنية وألغت المحاكم المدنية والأنظمة المالية وأغلقت المصارف العربية، بمعنى أنها لم تترك وسيلة تحكم بها سيطرتها على المدينة إلا ولجأت اليها حتى أصبح الطابع اليهودي هو الغالب على المدينة المقدسة.


وحسبما يشير الكتاب فقد قامت اسرائيل خلال عامين فقط من 1968 وحتى عام 1970بمصادرة ما يقرب من 17 الف دونم أقيم بها عشرات المستعمرات وتحتل هذه المستعمرات مواقع متميزة حيث كانت اسرائيل تتحرى خلال مصادرة هذه الأراضي أن تكون من بين تلك التي تتمتع بمواقع حصينة تضمن لها القوة والسيطرة كتلال الجبال وغيرها من المواقع التي يمكن تأمينها. ثم طورت اسرائيل من موقفها منتقلة الى مرحلة أخرى تمثلت في مصادرة الأراضي تحت دعوى المصلحة العامة فمنذ 1980 وحتى عام 1982 تم مصادرة اكثر من 4537 دونما وما زالت عمليات المصادرة مستمرة رغم توقيع العديد من أتقافيات السلام مع الفلسطينيين.ثم توج البرلمان الإسرائيلي موقفه من المدينة باعلانها عاصمة لدولة اسرائيل. وذلك في عام، 1980


ويأتي الفصل الثامن والأخير ليتناول قضية الطريق الى تحرير القدس مؤكدا على أن استعادة المدينة والحقوق السليبة لن تكون إلا بعودة الأمة العربية والإسلامية الى كامل قوتها وتوحدها، وأن مساعي السلام التي ينخرط فيها العرب مع اسرائيل في هذه الحقبة التاريخية هي محاولات فاشلة وخاسرة بعدما فقدت الأمة وحدتها وغابت عنها شريعتها. وليس ما آل اليه حال المدينة سوى نتيجة استمرار العرب في تقديم التنازلات لليهود منذ نكبة 1948 حتى الآن فكانت النتيجة التهام المدينة بالكامل تقريبا وما حولها من أراضى.


ومن هنا كان خيبة الرهان على تحرير المدينة من قبل كافة حكام المسلمين مما يؤكد حسب المؤلف على حالة الضعف والهوان التي نحياها، ليس ذلك فقط بل خاب الرهان كذلك على انتفاضة الشعوب العربية والإسلامية ولم يكن الأمر بأحسن حال على مستوى النخب المثقفة في تحقيق نوع من التحريك لقضايا الأمة، فيما غاب في الوقت ذاته دور علماء الدين في التأكيد على الاهمية الدينية للمدينة ومواجهة التضليل الإعلامي الذي تمارسه اسرائيل على المستويين الإقليمي والدولي. وختاما ورغم الطابع التسجيلي الذي يتسم به الكتاب وهو ما وقف به عند حد الرصد التاريخي دون تجاوز التناول الى التحليل إلا أنه يقدم صورة تاريخية تتسم بالشمولية عن المدينة المقدسة قد نكون في حاجة اليها لمعرفة ما وصل اليه حال القدس من تدهور لعلنا نستفيد من دروس التاريخ.

الكتاب: عروبة القدس.. بين الأوطان البديلة وطرق العودة

الناشر: مركز الحضارة العربية ـ القاهرة 2004

الصفحات :231 صفحة من القطع المتوسط
(مصطفى عبد الرازق- عن "البيان")

التعليقات