في "حرب بوش الديمقراطيّة"؛ حمدان: يغوص في حقائق التاريخ والجغرافيا..

-

في
في الذكرى الخامسة للحرب العدوانيّة الأمريكيّة البوشيّة على العراق، صدر للكاتب الفلسطيني المقيم في سوريّة حمدان حمدان كتاب ( حرب بوش الديمقراطيّة: بين خسارة اليوم المبكّر أو كارثة الغد المتأخّر)، ضمنّه حمدان بعض طروحاته المعروفة للقرّاء المتابعين، وأضاف نقاطا جديدة ناقشها باستفاضة، بعد سنوات من متابعته للموضوع العراقي.

منذ مرحلة دراسته الجامعيّة عرف حمدان بنشاطه الحزبي، وانتمائه القومي، وبتحرّره الفكري، وباستقلالية آرائه، وبنزاهته في اتخاذ المواقف، والاختلاف باحترام مع ( الخصوم)، مهما كلّفه الأمر من ثمن، والتصدّي بعناد لأعداء وحدة الأمّة وتحررها، وهو ما دفعه لاتخاذ مسار لحياته الفكريّة والسياسيّة ينسجم مع قناعاته، انطلاقا من إيمانه بعروبة فلسطين وحتميّة تحررها من الاحتلال الصهيوني، والوحدة العربيّة كخلاص للأمة من الضعف، وسبيل لاستعادة دورها تحت الشمس، وحقّها في استعادة دورها، وثرواتها، لتكون من نصيب جماهيرها العريضة.

حمدان باحث وكاتب قومي، ينطلق من نظرة نقيضة للإقليميّة، والطائفيّة، ولذا فانحيازه لقضايا الأمّة صاف وأصيل ومبدئي، وبعيد عن التعصّب.
قبل أن يتفطّن كثيرون لقضيّة المياه، كتب حمدان منبها، ومنذرا، ففي وقت مبكّر كتب: ( إسرائيل) ومخاطر تحويل نهر الأردن( عام 62).
كتب حمدان حول النفط: الخليج بيننا، قطرة نفط بقطرة دّم (عام 1993 ).

ولأنه صاحب رؤية قوميّة، منحازة للطبقات الأكثر ثوريّة، فقد كتب بحثا رياديّا حول التحولات في الأقطار العربيّة المشرقيّة: التحولات الطبقيّة في مصر، والخليج، والهلال الخصيب، صدر عن مركز الأبحاث الفلسطيني.
حمدان المعني بالسؤال النهضوي العربي، بادر مبكّرا للتنبيه بأن الحرب على العراق هي حرب لنهب النفط، وتدمير الدور القومي للعراق، وأن ( بوش) والمحافظين الجدد ليسوا سوى قوّة تدمير ونهب وخراب، وأن التابعين لهم ليسوا سوى أدوات تنطلق من طائفيّة ضيّقة، ومصالح وامتيازات، تستغّل جهل الأتباع، وتضللهم، وتوّظفهم لتأديّة دور معاد لأمتهم.

في عنوان الكتاب الرئيس سخريّة من حرب بوش: أهي حرب ديمقراطيّة بعد خمسة أعوام من الدمار، والقتل، والتشريد، والنهب، وانكشاف أكاذيب امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وعلاقته بالقاعدة؟!
من اتخذوا هذا المواقف قبل خمسة أعوام، تعرّضوا للشتم، والتشكيك، وسعار الأقلام المأجورة، من أتباع المارينز، إلى وكلاء الاحتلال الذين يدّعون بأنهم دعاة ديمقراطيّة وحداثة!

ديمقراطيّة بوش!..ها هي تتجلّى في العراق، تمزيقا لبلد عريق، إفشاءً للأمراض، قتلاً مجّانيّا حوّل العراق إلى بلاد أرامل، وأيتام، ورعب!
هل انقضّت جيوش بوش والمحافظين الجدد، والموساد، والجيش البريطاني، والأتباع من مليشيات طائفيّة، و..شركات تتقدمها (بلاك ووترز) بمرتزقتها الوحوش، على العراق، إلاّ لنشر خراب في ربوعه، وتدميره، وتفكيكه أرضا ومجتمعا؟!

العنوان الفرعي: بين خسارة اليوم المبكّر، أو كارثة الغد المتأخّر، اقتبسه حمدان من مقولة فيتناميّة، يوردها في مقدمّة الكتاب التي عنونها ( تقديم بمثابة درس استشراقي): إنّ رحيل اليوم المبكّر أفضل بمرّات من رحيل الغد المتأخّر...
لكن بعد خمسة أعوام من الغرق غير المتوقّع في أوحال ورمال العراق، بفضل المقاومة الجسورة التي كان حمدان أحد أوائل المبشريّن بها، وبحتميّة انتصارها، لأنها تعبّر عن عنفوان انتماء وكبرياء العراق، فها هو بوش الابن يكابر، ويتحدّث عن ( تحسّن) ولو طفيف!.

ها هو جيش بوش، بعد المشهد الطافح بالعنجهية الذي (مثّله) وهو يهبط بطائرته على إحدى حاملات الطائرات، زّافا للشعب الأمريكي نبأ الانتصار السهل وغير المكلف على العراق المحاصر طيلة 12 عاما، حصارا وحشيّا حصد أرواح ألوف العراقيين، ولا سيّما الأطفال الذين حرموا من الحليب، والدواء.. يتلقّى الضربات المدوّخة، بحيث تحوّل ( المارينز) إلى صيد سهل للمقاومة العراقيّة الباسلة!

ينشئ حمدان محاكمة، يستدعي للمثول في قاعتها كّل أعداء العراق: بوش الابن وشلّة المحافظين الصهاينة، والمجرمين الذين تولّوا عملية تصفية ( قوّة ) العراق، وأسباب نهضته: الجيش، العلماء، مؤسسات الدولة، ويمثل في صدر المشهد ذلك المجرم ( بريمر) الذي قاد عملية تفكيك الجيش، وتخريب الاقتصاد، وزرع بذور الفساد الذي يفتك في العراق.

يحاكم حمدان الدور الإيراني، في عدّة فصول: كنّا نكره الشاه..واليوم!، الدور الإيراني مع الاحتلال وبعده، المظلوميّة التاريخيّة وأخواتها...
في الفصل: كنّا نكره الشاه..أمّا اليوم؟!
يضع حمدان عنوانا فرعيّا هو: حالة إنكار. يبدأ الفصل بالتذكير بالمناظرة التاريخيّة على فضائيّة الجزيرة، في أواسط شهر شباط 2007، بين رئيس مصلحة النظام الإيراني، رئيس الجمهوريّة الأسبق محمد هاشمي رفسنجاني، والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي...

يكتب: وقد اتفق كل من شاهد الحواريّة من سنّة وشيعة، على أن (الحجّة ) هاشمي رفسنجاني، كان يتهرّب من الأسئلة التي طرحها الشيخ القرضاوي، وتحديدا عن دور إيران في العراق...
يذكّر حمدان بما فعله رفسنجاني عندما كان رئيسا لإيران، حين أودع العراق، قبل عاصفة الصحراء، وديعةً بالاتفاق هي 174 طائرة عسكريّة ومدنيّة لدى إيران، وفي حساب البازار، أنكرت إيران هذا العدد، بل اعترفت بـ23 طائرة فقط، إلى أن جاء الجواب من طهران بأنها تعويضات حرب عن عدوان صدّام ضد إيران. (ص73).

يعود حمدان ليستعيد فصول الحرب مع إيران الشاه، والوضع الصعب الذي وجد العراق نفسه فيه، فالبشمركه في الشمال، يستنزفون جيشه، وقوّات الشاه باتت متفوّقة بشكل ساحق، والشاه يعرض صلحا مقابل ( طرد) آية الله الخميني من العراق..والعراق يقبل بالشروط القاهرة، ليتفادى هزيمة ساحقة، ويضطّر لتوقيع اتفاقيّة الجزائر عام 75.

يكتب حمدان: ولم يعد أمام العراق سوى طلب رقيق يوجّه للإمام الخميني بضرورة الرحيل، مع شرح الأسباب. وللأسف فقد حملها السيّد الخميني حسرةً وضغينةً في نفسه طوال سنوات لجوئه إلى فرنسا، فمن هناك، ومنذ اليوم الأوّل، أطلق فتاواه التكفيريّة بحّق القيادة البعثيّة في العراق. وإضافة إلى استثمار الموقع الديني في السياسة، فقد انهالت ألوان من التعبئة النفسيّة، واستنباش الكراهيّة، وإثارة الاحتقانات التاريخيّة المشوبة بتحريضات طائفيّة، حيث لم تتلكأ إذاعات إيرانيّة محليّة في تعليم دروس في كيفيّة صنع قنابل حارقة (مولوتوف)، لاستخدامها ضد الحزب الكافر في العراق ( إذاعة طهران في 21 حزيران 1980).

حمدان يحمّل قادة إيران مسؤوليّة الحرب قبل نشوبها بسنة ونصف، وبتحريضات دينيّة طائفيّة، لا لبس فيها، ويسوق الكثير من التصريحات، والخطابات، ومنها ما صرّح به صادق قطب زاده وزير خارجيّة ( الثورة ) الإيرانيّة، في الكويت، للصحفيين العرب، بتاريخ 25 نيسان 1980: إنّ الجزر التي تسموّنها إماراتيّة هي جزر إيرانيّة تاريخيّا، بل إن العراق نفسه هو فارسي!
مشكلة الأكراد لا تخّص العراق وحده، ولكنها تتوزّع بين إيران، وتركيّا، والعراق، وبعض دول الجوار بما فيها جمهوريات سوفياتيّة سابقة.

يغوص حمدان حمدان في جذور المسألة الكرديّة، لا لينفي حقوق الأكراد في دولة ووطن، ولكن ليتأمّل هذه المسألة التي إذا كان هناك من اتفاق يجمع بين الدول التي يتوزّع فيها الأكراد، فهو رفض منحهم الاستقلال، وإن استغّل الأكراد وحرّكوا ضد هذا البلد أو ذاك. يرى حمدان بأن القيادات الكرديّة كانت دائما قصيرة النظر، وانتهازيّة، توقع الأكراد في مآس، وتلحق بهم خسارات.

في الفصل المعنون بـ( المظلوميّة التاريخية)، ينطلق حمدان من أن الشعب الكردي هو جزء من نسيج المنطقة، وهو باستقراء تاريخ الأكراد ( الغامض)، يكتب عن تاريخ الكرد في الماضي الغابر، ويتتبع أحوالهم في الحاضر العاثر.

يكتب حمدان: أن نلج المعطيات دون رياء، فالتموضع الكردي اليوم، بتاريخه أو بدونه، يعيش كثافة بالنسبة لإيران، ضمن مثلّث مقلوب، تزداد كثافته بالارتفاع إلى شمال غرب البلاد، وعلى طول سلسلة جبال زاغروس الموازية لواجهة محافظة بغداد. كما أن ثمّة أكرادا إيرانيين يعيشون في المناطق الشرقيّة من البلاد.

أمّا بالنسبة للعراق، فإن الخرائط تظهر كثافة كرديّةً في القوس الممتّد على طول الحدود مع إيران وتركيا، وهي الزاوية الشماليّة الشرقيّة لإقليم العراق، وأمّا طرف القوس الغربي، فيظهر تجمعات كرديّة في الجزء العلوي عند رأس البطّة إلى الشرق من مدينة القامشلي السوريّة،مع امتداد نحو جنوب المدينة أيضا.

في تركيا يتمركز الأكراد في جنوب شرق البلاد، ضمن المنطقة الممتدّة من جبال أرارات المطلّة على إرمينيا، وحتى ديار بكر، وماردين، وإلى الغرب من نهر الفرات بمجراه التركي... ( 102)
هل للأكراد انتشار في أماكن أخرى غير إيران، وتركيّا، والعراق؟
حمدان حمدان بالتركيز على مواطن انتشار الأكراد يريد للقارئ أن يدرك مدى تعقيد (المسألة ) الكرديّة، وليس اتخاذ موقف معاد لحقوقهم المشروعة والعادلة.

يجيب حمدان: ثمّة تجمعات كرديّة موزعّة في مقاطعة خراسان الإيرانيّة، وعلى طول الحدود الإيرانيّة مع تركمانستان، وفي مقاطعة بلوشستان قرب الحدود مع باكستان، كما تصل التجمعات في هضبة الأناضول إلى شمال وشرق مدينة أنقرة. كما أن هناك تجمعات ملحوظة باتت ترى إلى الشمال والشرق من مدينة حلب، ومنها جنوبا حتى جبل عفرين القريب من الحدود التركيّة، أو من البحر المتوسّط. وهناك تجمعات كرديّة مشتتة في إرمينيا، وجورجيا، وأذربيجان، ناهيك عن الأحياء الصغيرة والكبيرة في المدن العربيّة التي نعرفها، كحّي الأكراد القديم في مدينة دمشق، أو مدن الجليل الأعلى في فلسطين ( ص101).

هذه المعلومات عن الانتشار الكردي في كّل هذه البلاد، والأوطان، وبين هذه الأمم، والشعوب، تقدّم دليلاً على استحالة نشوء دولة كرديّة، إلاّ إذا تمّ تفكيك، وإعادة بناء الدول من جديد، وبخّاصة: تركيّا، وإيران...
قد يتساءل أحدنا: وماذا عن العراق والمشكلة الكرديّة؟ برأي حمدان، ومعطيات وحقائق الجغرافيا كما يرى: العراق هو الأقّل تضررا، فالأكراد ينتشرون في الخاصرة، وهم لن يغيّروا هويّة العراق لو انفصلوا، ورفض استقلالهم يأتي من دول الجوار: تركيّا، وإيران، لأن استقلال الأكراد سيمزّق تلكما الدولتين.

هناك مشكلة كبيرة في علاقة الأكراد الداخليّة، تشكّل عائقا لا يقّل عن العائق المشار إليه، وهو الجغرافيا السياسيّة، فالأكراد يتكلّمون بعدّة لغات، ولا تجمعهم أرض واحدة متصلة، أو تطلعات مشتركة، أو ثقافة واحدة، وهو ما يقّر به كتّاب من أصول كرديّة، مثل نوري المرادي ( ص106)

حمدان يرى بأن على الأكراد أن ينشئوا فيدراليّة مع النفس: والمحصّلة أن الشعب الكردي، حسب تاريخ غائر ومجهول، هو الذي يحتاج فيدراليّة مع نفسه، قبل عقدها مع الآخرين. فإذا أراد الأكراد استخراج دولة من تحت عباءة الفدرلة، فإن مقوماتها قد تكون في تركيا وليس في العراق، إذ لا يوجد مقوّم واحد من مقومات الدولة الكرديّة في العراق، حتى لو صدق المرسلون من حكّام واشنطن في عراق اليوم، فبغداد هي الوحيدة التي سمحت للأكراد بحكم ذاتي يتّم في ظلّه استخدام اللغة، وإصدار الصحف، والكتب، وكذلك البّث الإذاعي، والتلفزيوني للأعراس، والحفلات، باللباس والموسيقى، والشعر، والأدب، وما يدانيه من تراث وتقاليد. وبغداد هي التي بنت مدارس وجامعات في المنطقة الكرديّة. وهناك ما يربو على ثمانين في المائة من الكتب الكرديّة كانت تنشر في العالم، خلال خمسينات القرن العشرين، قبل حكم الرئيس صدّام حسين، وأثناءه، وهي كلّها قادمة من العراق...
في تركيا وإيران فإن اللغة الكرديّة من المحرمات...
ينبّه حمدان إلى أنه استقى هذه المعلومات من كتاب ( جوناثان راندل) المتعاطف مع القضيّة الكرديّة.

ينصح حمدان الأكراد:
بقي في خاتمة الخطاب، كلمة صادرة عن النصح الأخوي، وصلات أرحام مديدة _ هنا يقدّم ما فاجأني شخصيّا، وما سيفاجئ غيري، وهو أن جدّته لأمّه هي كرديّة أبا وأمّا_: الدولة الكرديّة أمامها طريق طويل من الممانعات الدوليّة، والإقليميّة، وهي طريق دماء، ونكبات، ومصائب، أمّا قابليات الشعب الكردي فهي أشبه ما تكون بالقابليّات العربيّة في إيثار تخلّفها وتنازعها.. ولعلّ الممكن الوحيد في أفق القضيّة الكرديّة اليوم، حتى مع احتلال العراق، والوعود الأمريكيّة المغدقة، ألاّ يحاول الأكراد إعادة إنتاج تجربة (مهاباد)، ولا التسلّح بما قالته معاهدة سيفر، فقد خدعنا نحن العرب قبلكم، فكان نصيبنا من وعدنا الغربي، وإثرة بريطانيا في وعد بلفور، وأخرى عالميّة في سايكس بيكو. يكفي الأكراد الحكم الذاتي على طريقة العراق، أو ما هو أدنى منه في بلدانية التجمعات الكرديّة الأخرى، في أحسن الأحوال، اليوم.( 107)

في الفصل المعنون: مكونات بطل تاريخي، يعود حمدان إلى جذور الخلاف الطائفي السنّي الشيعي، ويتوقّف عند حقبة الخليفة المأمون، وتسرّب التأثير الفارسي على الدولة: وقد اعتبرت أوصال الدولة العبّاسيّة خلائط من أقوام شتّى، تمثّلت بدهاء فارسي أيّام المأمون، وعسكريّة تركيّة جلفة أيّام المعتصم. وإذا فقد كنّا أمام دولة موزاييك لا مثيل لتنافرها في تواريخ الشعوب، إذ لم يكن هناك حاكم في بغداد إلاّ وكان جلّ هذه الخلائط ضدّه، لأي سبب أو اعتبار. ولا شكّ أنّ هذا التاريخ، مع إبعاد النظرة الرومانسيّة القوميّة، كان يزدحم بمساحات واسعة من المؤامرات والاحترابات. ولم يكد خليفة بعد المتوكل، أن يموت ميتة ربّه، إلاّ بالقتل ودّس السّم، وسمل العيون، من الأقارب قبل الأباعد، بل من الموثوقين المؤتمنين قبل المشتبهين والمشككين!. ( 228)

بالرجعات التاريخيّة، والعودة إلى الوقائع والحقائق، وخلفيات الصراعات الراهنة التي تلبس لبوسا طائفيّا، أراد حمدان أن ينصف الرئيس صدّام حسين، ويدين المتآمرين المنبتين، والذين لا ولاء لهم سوى مصالحهم، والذين يوظفون ( الطائفيّة ) لخدمة أعداء الوطن والأمّة، بتضليلهم ( للبسطاء) السذّج ودفعهم لتخريب وطنهم، وتدمير حياتهم بأيديهم...

يشير حمدان إلى المقارنة التي ترد حين الحديث عن العراق، بين الحجّاج و..صدّام حسين، وهو يرى أن ما يميّز أي حاكم هو: العدل، ولذا يرى بأن المساواة بين صدّام والحجّاج.. إن هي إلاّ من قبيل ( الأسلوب) فقط.. يقصد ألممارسة العنيفة لبسط هيمنة سلطة الدولة!
الأهداف مغايرة، فالحجّاج يهدم الكعبة وبقسوة من أجل بسط هيمنة الأمويين، أمّا قسوة صدّام فقد كانت من أجل (ضبط) العراق، والسير في طموحات مشروعة.( 228)

بعد قراءة زمن الصراع في خلافة المأمون، والمجتمع الفسيفسائي المهيّا للتناحر، ينتقل إلى زمننا المعاصر، فيقارن بين تجربة حكم ( البعث)، وقيادة صدّام حسين، حاكم العراق في الثلث الأخير من القرن العشرين، والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، ويتوقّف عند حدث تأميم النفط، والطموح الصناعي والاقتصادي، والقومي، مع مصر الثوريّة بقيادة جمال عبد الناصر، وثورة يوليو تموّز 1952، وما تعرّضت له من مؤامرات خارجيّة إثر تأميم القنال، وبناء السّد العالي، ونهضة مصر الصناعيّة، وطموحاتها، ودورها القومي...

يرى حمدان أن الحكم عند صدّام حسين ( وسيلة) لا غاية: وكان أوّل ما اصطدم به مشروع الثورة، هو عامل الخارج قبل الداخل، فمن أزمة قناة السويس، على العدوان الثلاثي، ثمّ من أزمة السّد العالى إلى الامتناع عن توريد السلاح، مّما اضطر نظام عبد الناصر إلى اللجوء إلى القطب الآخر: الاتحاد السوفييتي.( 229)

حمدان لا يجهل سلبيات حقبة حكم البعث في العراق: فنظام صدّام حسين بديكتاتورية حكم الحزب الواحد، لم يكن نظام طوائف، بل نظام مشروع يريد الخروج من النفق، ومثل هذه المشاريع، غالبا ما تصطدم بقوى المجتمع التقليديّة، بحيث تستثير عصبياتها من نواح حسّاسة، كالدين، والكرامة القبليّة، وحقوق الإثنيّات...(ص232)

مصيبة العراق أنه محاط ( بخصوم)، كأنما لا تكفيه مكوناته الداخليّة الإثنيّة، والطائفيّة، وهذا ما جعل وزير العدوان الأمريكي دونالد رامسفلد يصف وضع العراق: إنه صندوق محاط بالأعداء من جهاته الأربع...

في كتابه ( حرب الخليج) تساءل الأستاذ محمد حسنين هيكل، بعد توسّع في شرح للمتغيرات الدوليّة، التي كان الرئيس صدّام حسين يدركها جيّدا، عن الأسباب التي دفعته للتقدّم ووضع نفسه والعراق تحت ( الضربة) الأمريكيّة؟
العراق محاط بخصوم طامعين، وبأمتين لهما مطامح، وبينهما صراعات: تركيا، وإيران، ناهيك عن الأطماع الأمريكيّة، والعداء الصهيوني القلق من تطوّر العراق عسكريّا وعلميّا، وتنامي ثرواته التي تمكّنه من امتلاك أسباب التطوّر والنمو...

فكيف، بعد ثمانية أعوام من الحرب الضروس ( تورّط) العراق في ( احتلال) الكويت، ووضع نفسه تحت الضربة، ومكن (عربا) مرتبطين بأمريكا ن خائفين من الطموحات العراقيّة، من الانحياز ضدّه بحجّة رفض احتلال بلد عربي؟!

بعد خمسة أعوام من الاحتلال، وسنوات الحصار، وتصاعد فعل المقاومة العراقيّة المظفّرة التي يؤمن حمدان بأنها _ نشاركه هذا افيمان_ ستلحق في الاحتلال الأمريكي خسارة فادحة تهيئ لاندحار ( الإمبراطوريّة) الأمريكيّة، وتدحر شرّها بعيدا عن البشريّة، وهو ما يهيئ لبروز قوى جديدة تنهي هيمنة القطب الأمريكي الواحد الذي استشرى شرّه وعربدته بعد انهيار القطب الآخر: الاتحاد السوفييتي، يأتي كتاب حمدان ليقدّم ( جردة ) حساب عمّا جرى، ولا يتهرّب من طرح السؤال: لماذا قام العراق بتسبيب كّل هذه العداوات لنفسه؟!

موقع العراق، الإثنيات، الطوائف، الأطماع في نفطه، القلق من دوره القومي العربي..كلّها أسباب للعدوان، والتآمر عليه!
ولكن: هل يكفي هذا التفسير؟!
كّل ما يورده حمدان عن أعداء وخصوم العراق، وبؤس الحال الرسمي العربي التابع والمرتبط، نشاركه القناعة به، ولكن..
لا بدّ من التوقّف عند السلبيات، والأخطاء التي وقع فيها نظام البعث بقيادة الرئيس صدّام حسين داخليّا، وفي إدارته للصراع.
الاتحاد السوفييتي انهار رغم امتلاكه للرؤوس النووية، والترسانة العسكريّة، والحزب الشيوعي..الواحد، ولعلّه بسبب ( الواحديّة) قد عجّل في انهياره!

الوحدة لا يمكن أن تفرض بالقوّة، إذ لا يكفي أن ( الكويت) كان جزءا من العراق، لتبرير احتلاله...
قد يقال بأن الكويت كانت كمينا استدرج له العراق، وهنا لا بدّ من السؤال: لماذا استدرج، ولماذا سهّل على المتربصين به ( اصطياده)؟!

كتاب حمدان حمدان يجيب عن أسئلة كثيرة، ويحرّض على طرح أسئلة كثيرة، ويعد بأن نقرأ لحمدان المتميّز بعقليّة ( نقديّة) صارمة، دراسة غنيّة، كما عوّدنا، عن أخطاء تجربة البعث في العراق، وذلك لتنتفع القوى القوميّة من الدروس والعبر، إذ لا يكفي أن نهجو أعداءنا، ونندّد بمؤامراتهم علينا، فحتى نخرج أقوى من ( المحنة) ينبغي أن نتعلّم من تكاليفها الفادحة التي تدفعها جماهير أمتنا العربيّة مشرقا ومغربا، وشعب العراق في المقدمة...

___________________
** حرب بوش الديمقراطيّة: بين خسارة اليوم المبكّر، أو كارثة الغد المتأخّر، صدر عن دار ( الخيال) بيروت نهاية العام 2007

التعليقات