جديد "مدار": محور خاص عن إسرائيل والسياق الإقليمي بعد الثورات العربية

إذا كانت الحرب العالمية الأولى قد انتهت بوعد بلفور، فإنّ الحرب العالمية الثانية قد انتهت بنظام عالمي جديد من مفرزاته الأولى كان قرار التقسيم الذي ما زال تأثيره ماثلاً في حياتنا. هكذا تشكّل الشرق الأوسط على صورته الحالية كنتاج لحربين عالميتين لم يكن لنا فيهما لا ناقة ولا بعير

جديد

صدر حديثًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار العدد رقم 52 من المجلة الفصلية المتخصصة "قضايا إسرائيلية". ويضم هذا العدد محوراً خاصاً بعنوان "إسرائيل والسياق الإقليمي بعد الثورات العربية".

وتركز مقالات المحور على العوامل الإقليمية والقوى الرئيسة في منطقة الشرق الأوسط، وتحوّلاتها الداخلية، ومدى تأثير هذه التحولات الداخلية على سياستها الخارجية تجاه إسرائيل بشكل خاص، والاصطفافات الإقليمية الجديدة الممكنة بشكل عام.

ساهم في المحور كل من مهند مصطفى (المشهد المصري)؛ عنات لبيدوت- فيريللا (المصالح والقيم في السياسة التركية الخارجية حيال إسرائيل)؛ عبد كناعنة (إسرائيل بين المقاومة والجهاد: عن المواجهة بين فكرين)؛ أوري غولدبرغ (منظور إسرائيل إزاء إيران كشاهد على الاتجاهات الحالية لدى المجتمع الإسرائيلي)؛ يوئيل غوجانسكي ورون تيرا (هجوم إسرائيلي على إيران: اعتبارات الشرعية الدولية)؛ أون براك (وجهة نظر أكاديمي إسرائيلي حول الثورات العربية).

ويحوي العدد مقابلة خاصة أجراها أنطوان شلحت وبلال ضـاهر مع اللواء احتياط عامي أيالون، الذي شغل في السابق منصبي قائد سلاح البحرية الإسرائيلية ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، وانتخب بعد ذلك للكنيست عن حزب العمل وتسلم منصب وزير بلا حقيبة، أكد فيها أنه يجب العمل من أجل إيجاد واقع إقليمي يتم فيه تطبيق حل دولتين لشعبين من خلال الاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن في حال انعدام اتفاق كهذا يجب تشجيع "اتخاذ خطوات مستقلة" من طرف كل جانب على حدة شريطة أن يكون من شأنها أن تدفع قدماً نحو نشوء واقع دولتين لشعبين. ومن هذه الخطوات المستقلة أشار إلى ضرورة توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة من أجل الاعتراف بفلسطين كدولة وعدم الركون إلى إقامة هذه الدولة من خلال المفاوضات التي جرى تجريبها منذ أكثر من عشرين عاماً ولم تنجح، مشيراً إلى أنه لا توجد دولة في العالم نشأت نتيجة مفاوضات.

وفي العدد ترجمة خاصة لمقالة الصحافي الإسرائيلي آري شافيت "اللد 1948: المدينة، المجزرة والشرق الأوسط اليوم" التي نُشرت في مجلة "نيو يوركر" الأميركية. وهناك ترجمة خاصة أخرى لمحاضرة البروفسور رفائيل فالك حول "الصهيونية وبيولوجيا اليهود".

كما يضم تقريراً بعنوان "نحو عام على حكومة نتنياهو الثالثة: كشف حساب أولي" بقلم وديع عواودة.

وفي باب قراءات قدمت المجلة عرضاً أعدّه أسعد زعبي لكتاب المؤرخ والأستاذ الجامعي الإسرائيلي شلومو ساند "اختراع أرض إسرائيل" الذي صدر حديثاً في ترجمة عربية عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار. وقدّم علي حيدر قراءة في كتاب "الحروب الجديدة لإسرائيل، تفسير اجتماعي- تاريخي"، وقدمت مرام مصاروة قراءة لكتاب "الكارثة، الولادة من جديد والنكبة"، ويقدّم الطيب غنايم قراءة لرواية عبرية جديدة بعنوان "ألمينا" تتضمن مقابلة مع مؤلفها.

وفي العدد ترجمة خاصة بـ "قضايا إسرائيلية" من الأرشيف الصهيوني لمقال نشرته مجلة "ثقافة ديمقراطية" الصادرة عن كلية الحقوق في جامعة بار إيلان العام 2009، يلقي الضوء على الجدل الذي سبق إعلان قيام إسرائيل في 15 أيار 1948 بموجب قرار التقسيم الأممي في 29 تشرين الثاني 1947. ويظهر المقال، بخلاف أبحاث تاريخية أخرى، انقسام قادة الحركة الصهيونية وترددهم حيال الإعلان عن الدولة اليهودية الذي تحفظت منه الولايات المتحدة ودعت  للقبول بهدنة ثلاثة شهور ما أثار جدلاً داخل القيادة الصهيونية آنذاك انتهى بترجيح كفة الإعلان عن الدولة بعد موازنة الحسابات والاحتمالات والمخاطر على شتى أنواعها.

وأشارت افتتاحية العدد التي كتبها مدير تحرير المجلة رائف زريق إلى أن هذا العام، 2014، هو الذكرى المئة لاندلاع الحرب العالمية الأولى، هذه الحرب التي انتهت بوعد بلفور، واتفاقية سايكس- بيكو، وضمور الإمبراطورية العثمانية إلى حدود الدولة التركية الحالية كما نعرفها اليوم. وإذا كانت الحرب العالمية الأولى قد انتهت بوعد بلفور، فإنّ الحرب العالمية الثانية قد انتهت بنظام عالمي جديد من مفرزاته الأولى كان قرار التقسيم الذي ما زال تأثيره ماثلاً في حياتنا. هكذا تشكّل الشرق الأوسط على صورته الحالية كنتاج لحربين عالميتين لم يكن لنا فيهما لا ناقة ولا بعير.

وأضاف: في إشارتي إلى هذه الحقيقة أرمي إلى القول بمدى تشابك القضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي بجملة من السياقات الدولية التي أثّرت وما زالت تؤثر فيه. وقد اخترنا في هذا العدد أن نركّز على العوامل الإقليمية والقوى الرئيسة في المنطقة، تحوّلاتها الداخلية، ومدى تأثير هذه التحولات الداخلية على سياستها الخارجية تجاه إسرائيل بشكل خاص، والاصطفافات الإقليمية الجديدة الممكنة بشكل عام.

وأكد أنه منذ فترة لم يكن الشرق الأوسط على هذه الدرجة من السيولة والغليان، ومن المبكر جدًا التنبؤ بما ستؤول إليه المنطقة من تحولات وترتيبات جديدة. تاريخيًا اعتمدت إسرائيل على سياسة بن غوريون القائمة على محاصرة الحصار، أي إقامة طوق غير عربي حول دول الطوق العربي، ومن هنا كان اهتمام إسرائيل الخاص بتركيا وإيران باعتبارهما دولتين قويتين ومركزيتين في المنطقة، يشكل التحالف معهما توازنًا مع المشروع القومي العربي الممتد من مصر إلى سورية مرورًا بالعراق. لكنّ مياهًا كثيرة جرت منذ السبعينيات: إيران لم تعد تلك الدولة التي كانت، ومصر خرجت من دائرة الصراع، والعراق وسورية تدمّران بفعل حرب أهلية دامية، وتركيا تراوح بين رغبتها في استعادة دورها العثماني في المنطقة العربية والتركيز على دورها الإسلامي من ناحية، ورغبتها في الانخراط في المنظومات العالمية بقيادة الولايات المتحدة، من ناحية أخرى. أما إيران فيبدو أنها تنحو باتجاه انفراج في علاقاتها مع الولايات المتحدة، بينما السعودية تنظر حولها لترى أنها فقدت وزنها في المنطقة، وتبحث عن موطئ قدم جديد على شاكلة استعادة تحالفها مع مصر بقيادة العسكر وتحت حكم السيسي. وعليه، اخترنا في هذا العدد أن نلقي بعض الضوء على هذه التحولات الإقليمية مركّزين على ما يحدث في إيران، تركيا، مصر، لبنان، وسورية وكيفية تأثير التحولات الداخلية في هذه البلدان على الخارطة الإقليمية بشكل عام، وعلى علاقة هذه الدول بإسرائيل وعلاقة إسرائيل بها. بدون هذا السياق الإقليمي ستبقى محاولتنا لفهم التحرّكات الأميركية في الشرق الأوسط ودورها في العملية التفاوضية بين إسرائيل والفلسطينيين منقوصة.

التعليقات